منظومة جديدة لرصد النيازك المدمرة قبل اصطدامها بالأرض

على مدار خمسة أيام كاملة، صارع فريق من صيادي النيازك والكويكبات الشجيرات الشوكية وعانى الأمريْن لاجتياز الأعشاب الكثيفة في وسط بوتسوانا. الأمر الجيد أن أفراده كانوا يعرفون المنطقة التي يتعين عليهم البحث فيها عن مبتغاهم، والتي كانت مساحتها تبلغ نحو 200 كيلومتر.

لكن الصعوبة كانت تكمن في أنهم كانوا يبحثون عن مجرد شظية صغيرة، يمكن أن تكون قد اختفت تحت الثرى أو تطايرت بفعل الرياح.

في نهاية المطاف، عثر الفريق على بغيته، التي كانت عبارة عن حجر صغير أسود اللون يعلوه التراب جاء من الفضاء الخارجي.

وكانت عملية البحث هذه قد بدأت قبل شهر تقريبا من تلك اللحظة، عندما توقع فريق من الفلكيين الموقع الذي يحتمل أن تكون قد سقطت فيه شظايا كويكب بعينه، أُطْلِقَ عليه اسم "2018 إل آيه"، كان قد انفجر خلال الليل فوق بوتسوانا، بعد ساعات من رصده يندفع بعنف وسرعة صوب كوكبنا.

وقد أثبت العثور على هذه الشظية في تلك المنطقة صحة ما توقعه الفلكيون. وكانت هذه هي المرة الثانية على مر التاريخ، التي يتم فيها العثور على شظايا من كويكب، تم رصده في الفضاء قبل وصوله إلى الأرض.

ويأمل علماء شاركوا في هذا الاكتشاف الرائع، في أن تسهم منظومة التلسكوبات - التي يستخدمونها لرصد تلك الأجسام الفضائية - في أن يتسنى لهم تحذير سكان الأرض بشكل مسبق في يوم ما، من اقتراب كويكبات أكبر حجما يمكن أن تُخلّف أثرا مدمرا على كوكبنا. لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

للإجابة على هذا السؤال، ربما يتعين علينا العودة إلى الوراء قليلا. فقد رُصِدَ "2018 إل آيه" للمرة الأولى وهو في الفضاء، من جانب أجهزة رصد تابعة لمشروع تموله وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ويحمل اسم "كاتالينا سكاي سيرفاي".

ثم رُصد بعد ذلك من جانب منظومة أخرى تابعة لجامعة هاواي، تُعرف اختصارا باسم "أطلس"، وتتألف من تلسكوبيْن صُمِمَا لتحقيق هدف واحد، وهو إنقاذ أبناء الأرض من أي صخور فضائية عملاقة.

وقد ركب تلك المنظومة عالم فلك يُدعى جون تونري. وقد واتته فكرتها قبل أعوام، بعدما ظل يسمع - وبشكل مستمر - من يقولون إن احتمالات اصطدام كويكبات مدمرة بالأرض منخفضة للغاية، وأن هذا قد يحدث كل ألف عام أو نحو ذلك.

ويقول تونري: "أزعجني حقا تداول هذا الرقم وتلك المعلومة دون أي ارتياب أو تشكيك فيها، رغم أن أخر حدث من هذا النوع، وقع في حقيقة الأمر قبل مئة عام لا أكثر".

ويشير الرجل في هذا السياق إلى ما يُعرف بـ "انفجار تونغوسكا"، الذي وقع عام 1908 في سيبيريا، وشهد انفجارا لكويكب في الغلاف الجوي، مما ولّد كرة نارية يتراوح عرضها ما بين 50 إلى 100 متر، وأدى إلى تسوية قرابة 80 مليون شجرة بالأرض.

وتفيد تقارير بمقتل شخص جراء ذلك الحادث، ولولا أن المنطقة التي وقع فيها لم تكن أهلة بشكل مكثف بالسكان، لكان قد خلّف آثارا مروعة.

وفي الوقت الحاضر، يعكف تونري ورفاقه على تركيب تلسكوب ثالث في جنوب أفريقيا، ليُضاف إلى منظومة "أطلس"، وذلك لمراقبة السماء في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.

وقد تم توفير التمويل اللازم لنصب تلسكوب رابع. ويأمل تونري في أن تؤدي هذه المنظومة، بمجرد اكتمال كل عناصرها، إلى أن تتوافر لدينا فرصة جيدة لرصد أي كويكب يشكل خطرا كبيرا محتملا على الأرض.

كما قد يفضي ذلك، لو لزم الأمر، إلى منحنا وقتا كافيا لكي نخلي أي موقع يُحتمل أن يسقط فيه أي كويكب مدمر، قبل موعد ارتطامه المتوقع بالكوكب.

على أي حال، فبفضل الشظية التي عُثِرَ عليها في بوتسوانا خلال الصيف الماضي، بتنا على علم بأن بوسع منظومة "أطلس"، توقع مكان سقوط الكويكبات والنيازك بدقة. ومما زاد من أهمية ذلك الحدث وروعته، حقيقة أن "2018 إل آيه" كان كويكبا صغيرا للغاية، يقل قطره عن مترين.

ويقول كليمنز رامف، باحث زائر في جامعة ساوثهامبتون ومتخصص في دراسة الكويكبات: "تشكل منظومة `أطلس` مبادرة جيدة للغاية، خاصة أنه يفوت علينا إلى اليوم رصد الكثير من الكويكبات، التي يمكن أن تكون خطرة".

وفي ظل اكتظاظ الفضاء المحيط بالأرض بالصخور؛ تتمثل مهمة "أطلس" في التركيز على ما يمكن أن يهددنا منها. ويقول تونري إن بمقدوره وفريقه أن يرصدوا خلال ليلة واحدة نحو مليون جسم فضائي. وربما تكون الكثير من هذه الأجسام، نجوما أو نجوما ناجمة عن انفجار نجوم أخرى، من تلك التي يُعرف الواحد منها بـ "السوبرنوفا" أو "المستعر الأعظم".

كما يوجد من بين تلك الأجسام الفضائية، كويكبات تمضي في مسارات لا تشكل خطرا على الأرض. وربما لا يوجد من بينها، سوى 10 أو 20 غير معروفة بالنسبة لنا، ولا يشكل أيها بالضرورة خطرا علينا.

وهكذا فبإمكان "أطلس"، أن يُحَدِّث الصفحات الخاصة به على شبكة الإنترنت، إذا رصد - بشكل مفاجئ - شيئا ما يتجه صوب الأرض، وذلك للإخطار بهذا التطور.

ولدى علماء الفلك في مؤسسات مثل "ناسا" وغيرها، آليات تتولى مسح مثل هذه الصفحات آليا، للبحث عن أي معلومات جديدة على هذا الصعيد. وبهذه الطريقة، نُحاط علما - وبأسرع وقت ممكن - بأن جسما فضائيا ما قد رُصِدَ. وبعد ذلك، يتسنى لعلماء الفلك رسم المسارات المحتملة له، وتوقع الأماكن التي يمكن أن يسقط فيها.

ويشير رامف إلى أن بعض الكويكبات الأكبر حجما، توجد في مدار منتظم حول الشمس، يتخذ عادة شكلا بيضاويا، قد يتقاطع في نقطة ما مستقبلا مع كوكبنا أو لا. ورغم أنه يسهل توقع الأماكن التي قد تؤثر عليها أي كويكبات ترتطم بالأرض في المستقبل، فإن بعضها قد لا يكون مأمون العواقب.

ويقول رامف إن بعض هذه الأجسام "توجد في مدارات غير منتظمة، لأنها غير مرتبطة في مساراتها بحركة الشمس، وهو ما يجعلها تأتي - بشكل ما - من العدم".

ومن الوجهة النظرية، يمكن أن تصبح منظومات مثل "أطلس" مفيدة بشكل خاص، في رصد تلك الأجسام الفضائية في الوقت المناسب.

وتقول إليسوندرا سبرينغمان، عالمة فلك ومتخصصة في رصد الكواكب السيارة في جامعة أريزونا، إن دراسة كيف ينعكس الضوء من أنواع مختلفة من الأجسام الفضائية، من قبيل تلك التي تحتوي على نسبة عالية من المعادن وما إلى ذلك مثلا، تُمَكِّن العلماء من تحديد المسارات المتوقعة للكويكبات المتجهة صوب الأرض، بناء على الضوء المنعكس منها.

وتضيف: "يؤدي اقتراب الكويكب إلى مسافة كافية من الأرض إلى تمكيننا من استخدام الرادار، وإذا كان لدينا شكل الكويكب وحجمه وتكوينه وتركيبه، فقد نتمكن من حساب كثافته".

ويمكن أن يساعد ذلك على توقع طبيعة الانفجار، الذي يمكن أن يُحْدِثه كويكب كبير عند دخوله الغلاف الجوي للأرض. وكلما كان الكويكب مُصمتا وصلبا وأكثر ثقلا، أصبح دخوله إلى الغلاف الجوي لكوكبنا نذيرا بخبر أكثر سوءا للبشرية.

لكن ماذا لو وجدنا كويكبا ما يبلغ من الحجم حدا يجعله يشكل تهديدا محتملا لآلاف أو ملايين الأرواح؟ أو اكتشفنا أن مثل هذا الكويكب ينثر الكثير من الشظايا والكتل الصخرية في غلافنا الجوي، بما يلحق أضرارا كبيرة بالمناخ لفترة طويلة للغاية؟

في الوضع المثالي، يُفترض أن نكون قد رصدنا هذا الوحش الفضائي قبل وقت طويل من وصوله إلى الأرض، وهو ما يمنحنا - ربما - وقتا كافيا لحماية أنفسنا.

وتشير سبرينغمان إلى أن هناك بعض الأساليب التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك، من بينها استخدام مركبة فضائية تُعرف باسم "جرار الجاذبية". ويعتمد هذا الأسلوب، على إطلاق هذه المركبة، ووضعها على مقربة من الكويكب، بقدر يجعل قوة جاذبيتها كافية - مهما كانت محدودة - لحرف هذا الجسم الفضائي عن مساره.

وتضيف: "إذا لم يكن لديك تحذير كاف، فستكون المحاولة الأخيرة المتبقية لك، هي إرسال جهاز رطم حركي" أو بعبارة أخرى "قنبلة".

وهكذا، فإذا سنحت لنا الفرصة في يوم ما لتدمير صخرة فضائية تهدد حياة البشر على الأرض، فسيكون ذلك بفضل الملاحظات التي يسجلها العلماء الموجودون على سطحها، ونعرف منها - بقدر ما من الثقة - حجم الكويكب المقبل علينا، والسرعة التي يتحرك بها، ومدى إمكانية أن يفتك بنا جميعا.