العلاقة بين الشجر والمطر

 

أثبتت النظريات العلمية علاقة تكاثف الشجر بنزول المطر، وكأن الأشجار الكثيفة تسأل الله أن يمدها بالمياه لتبقى حية خضراء. ومن هنا فالمدن الكثيفة الأشجار، وكذلك الواحات، تكون في حالة مدد لا ينقطع من الأمطار، ويحرص علماء الزراعة على استنبات ملايين الأشجار لهذا الغرض. والأشجار الموجودة في بعض مدن شمال إفريقيا العربية تؤكد هذه الحقيقة العلمية، فحيث يوجد الشجر يهطل المطر، وبلاد واسعة كأوروبا المظللة بالأشجار لا تنقطع أمطارها، وعلى العكس من ذلك الصحارى المترامية الأطراف.

 

ولطالما كانت مدننا العربية، وما تزال، تشكو من قلة التشجير، وبالتالي تشكو من قلة المطر، وهي المدن الوحيدة في العالم التي تعلن مواسم للتشجير، وأن كانت حتى هذه المواسم قد انقطعت وأصبحت في خبر كان.

كيف لنا أن نستعيد تلك المواسم، بل كيف لنا أن نجعل من أيامنا كلها مواسم للدعوة للتشجير والاحتفاظ بحالة من الاخضرار الدائم؟ فما أجمل منظر الشوارع والحدائق الغاصّة بالأشجار، وما أوحش تلك الشوارع والحدائق الجافة التي يجرح منظرها القلب قبل العين.

إنه من أسهل الأشياء علينا جميعاً أن نغرس كل يوم شجرة، وبذلك نحقق أكثر من هدف، وقد يتبادر إلى الأذهان هنا سؤال: من أين لنا المياه التي ستسقى تلك الأشجار المقترح غرسها؟ والجواب ليس صعباً، فما أكثر المياه المهدرة في بيوتنا وفي أحيائِنا، وقليل من هذا الماء المهدر كفيلٌ بحماية تلك الغرسات؛ لكنه الكسل أولاً، والإهمال ثانياً، وعدم الشعور بالمسؤولية ثالثاً.

وإلى أن يكتمل شعورنا بالإحساس العميق بأهمية الشجرة فإن حدائقنا ستظل جرداء، وشوارعنا ستظل عارية إلاَّ من شجرٍ عتيقٍ لا يعطي ظِلاً، ولا يحرك نسماتٍ صيفاً أو شتاء. أتذكر عندما كنتُ ذات عامٍ في أحدى المناطق الأوروبية وذهبت للنوم في إحدى القرى كيف تفاجأت عندما استيقظت لأجد الفلاحين بملابسهم الأنيقة منهمكين في زراعة مزيد من الأشجار.

أين نحن من تلك الصورة ومن ذلك الفعل الذي يحفظ للأرض ظلها وثراءها؟ لقد عدت من تلك الزيارة مفعماً باليأس من أحوالنا التي لا تتغير، ولا تقتدي بما تراه أو تسمعه عن العالم الأخضر إذا صح الوصف. وحين أكتب هذه الكلمات أعرف مسبقاً أنها لن تُحرك حياً، ولن تجد أذناً صاغية، لأن الإحساس بالمسؤولية مفقود ولا تستطيع أي قوة، فضلاً عن أي كلمة، أن تعيده إلى مكانه الصحيح.

*من صفحة الكاتب على الفيس بوك