المليشيات الطائفية في طريقها إلى الانتحار

عندما يذعن رئيس الوزراء العراقي لإرادة قادة الميليشيات الموالية لإيران ويأمر قوات مكافحة الإرهاب بالانتشار في شوارع بغداد واستخدام أي وسائل لإنهاء الاحتجاجات، فإنه في الحقيقة، يسرع خطاه للوصول إلى لحظة الانتحار.

فوجئت ومعي الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن العراقي، بأعداد الميليشيات الطائفية المسلحة وبأعداد مقراتها، حتى في المدن العراقية الصغيرة، حيث تربك الحياة ولا تجعلها طبيعية. فكيف يمكن أن نتحدث عن المواطن وأمنه وحقوقه مع وجودها ونشرها الذعر بين الناس، مما دفع العراقيين إلى تفجير ثورة الشتاء العراقية تخلصا من حياة لم تعد تطاق مع تسلط هذه الميليشيات على حياتهم واختطافها أبنائهم وقتلهم بدم بارد.

هذه الميليشيات تربك الحياة في المدن، خصوصا الصغيرة منها، وكل قادة هذه الميليشيات لهم حمايات مسلحة منفلتة ويتدخلون في أمور الدولة ويستثمرون ويتوسطون، وعندما يخرج الواحد من هؤلاء القادة في موكب تغلق الشوارع، وجميع هذه الميليشيات مدججة بالسلاح وتضم أنماطا من البشر؛ عدد كبير منهم مستغل ومؤذ ومستفز للناس، والمعروف أنهم يتصرفون خارج المنظومة الإدارية للدولة، بل في كثير من الحالات هم أقوى من أجهزة الحكومات المحلية.

لهذه المليشيات في المدن العراقية آلاف المقرات، التي يمكن أن تحل أزمة السكن المزمنة في العراق، وتشير الكثير من الدراسات إلى أن عدد الميليشيات في العراق التابعة أو الموالية لولاية الفقيه يبلغ نحو 56 – 60 مليشيا، انضم معظمها إلى الحشد الشعبي، وتضم الأحزاب الدينية في العراق العدد الأعظم من الأجنحة المسلحة المصنفة دوليا بالإرهاب، ولك أن تحسب عدد ما تحتاج إليه من أبنية ومعسكرات ومقرات في كل مدينة.

تمويل هذه الميليشيات يأتي من إدارة قياداتها الأعمال القذرة؛ فرق القتل وتجارة الرقيق الأبيض وتجارة الأعضاء البشرية وإدارة صالات الروليت والقمار وتجارة المخدرات وترويجها، وهذه تأتيهم من إيران، التي لا يمكنها أن تمولهم لا بالدولار ولا بالتومان، الذي هبط إلى الحضيض، والشطر الأهم من سياسة الميليشيات تصفية المعارضين، سواء عن طريق التغييب القسري أو عن طريق الاغتيالات، وثبت أنها تنفذ جرائم اغتيال الخبراء والعلماء وكبار الأطباء منذ عام 2003. وهي اليوم تواصل النهج نفسه في التصدي لثورة الشتاء العراقية وشبابها الذين استطاعوا أن يقلبوا الطاولة على جميع مخططاتها، والذين أحرقوا معظم مقراتها، خصوصا في المدن الجنوبية، فاضحين زعما حرصت الأحزاب اللاهوتية الموالية لولاية الفقيه على ترويجه، ومفاده أن هذه المحافظات حاضنتها وأن أبناءها قاعدتها.

تم توزيع مهمات القتل على الأجنحة الحزبية المسلحة وميليشياتها، منذ اليوم الأول لثورة أكتوبر العراقية، ولم يكن القناصون الذين أوقعوا بالمتظاهرين السلميين في مقتلة عظيمة، إلا صفحة من صفحات المواجهة بالتنسيق مع لجنة الحرب النفسية في جهاز المخابرات ولجنة ما يسمى “الأمن الوطني”، وكلا اللجنتين يشرف على عملهما ممثل الولي الفقيه أبومهدي المهندس، المطلوب دوليا بجريمة الإرهاب. وتضم اللجنتان ممثلي حزب الدعوة والمجلس الأعلى وميليشيات بدر والعصائب وغيرها.

عندما يذعن رئيس الوزراء العراقي لإرادة قادة الميليشيات الموالية لإيران ويأمر قوات خاصة لمكافحة الإرهاب بالانتشار في شوارع بغداد واستخدام أي وسائل لإنهاء الاحتجاجات، فإنه في الحقيقة، يسرع خطاه للوصول إلى لحظة الانتحار، ليس له فقط، وإنما للعملية السياسية برمتها.

إن المواجهة بين المحتجين العراقيين وبين حكومة عادل عبدالمهدي والطبقة السياسية العراقية وصلت إلى مرحلة كسر العظم، وليس من المستبعد أن يتخلى المحتجون عن سلمية احتجاجاتهم إزاء الدموية والاستخدام المفرط للقوة والعنف والاعتقالات والمداهمات لبيوت المواطنين، فيحملون السلاح ليوقفوا القتل الذي تمارسه الميليشيات ضدهم.

الملاحظ أن عبدالمهدي، في الوقت الذي يعد بالإصلاحات وتلبية مطالب المحتجين، يأمر قواته بالمزيد من قتل المحتجين. والمحتجون الذين يصرون على عدم العودة إلى بيوتهم يعرفون أن وعود عبدالمهدي لا تختلف عن وعود سابقيه، فهم جميعا ليسوا قادرين على تنفيذها، وإنما هي إبرة مخدر تستهدف إيقاف الاحتجاجات العارمة التي عمت البلاد.

وحتى على فرض أن الميليشيات استطاعت أن تقمع هذه الاحتجاجات وتوقفها، فإنها سرعان ما ستنفجر ثانية بنحو أعتى، مع مقتل المئات وجرح الآلاف من الشباب، وما قبل الأول من أكتوبر لن يشبه ما بعده، لأن العراقيين يعرفون أن هذا النظام لا يمثلهم ولا يعمل لصالحهم، وقد سبق أن أطلقوا على برلمانه تسمية “برلمان الـ20 بالمئة”.

*العرب