دفع قطري لإرباك خطة قيس سعيد لجمع القبائل الليبية

القبائل الليبية تتهم الدوحة وأنقرة بالتورط بدعم الإرهاب والعمل على التمكين لقوى الإسلام السياسي الفاقدة لشرعية الشارع بهدف السيطرة على القرار الوطني.

أثارت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى تونس الكثير من الأسئلة بشأن الملف الليبي، خاصة في ظل تصاعد التخوفات من أن يربك تدخّل الدوحة مبادرة الرئيس التونسي قيس سعيّد لجمع القبائل الليبية في خطوة لحل الأزمة الليبية.

ويراهن قيس سعيد على جمع ممثلي القبائل الليبية تحت مظلة مبادرة يتزعمها لحل الأزمة في الدولة الجارة، لكن الزج بقطر في مثل هذا الرهان يقطع الطريق أمامه ويحوّل المبادرة إلى مجرد شعار من شعارات المرحلة، لاعتبارات عدة منها عدم السعي إلى تفهم حقيقة الوضع الليبي وخاصة من خلال نبض فعالياته الشعبية التي أكدت في أكثر من مناسبة ومنذ عام 2011 رفضها التدخل القطري التركي في الشؤون الداخلية لبلادها.

وأعلن الرئيس التونسي خلال مؤتمر صحافي مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الاثنين، أنه ناقش مع أمير قطر القضية الليبية، وكيفية جمع القبائل الليبية للتمهيد لانتخابات ليبية تحدث دون تدخل خارجي.

وقال سعيد “على المستوى الخارجي، القضية الأولى التي ناقشناها هي القضية الليبية، وكيف يجب أن يكون الحل ليبيا، كما تم التطرق إلى كيفية جمع القبائل الليبية التي لها مشروعية شعبية، وكيف يمكن أن تكون هذه الشرعية طريقة تمهد لانتخابات دون أي تدخل خارجي”.

ويعد موضوع القبائل الليبية من أعقد المواضيع التي يمكن التطرق إليها، نظرا لخصوصياته الاجتماعية والثقافية والسياسية والجهوية المعقدة، خصوصا في هذه المرحلة التي تتجه نحو الحسم الميداني أكثر من الحسم السياسي وفي ظل حساسيات تلك القبائل من التدخلات الخارجية وخاصة القطرية والتركية من عام 2011 وحتى اليوم.

ويكتسي هذا الملف تعقيدات كبيرة، فليس كل من يزعم أنه يمثل هذه القبيلة أو تلك، هو ممثلها فعلا، وإنما هناك محاولات من بعض الأطراف الداخلية والخارجية لشق الصف القبلي، وهو أخطر ما يمكن أن يتهم به أي مسعى في اتجاه جمع القبائل.

وفي 23 ديسمبر الماضي، التقى الرئيس التونسي قيس سعيد بعدد ممّن تم تقديمهم على أنهم رؤساء القبائل الليبية في مسعى لإيجاد حل للأزمة في البلد الذي يرتبط بحدود مشتركة مع تونس.

وأعلنت الرئاسة التونسية آنذاك أن اللقاء كان من أجل بحث الإمكانيات المتاحة للخروج بمبادرة لحل الأزمة الليبية، وأنه جاء إثر تفويض لرئيس الدولة من المجلس الأعلى للتدخل العاجل لحقن الدماء ولم الشمل بين أبناء الوطن الواحد، وأن هذا التفويض يأتي لوقوف الرئيس سعيد “على مسافة واحدة من كل الأطراف وحرصه على إيجاد حل للأزمة الليبية بعيدا عن التدخلات الخارجية وعن لغة السلاح”.

وبعد ساعات من الإعلان عن ذلك اللقاء، أكد المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية أن الوفد الذي التقى الرئيس التونسي لا يمثل قبائل ليبيا ولا يخول التحدث باسمها وأن أعضاءه غير مكلفين أو مخولين لتمثيل المجلس.

وجاء هذا الموقف انطلاقا من أن الوفد لم يمثل كل القوى الاجتماعية الليبية، وإنما نزرا قليلا منها، وضم شخصيات ليست لها صفات القيادة القبلية، كما أن اللقاء أثبت أن من وقف وراءه لم يكن على دراية بطبيعة المجتمع الليبي وبتركيبته القبلية، وخاصة من خلال عناصرها المؤثرة وزعاماتها الفاعلة، باستثناء الشيخ علي أبوسبيحة رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان الذي كان آنذاك مقيما في تونس.

وبالنظر إلى المشهد الاجتماعي وتفاعلاته السياسية، فإن الأغلبية الساحقة من قبائل غرب ليبيا ووسطها وجنوبها، كانت عام 2011 وما بعده موالية للنظام السابق الذي تزعمه العقيد الراحل معمر القذافي.

وتتمسك القبائل بأن الميليشيات المدعومة من قطر قتلت رموز ورجالات النظام السابق من أبنائها. ولا تزال القبائل تعتبر نظام الدوحة عدوها الأول، وترى أن التقارب معه خيانة للوطن. وتتهم القبائل الليبية كلا من الدوحة وأنقرة بالتورط في دعم الإرهاب والعمل على التمكين لقوى الإسلام السياسي الفاقدة لشرعية الشارع بهدف السيطرة على القرار الوطني، وذلك من خلال محاولات شق النسيج الاجتماعي عبر دعم الميليشيات الخارجة عن القانون والجماعات المسلحة وتمويل الإرهابيين والمرتزقة، والتآمر على مؤسسات الدولة ومنها الجيش الوطني، وتجييش اللوبيات والأبواق الإعلامية للتحريض على القوى القبلية الفاعلة في مختلف أرجاء ليبيا.

وتحمل القبائل الليبية هذا المحور مسؤولية السكوت على الجرائم التي ارتكبت في حق المدن والقبائل مثل بني وليد مركز قبائل ورفلة من خلال القرار رقم 7 الذي شرّعه المؤتمر الوطني العام السابق ودفع إلى الهجوم عليها في أكتوبر 2012، وتدمير مدينة تاورغاء وتشريد سكانها بحجة الولاء للنظام السابق، ثم تدمير ورشفانة والأصابعة والقواليش وسرت وغيرها، وترهيب العشرات من القبائل الأخرى، ومساندة الإرهابيين في استهداف قبائل الشرق، وبث بذور الفتنة بين قبائل الجنوب، والتلاعب بوتر الإقليات الثقافية والعرقية.

وتقف القبائل الليبية اليوم وراء الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي تقود قطر وتركيا حربا ضده على مختلف الأصعدة، وحتى القبائل الموالية للنظام السابق، والتي لا تزال ترفض الاعتراف بـثورة 17 فبراير 2011 ومخرجاتها ورموزها، ولديها بعض المؤاخدات على المشير حفتر باعتباره كان من قادة الحرب التي أطاحت بنظام القذافي.

ولعل مختلف الاجتماعات القبلية التي عرفتها مناطق ليبيا أو التي انتظمت خارجها، كانت قد أجمعت على التنديد بالدور القطري التركي وبمشروع الإسلام السياسي وحكم الميليشيات المدعوم من الدوحة، وآخر تلك الاجتماعات ملتقى ترهونة المنعقد، الأسبوع المنقضي، والذي أكد دعمه للجيش الوطني، وأعلن تحريك قضايا دولية ضد تركيا وقطر.

واجتمع 4 آلاف شخص من شيوخ وأعيان القبائل والمدن والنخب الليبية على مدار يومين، للتأكيد على أن ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة وموحدة، موضحين أن بلادهم تعاني انقساما سياسيا وغزوا تركيا وتدفقا متواصلا للمرتزقة والإرهابيين، مؤكدين مقاومتهم للتدخل الخارجي وفي مقدمته الغزو التركي ورفض أي اتفاقية تشكل خطرا على الأمن الليبي.

وكشف البيان الختامي لمؤتمر القبائل الليبية في ترهونة عن تحريك قضايا دولية ضد الدول التي صنعت الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا وعلى رأسها قطر وتركيا.

وكان واضحا أن كل مخرجات ملتقى ترهونة أكدت تناقضها التام والجذري مع المشروع الذي تصطف وراءه قطر وتركيا، وهو مشروع الميليشيات ومخرجات الصخيرات والتدخل التركي وجلب المرتزقة، وتأييدها الكامل للجيش الوطني ولقيادته وكذلك لجهود مجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه، وبالتالي انخراطها في مشروع وطني وإقليمي ينظر إلى الدوحة كقوة دعم للإرهاب والتطرف وتدمير المجتمعات وتخريب الدول.

وتستحق مساعي الرئيس التونسي قيس سعيد للحل الليبي التقدير نظرا لأنها تنطلق من نوايا حسنة لرجل يحظى باحترام الليبيين كونه لم يتورط في معاناة شعبهم وبلادهم كما فعل الكثيرون منذ العام 2011، ولا يمكن تصنيفه ضمن القوى الأيديولوجية المتورطة في دعم ميليشيات الإسلام السياسي، لكن زجه بقطر في مبادرته يحكم عليها بالفشل، إذ أن مجرد ذكر الدوحة ونظامها يحكم على أي مبادرة بالانتهاء قبل البدء.

وتعد القبائل الليبية الفاعلة في كامل أرجاء البلاد بما فيها المنطقة الغربية المتاخمة لتونس اليوم تابعة لحكومة عبدالله الثني، وبالتالي لسلطة البرلمان الغطاء السياسي والدستوري للجيش الوطني بقيادة المشير حفتر، كما أن السعي للانتخابات في ليبيا يحتاج أولا إلى حل المسألة الأمنية بتفكيك الميليشيات المدعومة من قطر وتركيا، وإعلان المصالحة الوطنية الشاملة بتجاوز مخلفات ما جرى في 2011 وما بعد، فما حدث في ليبيا لم يكن من إفرارات الربيع العربي، وإنما هو امتداد لغزو العراق في 2003 وما تلاه من تدمير الدولة ومؤسساتها وضرب النسيج الاجتماعي لخلق منظومة حكم تحت غطاء ديني وجهوي متطرف.