روسيا تستمر بحشد قواتها.. هل تستعد لشن حرب على أوكرانيا؟

تستمر روسيا بتعزيز قواتها وحشودها العسكرية بشكل متصاعد بالقرب من الحدود الأوكرانية منذ نحو أسبوع، الأمر الذي أدى إلى تعميق القلق العالمي بشأن نوايا موسكو النهائية من هذه التحركات، بالتزامن مع تصعيد كبار المسؤولين الروس ووسائل الإعلام الحكومية لهجماتهم التحريضية ضد أوكرانيا والغرب.
 
وتظهر مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي قوافل من المركبات العسكرية تصل إلى المنطقة من أماكن بعيدة مثل سيبيريا، وفقاً لتحليل أجرته مجموعة استقصائية مفتوحة المصدر تسمى "فريق استخبارات الصراع". ويقول تقرير لمجلة "Foreign Policy" الأمريكية، إن تجمع القوات الروسية جنوب مدينة فورونيج، على بعد حوالي 155 ميلاً من الحدود مع أوكرانيا، بعيد بما يكفي، لدرجة أن الغزو الفوري يبدو غير مرجح عند الكرملين، ولكنه قريب بما يكفي لإثارة التوتر.
 
هل تستعد روسيا لشن حرب على أوكرانيا؟
 
يقول تقرير فورين بوليسي، إن تحركات القوات العسكرية الروسية من المناطق العسكرية الغربية والجنوبية يتجاوز بكثير ما كان متوقعًا في العادة لمناورة عادية من النوع الذي نفذته روسيا مؤخراً.
 
ويقول كيريل ميخائيلوف، الباحث في "فريق استخبارات الصراع"، للمجلة الأمريكية، إن الأمر المحير والمقلق في الوقت نفسه بشأن الحشد العسكري في فورونيج هو الموقف الهجومي الواضح. تقع المنطقة على حدود أوكرانيا التي تسيطر عليها الحكومة، وليس المناطق الانفصالية في دونيتسك ولوهانسك، حيث يعتمد الوكلاء المحليون على الدعم الروسي.
 
وترافق الحشد العسكري الروسي مع موجة من التصريحات التصعيدية والتهديدات من قبل المسؤولين الروس. وحذر يوم الخميس 8 أبريل/نيسان، ديمتري كوزاك، المسؤول البارز في الكرملين، من أن "تصعيدًا كبيرًا في الصراع من شأنه أن يمثل بداية نهاية أوكرانيا".
 
في الوقت نفسه، أعلنت روسيا -التي سعت إلى تصوير أوكرانيا على أنها معتدية- من أن كييف تستعد لتطهير دونباس عرقياً من الروس. وحذر يوم الجمعة 9 أبريل/نيسان، السكرتير الصحفي في الكرملن دميتري بيسكوف، من أن روسيا قد تضطر للتدخل في حالة وقوع "كارثة إنسانية مماثلة لسريبرينيتشا"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية لأكثر من 8000 مسلم بوسني على يد القوات الصربية في يوليو 1995.
 
ويوم الخميس، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، جين بساكي، إن الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد من "تصعيد الاعتداءات الروسية" في المنطقة. وتحدث يوم الجمعة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين مع نظيره الألماني، هيكو ماس، حيث "شددا على أهمية الوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد الاستفزازات الروسية أحادية الجانب".
 
ومن الواضح أن الزعماء الغربيين قلقون من تصاعد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا. وذكرت شبكة CNN الأمريكية يوم الخميس، أن "الولايات المتحدة تدرس إرسال سفن حربية إلى البحر الأسود لإظهار الدعم لأوكرانيا".
 
وقالت وكالة الأناضول التركية، الجمعة 9 أبريل/نيسان، إن واشنطن أبلغت أنقرة بعبور سفينتين حربيتين تابعتين لها من المضيقين التركيين (الدردنيل والبوسفور) إلى البحر الأسود منتصف أبريل/نيسان الجاري.
 
بحسب الوكالة فإنه يتعين على الولايات المتحدة تقديم إخطار مسبق قبل 15 يوماً بنيتها الدخول إلى البحر الأسود بموجب اتفاقية مونترو عام 1936، التي تمنح تركيا حق إدارة مضيقي الدردنيل والبوسفور.
خبراء أوكرانيون: روسيا تضغط على الغرب وتختبر بايدن والاشتباك ليس بعيداً
 
يقول خبراء أوكرانيون إن روسيا تعتزم ممارسة الضغط على الغرب بتصعيد التوتر في منطقة دونباس، لقياس رد فعل الإدارة الأمريكية وحدود دعمها لأوكرانيا، في حين رأى خبراء روس أنه من الممكن أن ترسل روسيا قوات عسكرية إلى المنطقة، نظراً لأن أوكرانيا هي من أخلت باتفاقات "مينسك".
 
وقال الخبير العسكري الأوكراني ومنسق قسم السياسة الدولية بمركز الدراسات السياسية دينيس موساكليك، لوكالة الأناضول التركية السبت، إن اندلاع اشتباكات عنيفة، ممكن من ناحية المبدأ، إلا أنه ليس من المتوقع حدوثه في وقت قريب.
 
وأفاد موسكاليك أن روسيا بهذه الخطوات تمارس ضغوطًا على الإدارة الأوكرانية والإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن لتختبر رد فعلها.
 
وأضاف أن روسيا قد تحاول تأجيج بعض الصراعات كي تقوي موقفها عند جلوسها على طاولة المفاوضات لحل أزمة دونباس، وأنها ستكون بذلك أيضاً قد رأت حدود الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
 
"روسيا تخوض حرباً نفسية بالمقام الأول"
 
من جانبه، وصف ميهايلو ساموس نائب مدير العلاقات الدولية بمركز دراسات الجيش ونزع السلاح بأوكرانيا، التحركات العسكرية الروسية في المناطق القريبة من الحدود الأوكرانية في الفترة الأخيرة بأنها "حرب معلوماتية ونفسية في المقام الأول".
 
وأضاف أن روسيا تهدف إلى الضغط على أوكرانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، لدفعهم إلى تقديم بعض التنازلات بخصوص العقوبات والتجارة الخارجية وخاصة فيما يتعلق بمشروع نورد ستريم- 2 (السيل الشمالي-2).
 
وأوضح ساموس أن الهدف الآخر من هذه التحركات هو حصد الأصوات بالانتخابات البرلمانية الروسية المقبلة، لافتاً إلى أن موسكو ليس لديها أي سبب حالياً لشن هجوم ضخم غير معلوم عواقبه.
 
خبراء روس: موسكو لن تبقى في موقف المتفرج
 
أما الخبير العسكري الروسي فيكتور ليتوفكين فأشار إلى "أن واشنطن تعهدت بدعم أوكرانيا في أزمة دونباس، متوقعاً أن موسكو لن تبقى في موقف المشاهد إزاء هذا الوضع"، حسب تعبيره.
 
وأضاف ليتوفكين أن "أغلب السكان في دونباس من الروس، لذا يمكن لموسكو أن تتدخل عسكريًا في دونباس لحماية مواطنيها، موضحاً أنها لا تخاف من العقوبات الغربية، وأن حياة المواطنين الروس أهم من أي عقوبات".
 
من ناحية أخرى لفت الخبير الروسي إلى إمكانية حل قضية دونباس بالطرق السلمية، وأن "اتفاقيات مينسك تحدد ما يجب القيام به لحل الأزمة إلا أن الجانب الأوكراني لا يرغب في القيام بذلك" على حد قوله.
 
في السياق، يقول أليكسي ليونكوف المحرر الصحفي بمجلة "جبهة الوطن الأم" الروسية، إن أوكرانيا تسعى للحصول على دعم واشنطن في أزمة دونباس. وأن أوكرانيا تصر على قيام طائرات حلف شمال الأطلسي "ناتو" بدوريات ومناورات على خط الحدود مع روسيا، وأنها تسعى لحمل الناتو على القيام بتدريبات عسكرية في المنطقة.
 
ويرى ليونكوف أن أوكرانيا لم تنفذ الاتفاقات والتعهدات التي أقرتها قمة نورماندي، وأنها زادت من التوتر بنشر قواتها على خط التماس في دونباس. وأردف أن الحرب في دونباس كانت حرباً داخلية إلا أن أوكرانيا أقحمت روسيا طرفاً في الأزمة، وبهذا ضربت باتفاقات مينسك عرض الحائط، على حد قوله.
 
وحول التحركات العسكرية الروسية في المناطق القريبة من الحدود الأوكرانية، قال ليونكوف إن التدريبات الشتوية الروسية وصلت إلى مرحلتها الأخيرة التي يتم فيها إرسال الوحدات العسكرية إلى ميادين الرماية الموجودة في أماكن مختلفة لتحقيق أهداف عسكرية، مؤكداً أن هذه الأهداف لا تتعلق إطلاقاً بدونباس.
 
وأوضح ليونكوف أن مصير اتفاقات مينسك سيتحدد وفق تطورات الوضع في دونباس، وأن على أوكرانيا أن تكون دولة فيدرالية لحل هذه القضية.
أزمة متصاعدة منذ 7 سنوات
 
وبين الفينة والأخرى، تندلع اشتباكات في دونباس بين القوات الأوكرانية وانفصاليين موالين لروسيا أعلنوا استقلالهم من جانب واحد عام 2014، ما أدى إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص منذ ذلك الحين.
 
وتوصلت الأطراف المتحاربة شرقي أوكرانيا في فبراير/شباط 2015، في عاصمة بيلاروسيا "مينسك" إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يقضي بسحب الأسلحة الثقيلة والقوات الأجنبية من أوكرانيا، بالإضافة إلى سيطرة أوكرانيا على كامل حدودها مع روسيا بحلول نهاية 2015، وهو ما لم يتحقق بعد.
 
يذكر أن العلاقات بين كييف وموسكو تشهد توتراً متصاعداً منذ نحو 7 سنوات، بسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها بطريقة غير قانونية، ودعمها الانفصاليين في "دونباس".