مير جعفر.. الهندي الذي غيّر مصير أمة بأكملها وتسبب في احتلال بلده من قبل بريطانيا 200 عام

هل سمعت من قبل عن رجل غيّر مصير أمة بأكملها، وتسبب في احتلال بلده الهند من قبل بريطانيا لمدة نحو 200 عام.. من هو مير جعفر؟
 
قليلاً ما يحدث أن يتحدَّد مسار التاريخ بفعل أشخاصٍ منفردين، لكن أحياناً ما تقرّر أفعال شخص مصير الملايين، وكان مير جعفر واحداً من هؤلاء، تسبَّب طموحه السياسي وخيانته المشؤومة لبلده الهند في أن يصبح أحد أكبر الإمبراطوريات في العالم وأشدَّها قمعاً، ويصبح اسمه مرادفاً لكلمة “خائن” في الهند حتَّى اليوم.
 
شركة الهند الشرقية الإنجليزية
 
وُلِد مير جعفر في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، خدم في الجيش في منصب جنرالٍ بمملكة البنغال “بنغلادش حالياً”، وكان متعطشاً منذ دخل الجيش للسلطة.
 
بدايةً من القرن الـ16 وحتى القرن 18، كانت مملكة البنغال خاضعة لحُكم إمبراطورية مغول الهند.
 
حسب موقع all that’s interesting الأمريكي، كان الحكم في هذه الفترة متراخياً، بسبب سوء حكَّام الهند، وتعرُّض بلادهم للغزو الخارجي من دولٍ مجاورة. وفي ظلّ ضعف الإمبراطورية، رأى التجَّار الأوروبيون في الوضع فرصةً للتربُّح من شتات الإمبراطورية، وخاصةً البريطانيين منهم، فأسسوا شركة الهند الشرقية الإنجليزية للانتفاع تجارياً واقتصادياً من ضعف المملكة.
 
تأسَّست شركة الهند الشرقية لتكون طريقةً لاستغلال التجارة القائمة مع قارة آسيا منذ القرن السادس عشر، وبحلول عام 1756، كانت قد بدأت حرب السبع سنوات بين بريطانيا وفرنسا.
 
الهند تصفي الحسابات..
 
مع خوض الدولتين نزاعاً استعمارياً محتدماً، بدأ عملاء الدولتين في الهند في مهاجمة بعضهم أيضاً.
 
في هذه الأثناء، حاول سراج الدولة، حاكم البنغال آنذاك، والمحسوبة على الهند تدبُّر أموره في هذا الوضع السياسي الشائك بالانحياز لحلفائه الفرنسيين، لكنَّ الحاكم لم يكن يدرِك السكاكين المصوَّبة إلى ظهره من العملاء حوله.
 
معركة بلاسي
 
كان مقر شركة الهند الشرقية يقع في مدينة كالكتا الهندية، في ذلك الحين حاول سراج استهداف الشركات الأوروبية، وتحجيم امتيازاتها التجارية، وخاصة البريطانية منها.
 
وعندما رفض الأوروبيون، احتلَّ “سراج الدولة” المدينة، وكان ذلك رسالة ضمنية على تحجيمه عمل شركة الهند الشرقية.
 
اعتبر الإنجليز ما فعله سراج هجوماً يقتضي الرد، فكلفوا كولونيل-ملازم بريطاني يُدعَى روبرت كلايف بالرد على هذه الخطوة، وعليه قرر مهاجمة سراج، عندما تحرَّك كلايف لمُهاجمة سراج في قرية بلاسي القريبة من كالكتا كان تحت إمرته 3 آلاف رجل فقط، وفي المقابل كان سراج قائداً لجيش قوامه نحو 50 ألف رجل.
 
ومع ذلك، كان لدى كلايف سلاح سري، وهو الخيانة! إذ كان على اتصال بمير جعفر وغيره من المتآمرين ممَّن أرادوا الإطاحة بحُكم سراج.
 
في يوم 23 يونيو/حزيران 1757، لاقى مير جعفر القوة البريطانية في بلاسي، وأثناء المعركة أخَّر جعفر تحرك قوَّات سراج، ما سمح للجنود البريطانيين باستغلال الأرض لمصلحتهم.
 
بفضل خيانة جعفر، تمكَّنت القوَّات البريطانية من تحويل مسار قوَّات سراج، ما اضطرّ سراج للهرب حفاظاً على حياته، لكنه أُسِر بعد المعركة بوقتٍ قصير وأُعدِم لاحقاً.
 
نهاية مملكة البنغال المستقلة
 
عُيّن مير على الفور مكان سراج، وسرعان ما حاز اللقب الذي طمح إليه طوال حياته، ووجد نفسه توَّاقاً لنيل رضا مسؤولي شركة الهند الشرقية.
 
لم يمرّ وقتٌ طويل حتى بدأ جعفر بدفع مبالغ مهولة للشركة، وكان المُستفيد الأكبر على الإطلاق كلايف، إذ نُصِّب عُمدةً للبنغال بعد معركة بلاسي.
 
قدَّر كلايف بحلول عام 1767 أنَّ ثروته تبلغ 401102 جنيه إسترليني (490068 دولاراً)، ما يُعَد مبلغاً ضخماً من المال وقتها.
 
رغم اهتمامه بالانحياز لصفّ البريطانيين حتى يقبض على السلطة، فإن مير جعفر لم يكن حاكماً مستقلاً بأي شكل، ومع أنَّه تلقَّى دعماً عسكرياً من الشركة حتى عام 1760، فقد فشل في تلبية مطالب البريطانيين.
 
وبعد بضعة أعوامٍ من اكتشاف كلايف أنَّ جعفر قد عقد معاهدة مع الهولنديين عام 1758، عاقب البريطانيون جعفر بأن استبدلوه بصهره، مير قاسم، عام 1760.
 
اضطرَّ جعفر لمحاولة استمالة السُّلطة البريطانية المتوسّعة لاستعادة عرشه المسلوب، وهو ما سُمِح له بفعله عام 1763 عندما تبيَّن أنَّ قاسم كان أكثر استقلالاً عنهم منه.
 
كان مير جعفر حاكماً بالاسم فقط، فهو لم يحكم البلاد فعلياً. بدلاً من ذلك ظلَّ يقدّم تنازلاً بعد الآخر للبريطانيين حتى سقوطه المالي والسياسي، ومهَّد الطريق أيضاً أمام الحُكم البريطاني للهند.
 
صعود الهند البريطانية
 
بدأت شركة الهند الشرقية بصفتها شركة تجارة صغيرة الحجم نسبياً في القرن السابع عشر، لكنَّها كبُرت نهايةً لتُصبح تجارة ضخمة تملك مستوطناتٍ مثل مدينة كالكتا.
 
ولم يكن في الأمر مصادفة، قد كانت خيانة مير جعفر للهند في بلاسي جزءاً من خطة أكبر من تدبير كلايف والمؤسسة البريطانية.
 
أدرك كلايف أنَّ السيطرة على البنغال سوف تمدّهم بالموارد التي يحتاجونها للتوسُّع بإمبراطوريتهم في عصر الاستعمار.
 
وكان لخيانة جعفر أثران مهمّان:
 
أوَّلهما، أنَّها منحت كلايف ما كان ينشده تحديداً من مصدر للتجارة، والقوَّات، والموالين.
 
الثاني والأهم، هو أنَّ هزيمة سراج الدولة أعطَت شركة الهند الشركة المتنامية معقلاً ثابتاً تغزو منه إمبراطورية مغول الهند المتداعية.
 
اعتبر البريطانيون معركة بلاسي نصراً، لكن هذا النصر أعقبه ثورات، طالب فيها أجيال من الهنود باستقلالهم لمدة 200 عام، كلُّ هذا نتيجة تعطُّش رجلٍ واحد للسلطة.