دور شرطي المتوسط يضع تركيا على شفا الهاوية

قادت سياسة حافة الهاوية التي يعتمدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى وضع أنقرة في مواجهة مع محيطها الإقليمي، العربي والأوروبي، ومع الولايات المتحدة التي قد تجد نفسها مجبرة على التخلي عن أسلوب العصا والجزرة تجاه تركيا وأن تمر إلى سن عقوبات مشددة عليها كرد فعل على تهديدات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بإغلاق قاعدة إنجرليك في ما لو نفذ الكونغرس تهديداته بفرض عقوبات على بلاده.

وفي تحرك سريع، أيدت لجنة بمجلس الشيوخ الأميركي الأربعاء تشريعا لفرض عقوبات على تركيا بسبب هجومها في شمال سوريا وشرائها منظومة أس400- الصاروخية الروسية.

وزاد اتفاق تركيا بشأن الحدود البحرية مع حكومة الوفاق، التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، من القلق الدولي تجاه سياسة أردوغان التي باتت أقرب إلى البلطجة لفرض واقع يتعارض مع الخرائط الدولية المعترف بها ومع القانون الدولي.

وطالبت اليونان الأمم المتحدة بإدانة الاتفاق البحري المتنازع عليه بين تركيا وليبيا الذي وصفته بأنه يزعزع السلام والاستقرار في المنطقة، حسب ما أعلن المتحدث باسم الحكومة اليونانية.

وقال المتحدث ستيليوس بيتساس في مؤتمر صحافي إن أثينا تريد أن يُعرض الاتفاق على مجلس الأمن الدولي بهدف إدانته.

وأرسلت حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس رسالتين منفصلتين بشأن هذه المسألة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وإلى مجلس الأمن الدولي، بحسب بيتساس.

وتعهد وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بمنع أي دولة القيام بأنشطة في الجرف القاري التركي دون موافقة أنقرة، في تصريح وصفه المراقبون بالمجازفة عندما تمارس تركيا دور شرطي المتوسط.

ولا يبدو المسؤولون الأتراك قد استفادوا من الأزمة الأخيرة مع واشنطن ومخلفاتها التي قادت إلى تهاوي الليرة التركية وزرعت الشك لدى المستثمرين الأجانب.

ويلوح وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بإغلاق قاعدة إنجرليك إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بلاده بسبب عمليات التنقيب غير المشروعة في شرق المتوسط تحت مسوغ حماية مصالح القبارصة الأتراك.

لكن التهديد التركي لم يحل دون مرور مجلس الشيوخ الأميركي إلى مناقشة العقوبات وإقرارها ضمن مشروع قانون قد يتحول إلى قانون نافذ خلال أيام.

وصوتت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون بواقع 18 صوتا مقابل أربعة أصوات لصالح طرح "قانون تعزيز الأمن القومي الأميركي ومنع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية من جديد لعام 2019" للتصويت في المجلس بكامل هيئته.

وقال السناتور الجمهوري جيم ريش رئيس اللجنة "حان الوقت ليتحد مجلس الشيوخ ويستغل هذه الفرصة لتغيير سلوك تركيا".

وذكر المتحدث الرئاسي التركي إبراهيم كالين أن تشريعا أميركا لفرض عقوبات على بلاده لن يؤثر على استخدام أنقرة لمنظومة أس-400 الروسية للدفاع الصاروخي حتى إذا أقره الكونغرس.

واستمر وزير الخارجية التركي في سياسة الهروب إلى الأمام حين لم يستبعد أن ترسل بلاده قوات إلى ليبيا، قائلا إن بلاده “تقيّم الموضوع في حال طلبت الحكومة الليبية ذلك، ولكن لم يرد أي طلب مثل هذا من الجانب الليبي، وطبعا سنقيم ذلك في إطار القانون الدولي والاتفاقات الثنائية”.

ويوم الثلاثاء الماضي، وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الاتفاق التركي مع حكومة فائز السراج بأنه “استفزازي”.

وقدمت جمهورية قبرص الخميس الماضي عريضة إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لحماية حقها في السيادة البحرية، وبعد ذلك، أمهلت اليونان السفير الليبي ثلاثة أيام لمغادرة البلاد، ورد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو باتهام الحكومة اليونانية بتهديد ليبيا.

ويحذر محللون سياسيون من أن سياسة حافة الهاوية التي تعتمدها تركيا قد تقودها إلى شفا الهاوية، وأنه في حال انزلقت الأوضاع شرق المتوسط إلى الفوضى فلا أحد يقدر على التحكم بها.

ويقول ديميتار بيشيف، الباحث الزميل في المجلس الأطلسي، إن “هناك حالة من الغليان منذ فترة طويلة، وتركيا تلعب على سياسة حافة الهاوية”، وذلك في إشارة إلى إرسال تركيا سفن تنقيب إلى المنطقة هذا العام، وإرسال تحذيرات ملاحية مثيرة للمشاكل. وأضاف “من حسن الحظ أن الأمور لم تصل إلى الهاوية حتى الآن، لكن هذا الوضع قد لا يكون قابلا للاستمرار”.

ويرى ألكسندر كلاركسون، المحاضر المتخصص في الدراسات الألمانية والأوروبية في كينجز كوليدج في لندن، أن الوضع أكثر خطورة. وقال “عندما يتعلق الأمر بشرقي المتوسط، فإن أي تصعيد هناك قد يؤدي إلى تضرر العلاقات بين تركيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي بشكل جوهري”.

ويزعج الاتفاق بين تركيا وحكومة فائز السراج إيطاليا ذات النفوذ القوي في الملعب الليبي، حيث أن لدى شركة إيني للنفط والغاز – التي تملك الحكومة الإيطالية جزءا منها – مصالح في ليبيا.

وكتب جنكيز أكتار أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أثينا، يقول إن زيادة مستوى العدوانية من جانب تركيا جزء من عقيدة بحرية جديدة تُسمّى “الوطن الأزرق”. هذه العقيدة تبسط سلطان تركيا على 460 ألف كيلومتر مربع في البحر الأسود وبحر إيجة والبحر المتوسط. وقد خصصت تركيا تمويلا أكبر لبحريتها دعما لهذا التوجه، ونفّذت أكبر مناوراتها البحرية على الإطلاق في وقت سابق من هذا العام.

ويرى كلاركسون أن كل هذا يبين كيف فشلت أنقرة في فهم حقيقة أن خطابها العدائي المعبر عن شغف بالقتال، لم يفعل شيئا سوى أنه خدم أعداءها. وقبرص عضو في الاتحاد الأوروبي. هذا يعني أن الاتحاد الأوروبي سيقف دائما في صفها.

وأردف كلاركسون قائلا إنه “إذا كان الاتحاد الأوروبي يرى أن أنقرة لم تعد راغبة في الحوار بعد الآن، وإذا عززت أنقرة هذا الفهم لديه، فإن الاتحاد الأوروبي سيعطي الأولوية دائما لمصالح بلد عضو” ويتبنى إجراءات حاسمة. وأضاف أن “قبرص تعرف هذا. يمكنهم فقط أن ينتظروا ويتركوا الوضع يتدهور”.