شاه إيران وجد من يستضيفه.. فمن يستضيف ملالي طهران

تفجر الأورام الاجتماعية ينذر باقتراب سقوط النظام، والتاريخ يعيد نفسه بعد مرور 40 عاما في صورة مشابهة لآخر أيام شاه إيران محمد رضا بهلوي.

فشل النظام الإيراني المأزوم اقتصاديا في تفادي امتداد الاحتجاجات في كل من العراق ولبنان إلى الداخل بعد أن تفجرت الأورام الاجتماعية هناك على إثر قرار الحكومة الترفيع في أسعار المحروقات. وسرعان ما تحوّلت مطالب المتظاهرين الاجتماعية إلى رفع شعارات سياسية تطالب بإسقاط النظام والتخمة الحاكمة الفاسدة بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في تطور غير مسبوق. وتذكر هذه الموجة من الاحتجاجات بآخر أيام شاه إيران محمد رضا بهلوي، فهل يعيد التاريخ نفسه ويعيد الإيرانيون الكرّة؟ يبدو ذلك غير بعيد المنال، فالمسألة مسألة وقت لا أكثر.

في 13 يناير 1979، تظاهر مليونا شخص في ثلاثين مدينة إيرانية، مطالبين بعودة الخميني، وطرد الشاه. وفي 16 يناير غادر الشاه البلاد، قائلا “أشعر بالتعب، أنا بحاجة إلى الراحة”. رحل الشاه إلى منفاه، وخرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع للاحتفال بالحدث.

وفي 1 فبراير 1979، خرج أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى الشوارع، للترحيب بعودة الخميني. عاد آية الله روح الله الخميني إلى إيران، بعد 14 عاما في المنفى، معلناً عن تباشير الدولة الإسلامية الجديدة، بعد نهاية نظام الشاه رضا بهلوي. حدث لم يكن شأناً داخلياً خاصاً بالإيرانيين وحدهم، بل هو حدث دفعت ثمنه شعوب المنطقة على مدى أربعين عاما.

منذ اليوم الأول وسعت إيران نفوذها، مستغلة في ذلك ظروف حروب أهلية وأزمات داخلية. بدأت من لبنان، بتقديم الدعم لتنظيمات شيعية، خاصة حركة أمل، وساهمت بإنشاء حزب الله. وتكرّر المشهد ذاته في العراق، حيث استفادت إيران من الحضور القوي للمكوّن الشيعي، فعملت على تدعيم أحزاب وحركات أضحت اليوم لاعبا رئيسا في المشهد العراقي. الأمر ذاته جرى في اليمن، وفي سوريا.

نقطة التحول الكبرى كانت في العراق، الذي قدمته لها الولايات المتحدة مجانا، ومن خلاله تمكّنت إيران من بسط نفوذها على دول الجوار.

اليوم، بعد مرور 40 عاما، يخرج الشارع الإيراني محتجا، مرددا هذه المرة شعارات مناهضة لآيات الله ورجال الدين مطالبا بتنحيتهم، وتحولت بعض الاحتجاجات إلى العنف.

وجد الشاه، الذي أراد أن يرتاح، بلدا يستضيفه بعد أن اضطره الشارع الإيراني إلى الرحيل، فهل سيجد حكّام طهران من يستضيفهم إذا اضطروا هم أيضا تحت ضغط الشارع للرحيل.

الدكتاتور، عادة، يجد ملجأ له إن اقتصرت شروره على البلد الذي حكمه، ولكن عندما تطال الشرور دولا جارة له، وتتوسع أحلامه للسيطرة على العالم، من خلال تصدير الثورة، يكون هناك أمل ضعيف في أن يجد بلدا يستضيفه.

هذا لا يعني أن نهاية ملالي إيران أصبحت وشيكة، من كان مثلهم لا يرحل بسهولة.

يحرص رجال الدين، الذين يحكمون إيران اليوم، على منع تكرار الاضطرابات التي حدثت أواخر عام 2017، عندما خرج الإيرانيون في 80 مدينة وبلدة بسبب تدني مستوى المعيشة، مرددين شعارات تطالب رجال الدين بالتنحي عن الحكم. لقي فيها 22 شخصا حتفهم. بينما استمر حكم الملالي.

من المؤكد أن الولايات المتحدة جادة اليوم في وضع حد لطموحات طهران، رغم الأحاديث الصادرة عن أكثر من جهة، والتي يشكك أصحابها بنوايا واشنطن، ومدى جدية التهديدات التي تطلقها.

حكومة الرئيس الأميركي ترامب اختارت أن تتعامل مع طهران بسلاح المقاطعة والحصار الاقتصادي، الذي أثبت فعالية، على الأقل وفق ما نراه يحدث اليوم في مدن إيرانية.

مكرهة، اضطرت طهران لتقنين توزيع البنزين ورفعت أسعاره بنسبة 50 بالمئة، أو أكثر، في خطوة حاول مسؤولون إيرانيون تبريرها بالقول إنها تهدف إلى خفض الدعم المكلف، الذي تسبب بزيادة استهلاك الوقود، وتفشي عمليات التهريب.

وقال الرئيس، حسن روحاني، إن الزيادة في سعر النفط ستتيح مساعدة فئات المجتمع التي تواجه صعوبات، أي 70 في المئة من الإيرانيين.

والغريب أن روحاني يصر على نفي الصعوبات الاقتصادية، مؤكدا أن كلّ من يتصور أن الحكومة تلجأ لزيادة الأسعار بسبب الأزمة الاقتصادية واهم.

يبدو أن الأرقام لا تعني شيئا في القاموس الاقتصادي للسيد روحاني، وإلا كيف يفسر انهيار الريال مقابل الدولار، منذ تخلّت واشنطن عن اتفاق 2015 النووي. وارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ أكثر من 40 بالمئة، بينما توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد بنسبة تسعة بالمئة هذا العام، وأن يشهد ركوداً في عام 2020.

للمرشد الأعلى علي خامنئي، نظريته حول ما يحدث في إيران اليوم، فهو يلقي باللوم في “أعمال التخريب” على معارضي الجمهورية الإسلامية وأعدائها الأجانب. مؤكدا أنه يدعم قرار رؤساء السلطات الثلاث في ما يتعلق برفع أسعار الوقود.

ولأن سياسة النكران هي أفضل خيار لمن كان مثلهم، اختاروا حجب الإنترنت، لينساهم العالم.

واشنطن مصرة على ألا تنساهم، وسارعت تدين محاولتهم حجب الإنترنت، مؤكدة أنها “تقف إلى جانب الشعب الإيراني الذي طال أمد معاناته في الوقت الذي يحتج فيه على أحدث المظالم من نظام السلطة الفاسد. إننا ندين محاولة قطع الإنترنت. اتركوهم يتحدثون”!

واهم من يظن أن مسؤولين يفكرون بطريقة خامنئي وروحاني سيتخلون عن السلطة طوعا. على العكس، سيحاربون حتى آخر رمق، حتى لو كان الثمن تحويل المدن الإيرانية إلى أنقاض.

شاه إيران “المتعب”، وجد من يستضيفه عندما أراد أن يرتاح. عاجلا أو آجلا، سيأتي اليوم الذي يضطر فيه حكام إيران إلى الرحيل.. فهل يجدون من يقبل استضافتهم؟

*العرب