واشنطن ترسم خطوطا حمراء لإيران في العراق

عكست زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بغداد صلابة استراتيجية واشنطن في تنفيذ العقوبات على إيران، وجدية واضحة من إدارة الرئيس دونالد ترامب في رسم خطوط حمر أمام طهران والتلويح بردود قاسية إذا ما غامرت هي أو أذرعها بأي تهور ميداني ضد القوات أو المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.

ووضعت الزيارة، غير المعلنة لبومبيو، الحكومة العراقية “أمام مسؤولياتها” في ظل تزايد التصريحات الإيرانية التي تتضمن تهديدات مباشرة.

وقالت مصادر رفيعة لـ”العرب” إن “بومبيو أبلغ رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، بأن الولايات المتحدة لن تتخذ خطوة الحرب الأولى ضد إيران، لكنها لن تتردد في حماية أمن بعثتها وجنودها في العراق”.

وتابعت المصادر أن “بومبيو قدم للعراقيين تصورا معززا بالأدلة، عن خطط إيرانية يمكن تطبيقها في أي لحظة لتصعيد التوتر في المنطقة”، مشيرة إلى أن “الوزير الأميركي قدم للمسؤولين العراقيين أدلة استخبارية تشير إلى تخطيط مجموعة عراقية على صلة بإيران لتنفيذ عملية عسكرية ضد مجمع يضم قوات أميركية شمال بغداد، وآخر غربها”.

وشملت المعلومات الاستخبارية أيضا “خططا تتعلق بمهاجمة مبنى السفارة الأميركية في بغداد عبر صواريخ قصيرة المدى”، فضلا عن “خطط إيرانية جدية لإغلاق مضيق هرمز″، وفقا للمصادر التي زادت أن “بومبيو تطرق إلى تهديد إيراني حقيقي يستهدف مصالح دول تقع على الخليج العربي”.

وأضافت أن “وزير الخارجية الأميركي سأل المسؤولين العراقيين الذين قضى معهم أربع ساعات، صراحة، ما إذا كانت بلادهم قادرة على حماية أمن البعثة الدبلوماسية الأميركية والجنود الأميركيين العاملين في البلاد”، مؤكدة أن “بومبيو سمع تعهدا عراقيا صريحا بهذا الأمر”.

وعقب انتهاء مباحثاته مع صالح وعبدالمهدي، أبلغ بومبيو الصحافيين الذين يرافقونه في طائرته، بأنه بحث مع المسؤولين العراقيين “أهميّة أن يضمن العراق قدرته على توفير الحماية المناسبة للأميركيين في بلدهم”، مشيراً إلى أنّ المسؤولين العراقيين “أظهروا أنّهم يدركون أن هذه مسؤوليتهم”.

وأقر بومبيو بأنه أطلع المسؤولين العراقيين “على سيل التهديدات المتزايد الذي رأيناه (من إيران)”، فضلا عن إعطائهم “خلفية أكثر قليلا حول ذلك حتى يقوموا بكل ما بوسعهم لتأمين الحماية لفريقنا”.

وجاءت هذه الزيارة، في ظل تقارير تؤكد تنامي نفوذ قوات الحشد الشعبي على حساب الحكومة العراقية، ما تسبب في إثارة القلق في واشنطن.

وذكرت مصادر سياسية عراقية أن “فصائل في قوات الحشد الشعبي، مرشحة فوق العادة، للمشاركة في أي تصعيد ميداني ضد الولايات المتحدة الأميركية في العراق”، مشيرة إلى أن “هذه الفصائل يمكنها استلهام نمط الجماعات التكفيرية في التمرد، من خلال استخدام السيارات الملغمة والعبوات الناسفة، وحتى الانتحاريين”.

ولدى القوات الأميركية تجربة استمرت لسنوات مع هذه الفصائل في العراق انتهت بتعرضها إلى خسائر بشرية ومادية، على غرار عمليات نفذتها عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، في مدينتي النجف وكربلاء خلال عامي 2006 و2007 وتسببت في سقوط قتلى في الجيش الأميركي.

في غضون ذلك، أكد المبعوث الأميركي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش بريت مكغورك، أن زيارة بومبيو إلى بغداد، هي محاولة “للحد من مخاطر سوء الفهم”، فضلا عن “عدم وجود قنوات دبلوماسية للولايات المتحدة مع إيران”.

وقال مكغورك إن الزيارة “خطوة ذكية للقاء القادة العراقيين وجها لوجه”، وأنها تضمن “المزيد من التواصل، وهذا أفضل للحد من مخاطر سوء الفهم وسوء التقدير”، مشيرا إلى أن “عدم وجود قنوات دبلوماسية مع إيران يزيد الحاجة إلى التواصل غير المباشر عبر بغداد”.

ويقول مراقبون إن مكغورك يقدم المزيد من الشرح لمقاصد الزيارة المفاجئة التي قام بها بومبيو إلى العراق، لاسيما في ما يتعلق بضرورة قيام بغداد بتقديم شرح واف للإيرايين بشأن حراجة الموقف.

ولم يطلب الوزير الأميركي من المسؤولين العراقيين نقل رسائل واضحة إلى إيران، لكن المصادر المواكبة تؤكد أن “الولايات المتحدة لن تغضب إذا قامت بغداد بعرض فحوى وتفاصيل الموقف الأميركي على الإيرانيين”، مؤكدة أن “هذا ربما سيكون التحذير الأميركي الأخير لإيران”.

وجاءت زيارة بومبيو إلى العراق، بعد يومين من تحذير الولايات المتحدة إيران من أنّها ستردّ بـ”قوة شديدة” على أي هجوم، فيما أرسلت واشنطن حاملة الطائرات “يو.أس.أس.أبراهام لينكولن”، وسربا من طائرات “B 52″، العملاقة المتخصصة في الهجوم الجوي البعيد، إلى منطقة الشرق الأوسط.

ويعتقد المراقبون أن واشنطن ليست لديها أسرار تودعها في بغداد فهي لا تثق بالحكومة العراقية من جهة علاقتها بإيران، لذلك حضر بومبيو بنفسه ليؤكد أن الأميركيين جادون في الرد على أي اعتداء تتعرض له أهداف أميركية على الأراضي العراقية محملا حكومة عبدالمهدي المسؤولية.

وقلل مراقب سياسي عراقي من القول بأن الولايات المتحدة تعتمد في حماية سفارتها في بغداد على الجهات العراقية، مشيرا إلى أنه إضافة إلى الشركات الأمنية التي تتولى القيام بذلك مباشرة، تمتلك الولايات المتحدة عيونا داخل الجماعات المسلحة الموالية لإيران، تزودها بالمعلومات أولا بأول. وهو ما يجعلها على اطلاع على تحركات تلك الجماعات من أجل إفشالها في وقت مبكر.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن ما يهم الولايات المتحدة أن تحرم إيران من لعب أوراقها في العراق وهو مضمون التحذير الأميركي الذي حمله بومبيو إلى الحكومة العراقية في زيارته القصيرة، وهو تحذير يضع الحكومة العراقية في مواجهة مع الميليشيات التي تعتقد طهران أن في إمكانها إشغال الولايات المتحدة عن هدفها الرئيسي، أي استهداف إيران.

واعتبر أن الحديث عن انقطاع قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وإيران فيه الكثير من التبسيط، ذلك لأن الطرفين يملكان وسطاء يطمئنان إليهم أكثر من اطمئنانهم إلى الجانب العراقي الذي صار أشبه برهينة بأيدي زعماء الميليشيات الموالين لإيران، وهو ما يزعج الإدارة الأميركية غير أنها تتعامل معه بحذر، في انتظار أن ينجلي الموقف.