رئيس وزراء الحشد الشعبي

لا أحد يعترض على أي رئيس جمهورية أو رئيس وزراء حين يحاور حكومات دولة الجوار ويحاول الوصول معها إلى أفضل الطرق وأقصرها لإرساء الأمن والسلام على حدود البلدين، وجعل العلاقة بينهما سمنا وعسلا، ولكن بحدود ودون أن تصل جهوده إلى نقطة العبور إلى الشعور بالدونية والانبطاح، وصولا إلى الانقياد التام الذي لا يوصف إلا بالعمالة والخيانة، والعياذ بالله.
 
ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، عادل عبدالمهدي، الذي أجلس على كرسي نوري السعيد وعبدالكريم قاسم وعبدالرحمن البزاز وسعدون حمادي وصدام حسين، طالما أكثر الحديث والاتصال والسفر تحت “شعار” إقامة علاقات متوازنة بين العراق “الديمقراطي الجديد” وبين إيران ودول الجوار الأخرى، بالتساوي وبالعدل القسطاس، وذلك لإبعاد العراق عن سياسة المحاور، وللحيلولة دون جعله ساحة صراع بينها، جميعها، حفاظا على مصالح الشعب العراقي، أولا، وثانيا، وإلى آخر نفس.
 
ولكن حبل الكذب والتقية والشطارة والنفاق قصير جدا دون ريب. فمن آخر أخبار “الزعيم رغما عنه”، عادل عبدالمهدي، أنه أعلن، رسميا، أن سبب عدم عودة سكان المناطق المحررة من داعش إلى منازلهم، هو “اعتراضات سياسية حدودية، وخصوصا من الجارة إيران، منعت عودة النازحين إلى مناطقهم المحررة”. وأضاف في حديث صحافي السبت “أن إيران وأحزاب الحشد تعترض على عودة النازحين إلى مناطقهم المحررة، وأنا مُلزم بتنفيذ توجهاتها”.
 
والمقصودة هنا عشرات المدن والقرى في محافظة ديالى وكركوك وصلاح الدين القريبة من حدود العراق مع إيران، رغم مرور أكثر من عامين على تحريرها من تنظيم داعش، وبرغم وعود الحكام العراقيين بعودة أهلها المهجرين إليها دون إبطاء.
 
كما أن هناك مدنا وقرى في محافظات أخرى، كالأنبار ونينوى وبابل، على حدود العراق مع السعودية والأردن وسوريا، هي الأخرى تُعتبر من المناطق المحررة من داعش ولكن ممنوع على أهلها المهجرين أن يعودوا إليها. رغم كل ما عانوه على أيدي الدواعش، وما عانوه على أيدي المحررين الحشديين، ورغم كل معاناتهم في مخيمات المهجرين التي لا تطاق.
 
مع التذكير بأن ذلك يجري بالتزامن مع حملات “حشدية” عراقية وحرسية ثورية إيرانية، وعلى مرأى الحكومات العراقية المتعاقبة ومسمعها، لتنفيذ مخطط تغيير ديمغرافي يهدف إلى إسكان أسر موالية بدل أهلها السنة المعروفين برفضهم الثابت والمبدئي للاحتلال الإيراني، وذلك من أجل ضمان ولاء هذه المدن والقرى الكامل لدولة الولي الفقيه، وإدخالها ضمن حزام حماية القوافل الإيرانية العابرة إلى سوريا ولبنان، وكذلك لحرمان الولايات المتحدة وحلفائها العرب الآخرين من فرصة استخدام سكان تلك المناطق لكسر الهلال الشيعي الفارسي الممتد من إيران وحتى شواطئ البحر المتوسط.
 
هذا في مجال المهجرين. أما في ما يخص ملفات الذين سهلوا لداعش احتلال مدنهم وقراهم وتسببوا في تهجيرهم ونهب منازلهم، فإن رئيس الوزراء لم يعثر إلى حد الآن على دليل واحد يدين أيا ممن كان السبب، عن قصد أو عن تقصير.
 
ويبدو أن صلاحياته المحددة له من قبل المندوب السامي الإيراني لا تسمح له بالتدخل في ما لا يعنيه، وهي لا تتعدى شؤون المجاري وشوارع المنطقة الخضراء، وإطلاق الوعود التي لا تنفذ.
 
وفي ما يخص المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي اخترعه وأنفق على تأسيسه وعلى إعاشة موظفيه الملايين من الدولارات، فلم يحن الوقت لتفعيل عمله والدخول في حربه على الفساد والفاسدين.
 
فذلك المجلس، كما سُرب من أخبار، أنشأ لجنة فرعية لتقصي الحقائق، ثم أنشأ لجنة فرعية ثانية لتحليل المعلومات، ولجنة فرعية ثالثة لإعداد الملفات. والرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة ينتظر أن ترفع اللجنة الثالثة تقريرها إلى اللجنة الثانية، والثانية إلى الأولى، ومنها إلى مكتب السيد الرئيس.
 
ومعلوم أن رحلة التقرير من لجنة إلى لجنة أخرى تستغرق شهورا، وقد يرحل الرئيس بسلام دون أن يتورط في فتح ملف واحد من ملفات الفاسدين الكبار الذين يعرفهم حق المعرفة، وقد تكون له حصة مع أحدهم في أسلاب إحدى غزواته الجهادية المقدسة. لا خلاف على أن السياسة، خصوصا في عراق اليوم، هي فن المراوغة والمماطلة واللف والدوران.
 
ومعروف أن الذين سبقوه في الجلوس على الكرسي المذهب كانوا، مثله، دوارين ولفافين ومماطلين، ومخلصين لدولة سيدهم الولي الفقيه، ولكنهم كانوا يسترون عوراتهم، وينفذون الأوامر بصمت ومن وراء الستار، ولا من رأى ولا من سمع.
 
أما عادل عبدالمهدي فقد أثبت أنه أقل منهم، جميعا، حياء من شعبه، وأقلّ خوفا من ربه، وأكثرهم احتقارا لما سيقوله عنه المؤرخون. فقد أعلن صراحة وبالقلم العريض أنه رئيس وزراء الحشد الشعبي، وأن طلبات إيران منه أوامر. أما شعبه فليس له عنده سوى التقية والكلام المعسول. فهل من معترض؟
 
*نقلا عن "العرب"