لماذا دفعت إيران الحوثيين لتبني هجوم أرامكو؟

طهران قررت تبني وسيلة تصعيد جديدة وهي رفع حدة الهجمات العسكرية وخطورتها على منشآت النفط في الخليج العربي وتوظيف الحوثيين في هذا المخطط.

لا يمكن وضع الهجوم الأخير من قبل إيران والحوثيين على منشأتين رئيسيتين تديرهما شركة أرامكو النفطية المملوكة للدولة في سياق الهجمات التي شنها الحوثيون داخل الأراضي السعودية باستخدام سلاح الطائرات من غير طيار. تريد إيران الترويج لمثل تلك الرواية وذلك للتخفيف من ردود الفعل الدولية المتوقعة. ولكن الحقيقة هي أن الهجوم الأخير هو تصعيد نوعي وانتقال من استراتيجية إيران السابقة، التي اعتمدت على هجمات محدودة، إلى سياسة الحرب الواسعة وغير المباشرة.

بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية وعودة العقوبات الاقتصادية، وجدت طهران نفسها أمام خيار واحد هو التصعيد وافتعال الأزمات في المنطقة. ذلك أن الجمهورية الإسلامية، التي تعاني اقتصاديا وتحاول جاهدة كبح جماح الغضب الشعبي والسيطرة عليه، لا تحتمل قسوة العقوبات الاقتصادية بمستوياتها الحالية. يعرف حكام طهران أن استمرار العقوبات سيقود إلى الانفجار الداخلي ولا يمكن لهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي. هكذا وضعت إيران استراتيجية لتنفيذ تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، حيث يمرّ خمس استهلاك النفط العالمي. الهدف النهائي لطهران هو وقف تصدير النفط في المنطقة في حال استمر منعها من تصدير نفطها.

وبسبب إدراك طهران خطورة ما قد ينجم عن شن هجمات عسكرية تخريبية تستهدف زعزعة استقرار سوق النفط العالمي، اتّبعت أسلوب الهجمات الصغيرة التي توقع خسائر محدودة للغاية وتبقى مجهولة المصدر.

وبدأ هذا النوع من الهجمات في شهر أبريل الماضي باستهداف سفن تجارية، بينها ناقلتا نفط سعوديتان، قرب ميناء الفجيرة في دولة الإمارات، ليتبعه استهداف محطتي ضخ للنفط شرقي المملكة العربية السعودية بطائرات مسيرة.

وفي منتصف يونيو الماضي، جددت إيران هجماتها على المنشآت النفطية في الخليج باستهداف ناقلتي نفط قادمتين من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية. كانت السمة البارزة لتلك الهجمات هو تصاعدها المستمر.

ولكن العقوبات الأميركية استمرت، بل ازدادت صرامة مع مرور الوقت، وهو ما دفع إيران إلى طرح ورقة عودة العمل على برنامجها النووي كوسيلة ضغط جديدة تخرجها من مأزق العقوبات القاتلة. من دون شك يشكل استئناف أنشطة البرنامج النووي الإيراني وسيلة ضغط مؤثرة على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ولكن نتائج ذلك الضغط لن تظهر إلا على المدى الطويل بسبب التقدم البطيء للغاية في البرنامج النووي، وهو ما قد يستغرق سنوات ليس بوسع طهران تحمّل أعبائها.

هكذا قررت طهران تبني وسيلة تصعيد جديدة وهي رفع حدة الهجمات العسكرية وخطورتها على منشآت النفط في الخليج العربي وتوظيف الحوثيين في هذا المخطط. لم يعد مجديا بالنسبة لإيران استهداف ناقلة نفطية هنا ومحطة ضخ هناك. كانت تلك العمليات تحذيرية تريد نقل رسالة للعالم مفادها أن بإمكان طهران التأثير على إمدادات النفط العالمي. أما اليوم، فقد انتقلت إيران للعمل على التأثير فعلا على إمدادات النفط تلك، فقررت ضرب أكبر وحدة لمعالجة النفط في السعودية، موقع بقيق التابع لشركة أرامكو. ينتج موقع بقيق نحو 100 مليون برميل، ما يعادل 5 بالمئة من الإنتاج العالمي، ويعالج بين 6 و7 ملايين برميل للتصدير. ولكي تتجنب إيران ردة الفعل الدولية على هذا العمل الخطير زجت باسم الحوثيين ودفعتهم لتبني الهجوم.

بالنسبة للمجتمع الدولي، فإن السعودية في حالة حرب مع الحوثيين وبالتالي فإن أي عمل عسكري من قبل الجماعة الحوثية داخل الأراضي السعودية لا يشكل صدمة كبيرة ولن يستدعي ردا دوليا عاجلا.

ربما يفسر ذلك تصاعد هجمات الحوثيين بطائرات مسيرة من غير طيار، وبصورة مفاجأة، على الأراضي السعودية خلال الأشهر الماضية. لم يستخدم الحوثيون هذا السلاح طيلة أربع سنوات من الصراع في اليمن، ولا يمكن تصديق رواية أنهم قاموا بتصنيع تلك الطائرات محليا. من الواضح أن سلاح الطائرات المسيرة والذي استخدم طيلة الأشهر الماضية يندرج في خطة إيرانية عملت على تسليط الضوء على الحوثيين ورسم صورة لهم كلاعب قادر على استخدام هذا السلاح. وعندما قررت إيران استخدام هذه الطائرات المسيرة بنفسها وإرسالها من الأراضي اليمنية لاستهداف منشآت النفط السعودية، بدا من المنطقي توجيه أصابع الاتهام إلى الحوثيين. باختصار مهدت طهران لهجومها النوعي الأخير طيلة الأشهر الماضية ليأتي في سياق هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية.

لقد ساعد ذلك بالفعل على تخفيف ردة الفعل الدولية حتى الآن. ولكن الجميع يدرك أن إيران هي الطرف الفاعل وأن مرور هذا العمل من دون ردّ لن يقود إلا إلى حدوث هجوم جديد. هذه المرة، ووفقا لاستراتيجية إيران الواضحة، سيكون أكبر حجما وأكثر خطورة.

*نقلا عن "العرب"