حل لغز الأقزام البيضاء ذات الحقول المغناطيسية القوية

هناك الكثير مما لا نعرفه عن الأقزام البيضاء ، لكن لغز كيفية حصولها على حقول مغناطيسية قوية قد يكون له للحل. وفقًا للحسابات والنماذج الجديدة؛ فإن هذه الأجسام الكثيفة للغاية قد تحتوي على محرك لتوليد غلاف مغناطيسي. لكن الحقل المغناطيسي الأقوى من حقل الأرض بمليون مرة لا يحدث إلَّا بظروف معيَّنة.

لا يحسم البحث العديد من المشكلات طويلة الأمد فحسب، بل يبين أنه يمكن رصد ظاهرة مشابهة في أجسام فلكية مختلفة اختلافًا كبيرًا، وأن الكون ربما يشبه نفسه أكثر مما نعتقد.

الأقزام البيضاء -التي تُعرف بالنجوم الميتة- تتكون عندما يصل نجم كتلته أصغر من 8 مرات كتلة الشمس تقريبًا لنهاية حياته، فيطرح مكوناته الخارجية بعد نفاد العناصر الملائمة لحدوث تفاعل نووي، إذ ينهار اللب المتبقي ليُكون قزمًا أبيض كتلته أقل من 1.4 من كتلة الشمس، مضغوطًا بحجم الأرض تقريبًا، إذ يلمع مع الطاقة الحرارية المتبقية ويتمتع بكثافة شديدة.

تزن ملعقة شاي من مادة القزم الأبيض نحو 15 طنًا، ما يعني أنه قد يُفترض أن الأجزاء الداخلية لتلك الأجسام مختلفة عن نظيرتها في كواكب مثل الأرض.

يحاول علماء الفلك اكتشاف كيفية حصول الأقزام البيضاء على حقول مغناطيسية شديدة أقوى بنحو مليون مرة من مجال الأرض المغناطيسي، إذ تبلغ قوة المجال المغناطيسي للشمس ضعف قوة مجال الأرض فقط، ما يعني أن شيئًا غريبًا يحصل في الأقزام البيضاء.

حل لغز الأقزام البيضاء ذات الحقول المغناطيسية القوية - حل لغز كيفية حصولها على حقول مغناطيسية قوية - كيفية حصول الأقزام البيضاء على حقول مغناطيسية شديدة

فرغم امتلاك بعض الأقزام البيضاء حقولًا مغناطيسية قوية إلا أن ثنائيات الأقزام البيضاء المنفصلة -التي لا يتجاوز النجم نطاقها الفضائي ومادتها النجمية مقيدة بالجاذبية التي تُعرف بحد روش بعمر لا يتجاوز مليار سنة- لا تتمتع بهذه الحقول المغناطيسية القوية.

أما ثنائيات الأقزام البيضاء شبه المنفصلة فيتعرض أكثر من ثلثها لحقول مغناطيسية قوية حين يفلت أحد النجوم من حد روش، ويلتهم القزم الأبيض بجاذبيته مواد من رفيقه ذي الكتلة الأصغر، إذ تَظهر بعض الأقزام البيضاء ذات المغناطيسية العالية أيضًا في الثنائيات المنفصلة.

لم تستطع نماذج التطور النجمي تفسير كيفية حدوث ذلك؛ فاتخذ فريق دولي من علماء الفلك نهجًا جديدًا، إذ اقترحوا محركًا أساسيًا يتطور بمرور الزمن، بدلًا من لحظة تشكل القزم الأبيض.

يتألف المحرك من سائل ناقل كهربائي دوّار ذي حملٍ، قادر على تحويل الطاقة الحركية إلى طاقة مغناطيسية، يدوّر حقلًا مغناطيسيًا في الفضاء. يتولّد الحمل الحراري في الأرض بواسطة حركة الحديد السائل حول اللب.

قال الفيزيائي بوريس غانسيكي من جامعة وارويك في المملكة المتحدة: «عرفنا لفترة طويلة أن شيئًا ما مفقودًا في فهمنا لحقول الأقزام البيضاء المغناطيسية، إذ إن الإحصائيات المأخوذة من عمليات الرصد لم تكن منطقية».

وأضاف: «إمكانية توليد الحقل بمحرك، على الأقل في بعض هذه النجوم، يمكنها حل هذه المفارقة».

يكون القزم الأبيض عند بداية تشكله حارًا جدًا ومكونًا من الكربون السائل والأكسجين، وذلك مباشرة بعد فقدانه لغشائه الخارجي.

وفقًا لنموذج الفريق، عندما يبرد ويتبلور لب القزم الأبيض، تخلق الحرارة المفقودة نحو الخارج تيارات حمل حراري مشابهة لتحرك السائل داخل الأرض ما ينتج محركًا.

قال الفيزيائي ماتياس شرايبر من جامعة سانتا ماريا التقنية في تشيلي: «إن سرعات السائل لدى الأقزام البيضاء قد تصبح أعلى من نظائرها في الأرض، وربما تكون الحقول المتولدة أقوى بكثير».

وأضاف: «يمكن أن توضح آلية المحرك معدل ظهور الأقزام البيضاء عالية المغنطة في حالات عديدة، وخاصة الأقزام البيضاء في النجوم الثنائية».

عندما يبرد القزم الأبيض ويهرم، يقترب مداره من مدار نظيره الثنائي، وحين يتجاوز نظيره حد روش ويبدأ القزم الأبيض بالالتحام، يزداد معدل دوران القزم الأبيض ويؤثر هذا الدوران في المحرك منتجًا حقلًا مغناطيسيًا أقوى بكثير.

إذا كان الحقل المغناطيسي قويًا كفايةً للارتباط بالحقل المغناطيسي لمرافقه الثنائي؛ فإن النجم المرافق يصنع عزمًا دورانيًا يؤدي إلى تزامن حركته المدارية مع دوران القزم الأبيض التي تؤدي بدورها إلى انفصال النجم المرافق عن حد روش، ما يعيد المنظومة إلى ثنائية منفصلة، هذه العملية سوف تتكرر في النهاية.

قد يتطلب الأمر آلية مختلفة لتفسير شدة الحقل المغناطيسي لأقوى قزم أبيض، لكن نتائج الفريق متطابقة مع عمليات الرصد في الوقت الحالي.

يتجاوز عمر الأقزام البيضاء في الثنائيات المنفصلة مليار سنة، وشهدت سابقًا انتقال الكتلة في مرحلة شبه الانفصال اختُزلت عند ظهور حقل مغناطيسي قوي.

في حال كان نموذج الفريق دقيقًا؛ فإن عمليات الرصد المستقبلية للأقزام البيضاء ستتطابق مع استنتاجاتهم.

قال شرايبر: «إن آلية توليد الحقل المغناطيسي هي نفسها في الكواكب، وهنا تكمن جمالية فكرتنا».

وأضاف: «يشرح هذا البحث كيفية توليد الحقول المغناطيسية في الأقزام البيضاء وسبب كونها أكثر قوة من نظيرها في الأرض».

ويُعد ذلك مثالًا جيدًا على قدرة فريق متعدد الاختصاصات على حل مشكلات قد يعانيها اختصاصيون في مجال واحد.

المصدر