مسلسل اغتيالات وصراعات صامتة بين طهران وموسكو وغليان بريف دمشق بعد تسريع وتيرة الاستيطان الإيراني

انتقل الغليان الذي تشهده مناطق الجنوب السوري ضد وجود إيران وحزب الله اللبناني في سوريا إلى ريف دمشق الغربي. وفي حين نفت مصادر روسية دعم موسكو أيّ حراك شعبي في الجنوب أو محيط دمشق ضد إيران وميليشياتها الطائفية، أشارت مصادر في المعارضة السورية إلى أن المنطقة “تشهد تنافسا محموما بين الطرفين في كل المجالات ما أثار حالة فوضى عارمة، تمثّلت في اغتيالات شبه يومية تشهدها محافظة درعا منذ سيطرة القوات الحكومية عليها صيف العام الماضي”.
 
وقالت إن “الحراك في دمشق جاء بعد توسع النفوذ الإيراني فيها وسياسة الترهيب والترغيب التي تتّبعها طهران للسيطرة على محيط العاصمة عبر شراء البيوت ونشر التشيع وتوطين عدد من ميليشياتها في المنطقة وطرد أعداد كبيرة من المواطنين بهدف تكريس تغيير ديمغرافي على غرار ما حصل في بلودان والزبداني القريبتين من الحدود”.
 
وربطت مصادر في المعارضة بين محاولات إيران تثبيت مواقعها في شرق سوريا وموقف الروس الداعم لإبعاد الإيرانيين عن دمشق، ما تسبب في إخلاء مراكز قيادة رئيسية في الكسوة جنوبي دمشق، ومحاولة بناء مقرات محصنة في الميادين والبوكمال قرب الحدود مع العراق في محافظة دير الزور.
 
وللمرة الأولى منذ تمكن النظام السوري من السيطرة على مناطق زاكية وخان الشيح في الغوطة الغربية أواخر عام 2016، بعد فرض اتفاق تسوية نص على تسليم السلاح وإخراج الرافضين للمصالحة إلى إدلب، ظهرت كتابات على جدران المدارس في البلدة، وتداول معارضون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تظهر كتابات تطالب بإطلاق المعتقلين وتندد بالنظام السوري وإيران.
 
وفي اتصال مع صحيفة “العرب” اللندنية من الغوطة الغربية لدمشق، قال معارضون إن “السكان ضاقوا ذرعا بعدم وفاء النظام بالتزاماته لإطلاق المعتقلين، وبمنع عودة الأهالي إلى داريا وغيرها من المناطق في جنوب دمشق وغربها بينما يستوطن الإيرانيون ويتنقّلون بحريّة في المنطقة الممتدة بين السيدة زينب جنوب شرقي دمشق والسيدة سكينة في داريا التي يؤمها الإيرانيون بينما يمنع أهلها من العودة”.
 
وأوضح ناشط معارض أن “الأهالي يخشون عمليات التغيير الديمغرافي التي تنفذ برعاية إيرانية كما حدث في المناطق المحاذية للحدود اللبنانية، من الزبداني حتى مدينة القصير قرب حمص”.
 
وحذر من أن “إيران تعمل لفرض سيطرتها عبر الميليشيات الطائفية على كل محيط دمشق”.
 
ويتواصل التذمر والغليان ضد الوجود الإيراني في محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سوريا، وتمددت التظاهرات ضد وجود إيران وميليشيا حزب الله لتصل إلى معظم المناطق في ريفي درعا الشرقي والغربي. وفيما أشار ناشطون في المدينة إلى “أوضاع أمنية تعتبر الأسوأ مع تزايد الاغتيالات في المحافظة”، أوضح مصدر معارض في المحافظة أن “تنوّع أهداف الاغتيالات وأساليبها، في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة يكشف صراعات خفية بين إيران وروسيا نظرا إلى بنك الأهداف الذي تجاوز إطار عناصر المصالحات ومقاتلي الجيش الحر السابقين، ليشمل عناصر من النظام، ووجوها اجتماعية، وأشخاصا محسوبين على إيران، والروس، وحزب الله، ليختلط الحابل بالنابل”.
 
وكشف قائد عسكري سابق أن “الاغتيالات الآن تستهدف كل من يقف في وجه المشروع الإيراني، من شخصيات اجتماعية وعشائرية لها تأثير في المحافظة، وكل من يقع في بؤرة الصراع على النفوذ بين روسيا وإيران”.
 
وسبق وأن كشف مكتب توثيق الشهداء في محافظة درعا، وهو مركز مستقل، في تقرير نهاية نوفمبر الماضي أن موجة الاغتيالات بدأت تضرب المحافظة في أبريل الماضي، وأن محاولات الاغتيال المسجلة حتى نهاية الشهر نوفمبر بلغت 228 محاولة، أسفرت عن 137 قتيلا من أبناء درعا، من دون احتساب الهجمات على ضباط النظام وحواجزه”.
 
وقال مصدر دبلوماسي روسي لـ”العرب” إنه لا وجود لأيّ خلاف مع “الحليف الإيراني”، وإن “كل ما يشاع تقارير إعلامية لا تلامس الحقيقة”، فيما ذكر خبير في شؤون الشرق الأوسط أن “الخلافات مستمرة بحدة بين الطرفين”.
 
وشدد الخبير على أن “روسيا تشارك إسرائيل موقفها الرافض للوجود الإيراني قرب الحدود مع هضبة الجولان المحتلة، وفي المنطقة الجنوبية وصولا إلى دمشق”.
 
وأشار إلى أن “روسيا لم تقف بحزم ضد الضربات العسكرية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا وكان بإمكانها أن تمنعها أو تحدّ من فاعليتها لو سمحت على سبيل المثال باستخدام منظومات الدفاع الجوي إس 300”.
 
وأضاف أن “روسيا تفضّل تخفيف النفوذ الإيراني في سوريا نظرا إلى التنافس بين الطرفين في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، خصوصا أن إيران تتفوق بسبب تأثيرها الاجتماعي القويّ، فيما النظام السوري يسعى إلى المناورة واللعب على حبل الخلافات بين موسكو وطهران للتخلص من أيّ ضغوط روسية قد تجبره على تسوية سياسية لا تناسبه”.
 
وخلص إلى أن “رؤية الجانبين لمستقبل سوريا ليست موحدة. فروسيا تسعى إلى تغيير في السلطة المركزية وإعادة تنظيم مؤسسات الدولة وتجديد الإدارات الأمنية الرئيسية، وبدأت بإنشاء تشكيلات عسكرية ضمتها للجيش السوري مثل مجموعة النمر بقيادة اللواء سهيل الحسن، في حين تحاول إيران تشكيل ميليشيات تابعة لها وتقويتها لتصبح أقوى من الجيش السوري، كما فعلت في العراق ولبنان واليمن”.