ما هي المنطقة (ج) في الضفة الغربية المحتلة التي لا يريد اليمين الإسرائيلي التنازل عنها أبدا؟

 منذ الأول من يوليو/تموز أصبح بوسع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الكشف في أية لحظة عن الخطوط العريضة لمشروعه الهادف إلى ضم مناطق في الضفة الغربية. وينصب تركيز مخطط الضم على الكتل الاستيطانية اليهودية إضافة إلى غور الأردن، والواقعة جميعها في المنطقة (ج) من الضفة الغربية. وهي المنطقة التي لطالما كانت محل أطماع اليمين الإسرائيلي المتطرف.

أضحى بوسع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، نظريا، منذ الأول من يوليو/تموز الكشف في أي وقت أراده عن إستراتيجيته المتعلقة بضم ثلث أراضي الضفة الغربية الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ حرب "الأيام الستة" عام 1967. وتقع على هذه الأراضي، على وجه الخصوص، كتل المستوطنات اليهودية علاوة على وادي غور الأردن. وهي أراض زراعية عالية الخصوبة وتمثل 30 بالمئة من إجمالي مساحة الضفة الغربية المحتلة.

هذا المخطط المثير للجدل تحقيق لوعد انتخابي أطلقه "بيبي" [لقب نتانياهو في الأوساط السياسية الإسرائيلية – أسرة التحرير] ويتماشى مع "خطة السلام" التي قدمها دونالد ترامب في أواخر يناير/كانون الثاني 2020. ولو تم تنفيذه فسوف ينهي للأبد "حل الدولتين" ويحطم أي أمل لدولة فلسطينية متصلة الأرجاء وقابلة للحياة.

ديفيد ريغوليه-روز، الباحث المشارك المختص في شؤون الشرق الأوسط بمعهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (Iris) ورئيس تحرير مجلة "أورينتس إستراتيجيك"، يشرح الموضوع لفرانس24 قائلا: "لقد جعل بنيامين نتانياهو من هذا المشروع شأنا شخصيا، فهو يريد أن يدخل التاريخ باعتباره أحد رؤساء الوزراء الذين وفوا بوعودهم بضم أراض لدولة إسرائيل على غرار مناحم بيغن ومرتفعات الجولان عام 1981، أو حتى ليفي أشكول مع القدس الشرقية بعد حرب عام 1967".

الأراضي التي يرغب في ضمها بنيامين نتانياهو، الذي لا يزال يُسوِّف في تنفيذ ما أعلنه منتظرا ضوءً أخضر أمريكيا، توجد جميعها في المنطقة (ج) من الضفة الغربية. وتنقسم هذه المنطقة، بموجب اتفاقيات أوسلو التي وقعت في تسعينيات القرن المنصرم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلى ثلاثة قطاعات:

المنطقة (أ) وتقع تحت السيطرة الفلسطينية الحصرية، والمنطقة (ب) وتقع تحت الإدارة الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية، وبهذا تقع المنطقة (ج) تحت سيطرة أمنية وإدارية حصرية للدولة العبرية.

ووفقا لاتفاقيات أوسلو، فإن تفتت الأراضي الفلسطينية هذا (60 بالمئة من الأراضي المحتلة إضافة إلى قطاع من الأراضي تم وضعها في المنطقة (ج))، كان من المفترض أن يكون مؤقتا إلى أن يتوصل الطرفان إلى اتفاقيات جديدة تحدد شكل الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها إلى جانب إسرائيل. لكن بعد سبعة وعشرين عاما يبدو أن كل ذلك قد ذهب عبثا.

اليمين المتطرف يعتبر "المنطقة (ج) أراضي إسرائيلية"

في حوار أجرته وكالة الأنباء الفرنسية مع يوسي بيلين، أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي في مفاوضات أوسلو، قال "في الأصل، كانت الفكرة أن المنطقة (ج) ستصبح تدريجيا جزءا من السلطة الفلسطينية، وفي النهاية جزءا من (دولة) فلسطين عندما يتم التوصل إلى اتفاق دائم". لكن اليمين يعتبر "المنطقة (ج) أراضي إسرائيلية" و"تجاوزا للحدود من اتفاقية أوسلو" بمحاولتها تحويل وضع "مؤقت" إلى وضع "دائم".

فاليمين الإسرائيلي لا يعتبر المنطقة (ج) أراضي فلسطينية بالمرة. ولطالما كان يجادل ويحاج بصواب فكرة ضم المنطقة لإسرائيل على الرغم من عدم اتخاذ خطوات عملية في سبيل تنفيذ هذه الفكرة ويزايد على كل الخطابات القومية التي لا تنفك تنادي بضم هذا الأراضي. فهو لا يرى في هذه الأراضي غير أنها منطقة "متنازع عليها" تقع في "يهودا والسامرة"، الاسم المستمد من الكتاب المقدس والذي تستخدمه الحكومة الإسرائيلية للإشارة إلى الضفة الغربية المحتلة.

وفي السنوات الأخيرة، لم تتوقف العديد من الشخصيات الإسرائيلية من اليمين المتطرف أو من الجناح المتشدد من اليمين التقليدي، مثل وزير الدفاع السابق نفتالي بينيت زعيم حزب "البيت اليهودي" الحزب القومي الديني، أو يوري أرييل وزير الزراعة السابق في حكومة بنيامين نتانياهو، وكذلك يولي إيدلشتاين أحد الشخصيات المرموقة في حزب الليكود، عن المطالبة والدعوة إلى ضم المنطقة (ج).

بل ذهب بعضها الآخر إلى المطالبة بضم الضفة الغربية بأسرها، مثل موشيه فيغلين من الجناح اليميني في الليكود الذي اقترح في عام 2013 "منح كل أسرة [فلسطينية - أسرة التحرير] نصف مليون دولار مقابل تشجيعها على الهجرة من أراضيها".

بيد أن بنيامين نتانياهو كان ينأى بنفسه عن هذا النقاش حتى يوم من أيام شهر سبتمبر/أيلول عام 2019 حين وعد فجأة، وقبل أسبوع واحد وعصيب من الانتخابات التشريعية، أنه سيحقق حلم الجناح اليميني من معسكره السياسي، و"سيسطر فصلا جديدا ومجيدا في تاريخ الحركة الصهيونية".

وهكذا مالت كفة حملته الانتخابية ناحية اليمين وجهة الناخبين الإسرائيليين الذين يعيشون في المستوطنات والمؤيدين لفكرة ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية. وبدأ نتانياهو يتحدث عن "فرصة تاريخية وفريدة" لوضع يد الدولة العبرية على المستوطنات "في يهودا والسامرة وفي أماكن رئيسية أخرى" من الضفة الغربية المحتلة.

هل مخطط الضم هذا ليس إلا سياسة أمر واقع؟

لطالما كانت هذه الفكرة في إسرائيل، محل خلاف وانقسام في الطبقة السياسية والمجتمع. وفي أوائل شهر يونيو/حزيران الماضي نشر المعهد الديمقراطي الإسرائيلي، وهو مركز أبحاث مقره مدينة القدس، نتيجة استطلاع أجراه يظهر أن 50 بالمئة فقط من الإسرائيليين يؤيدون مشروع الضم.

كما أن عددا من المسؤولين الأمنين الإسرائيليين الحاليين أو المتقاعدين يعارضون بدورهم ومن وراء الكواليس مخطط الضم، معللين ذلك بانعدام أي فائدة أو مكسب تعود على إسرائيل من إصدار قانون يكرس حالة، هي عمليا، موجودة على أرض الواقع.

فبالفعل، ومن وجهة نظر ديموغرافية، فإن الاستيطان في الضفة الغربية، الذي تسارع تحت قيادة بنيامين نتانياهو المعتلي سدة الحكم منذ عام 2009، قد غير الوضع في المنطقة (ج). وبحسب الأرقام التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن معظم المستوطنين البالغ عددهم 450 ألفا يعيشون في تلك المنطقة مقارنة بمئتي ألف إلى ثلاثمئة ألف فلسطيني.

علاوة على ذلك، ومن وجهة نظر إدارية، تحتفظ الدولة العبرية بالسيطرة على مسائل الأمن والتخطيط والبناء وتفرض قيودا على حركة انتقال الفلسطينيين وكذلك على مشاريع بناء منازلهم ونادرا ما تمنحهم إسرائيل تصريح تشييد في هذه المنطقة.

وفي عام 2016، قالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن السياسة الإسرائيلية في المنطقة (ج) تخلق "بيئة قسرية للغاية تجبر [الفلسطينيين] على مغادرة أراضيهم". سياسة اعتبرت "منهجية وعامة"، تمنع السكان الفلسطينيين، بحسب الأمم المتحدة، من النمو والحصول على موارد المياه والمراعي والأراضي الزراعية وحتى على الخدمات الأساسية.

وكما يشرح ماجد بامية الدبلوماسي الفلسطيني لدى الأمم المتحدة لفرانس24 "فإن جميع هذه السياسات، التي يتم تنفيذها منذ سنوات، والتي سواء كانت تعمل على تهجير الفلسطينيين أم بناء المستوطنات أم تصنيف الأراضي على أنها مناطق عسكرية، كانت تهدف إلى الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي يعيش عليها أقل عدد ممكن من الفلسطينيين".

يبقى أن نرى ما إذا كان بنيامين نتانياهو سيختار نهجا متطرفا بضم إسرائيل غور الأردن وما يقرب من مئة مستوطنة، أم سيكتفي بالحد الأدنى من خلال استهداف حفنة قليلة من المستوطنات في المنطقة (ج).

وبغض النظر عما سيختاره، فإنه سيتعين عليه تسريع تنفيذ مخططه، وذلك على الرغم من الانتقادات والاعتراضات الدولية ولا سيما من طرف الأمم المتحدة وأوروبا، لأن هزيمة دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2020 قد تؤدي إلى إحباط مشروعه بالكامل.