الأجواء الشعبية في لبنان.. بين خائف من حرب مدمرة مع إسرائيل ومتذمر من وضع اقتصادي

مع اقتراب العاشر من محرم تتصاعد هواجس بين اللبنانيين من عودة التوتر إلى الجبهة الجنوبية للبنان مع إسرائيل، بعد التصعيد الأخير على جانبي الحدود.

ففي الأول من سبتمبر الحالي، استهدف “حزب الله” اللبناني آلية عسكرية شمالي إسرائيل بقذيفة مضادة للدروع، وتوعد برد ثانٍ على اختراق طائرات استطلاع إسرائيلية لسيادة لبنان، ومقتل عنصرين من الحزب في غارة بالجارة سوريا، في آب الماضي.

وقالت إسرائيل إن تلك الغارة أحبطت مخططًا من جانب إيران ومجموعات شيعية لشن هجوم على أهداف إسرائيلية من سوريا.

ورجح مصدر مقرب من “حزب الله”، في تصريحات سابقة بأن يرد الحزب على إسرائيل بعد ذكرى العاشر من محرّم (عاشوراء- 9 سبتمبر)؛ منعًا لتعريض الاحتفالات الشعبية بتلك الذكرى للخطر؛ تحسبًا لرد فعل إسرائيلي.

ورغم استمرار تحليلات لم تغلق الباب على سيناريو التصعيد بعد، تبدو الأجواء الشعبية في لبنان منقسمة بين خائف من حرب عسكرية وشاكٍ من وضع اقتصادي، هو أشد وقعًا على المواطن من الحرب.

ووفق معطيات رسمية لبنانية، يرزخ 1.5 مليون لبناني (من أصل حوالي 6.1 مليون نسمة) تحت خط الفقر، في بلد يعاني أزمة اقتصادية حادة، تفاقمت مؤخرًا بسبب أوضاع سياسية غير مستقرة.

وفي غياب إحصاء رسمي دقيق، تتفاوت التقديرات بشأن البطالة بين 35 بالمئة و60 بالمئة، وبلغ إجمالي الدين العام 86.2 مليار دولار في الربع الأول من 2019، بحسب وزارة المالية، في مايو الماضي.

ردًا على قذيفة “حزب الله”، قصف الجيش الإسرائيلي، في الأول من الشهر الجاري، بعشرات القذائف عددًا من القرى الحدودية اللبنانية، بينها “مارون الراس”، التي تعرضت لأكثر من 30 قذيفة.

حسين، من “مارون الراس”، قال: “أنا لا أخشى المواجهة، بوجود مقاومة باستطاعتها ردع العدو وتحقيق النصر”.

بينما قال حسّان، من بعلبك، إنه لا يخشى الحرب العسكرية بقدر ما يخشى الحرب المعيشية الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون: “فهذه الحرب تدخل على كل بيت وتطال كل الطبقات”.

وأضاف: “يمكنك أن تختبئ من القذيفة أو من الرصاصة، لكن حرب الجوع كيف يمكن الهروب منها؟!”.

وهو أيضًا رأي أحمد: “تعودنا على الحروب، لكن ما نتخوف منه هو الحرب الاقتصادية، وهي أصعب من الحرب الحقيقية، فالمشكلة مزمنة يعجز المعنيون عن حلّها أو بالأحرى لا يريدون حلّها”.

لكن لنانسي، نظرية مختلفة، فهي تخشى التصعيد العسكري بين لبنان وإسرائيل، ورأت أن “الحل للأزمة الاقتصادية ليس الهجرة، بل البقاء في الوطن والاعتصام بالشارع لسنوات حتى يتغير الطاقم السياسي الذي أوصل البلد إلى أزمته المعيشية”.

ورأى عماد، أن “كل اللبنانيين يخافون من الحرب بعكس ما يدّعون، لكن فكرة الانتصار التي يلعبها خط الممانعة في لبنان هي التي تخلق هذا النوع من الادعاء عند البعض، لكن الحفاظ على الحياة هو شعور مكتسب بالفطرة لدى البشر”.

وعبرت زينب (9 سنوات) عن خوفها من الحرب بقولها: “أخاف جدًا من وقوع الحرب؛ لأنني أخاف على بلدي من الدمار”.

وقالت شقيقتها بيسان (7 سنوات) إنها تخشى الحرب؛ لأنها تخاف على والدها أن يشارك بالحرب، ويصيبه أيّ أذى.

فسّر زهير حطب، باحث نفسي اجتماعي، عدم خوف البعض من الحرب بانتمائهم السياسي، “فاللبنانيون نوعًا ما مبدعون وسياسيون ومتطرفون جدًا في تعبيرهم عن موقفهم السياسي”.

وتابع “حطب”: “هذا الأمر يدفع اللبنانيين إلى إصدار مواقف متسرعة عشوائية غير منطقية ومن دون حسابات”.

ورأى أن “اللبنانيين مدّعون نظريًا، لكن عمليًا هم أضعف من أن يأخذوا موقف تحدٍ ومواجهة، وسيكون الهرب والنأي بالنفس سيد الموقف في حال وقوع أية حرب”.

واستطرد: “فهم يعرفون جيدًا أنهم في بلد غير مؤهل للمواجهة، وليس لديه مصادر الاكتفاء الاقتصادي والإنتاجي والخدماتي، أو مؤسسات وهيئات ووزارات تؤمّن له احتياط يساعده على المواجهة”.

وعن الحرب الاقتصادية وربطها بعدم الخوف من الحرب العسكرية، قال “حطب”: “كلما كانت أوضاع المواطن صعبة معيشيًا يميل إلى التشدد بمواقف بطولية، فيقول: يا أهلاً بالحرب، على اعتبار أنه في الوضع الأسوأ”.

وتابع “علمًا أنه في حال وقعت الحرب سيكون مصير اللبناني مثل مصير ضحايا الحروب في العالم”.