عمالقة التكنولوجيا يخوضون منافسة واسعة النطاق لاقتحام صناعة ألعاب الفيديو

منذ أن أطلقت شركة “سوني” قبل ربع قرن جهاز “بلايستايشن” الرائد أصبحت ألعاب الفيديو من أبرز أشكال الترفيه في العالم، واليوم باتت محل منافسة شرسة بين عمالقة التكنولوجيا لما تدره هذه الصناعة من عائدات مالية هائلة، ومن هذا المنطلق اختارت منصة نتفليكس اقتحام سوق ألعاب الفيديو، حيث تعول عليها لاستقطاب المزيد من المشتركين.

يخوض عمالقة التكنولوجيا منافسة واسعة النطاق لاقتحام صناعة ألعاب الفيديو التي تحظى بجماهيرية واسعة وتحقق إيرادات مالية هائلة.

وعلى خطى أمازون التي أتاحت مؤخرا لمشتركي “برايم” في الولايات المتحدة تجربة خدمتها لألعاب الفيديو “لونا” ولاحقا شركة مايكرسوفت التي تعتزم توفير ألعاب “إكس بوكس” على أجهزة التلفزيون المتصلة بالإنترنت، تسعى منصة نتفليكس بدورها للمنافسة في قطاع ألعاب الفيديو.

وتدخل نتفليكس مجال ألعاب الفيديو سعياً منها لتنويع أنشطتها في ظل التخمة التي بدأت تشهدها سوقها الأساسية وهي الفيديو على الطلب، مما يؤكد أن التوسع نحو قطاع الألعاب بات خطوة لا بدّ منها لأي منصة بث تدفقي كبرى.

ومع تجاوز سوق الألعاب العالمية الآن 300 مليار دولار وفقا لدراسة أجرتها شركة “أكسنتشر” الاستشارية في أبريل الماضي، فإن خطوة نتفليكس ستفتح تدفقا جديدا ومربحا جدا من الإيرادات لشركة التكنولوجيا العملاقة، وهو ما من شأنه أن يفتح باب التساؤلات عمّا إذا كانت نتفليكس التي اختارت المنافسة في هذا المجال تخطط لعرض نماذج أعمال مختلفة، وكم ستكون حصتها في سوق رائجة؟

وأشار الشريك المؤسس لنتفليكس ريد هاستينغز في مؤتمر للمحللين عُرِض عبر الإنترنت الثلاثاء بعد نشر النتائج الفصلية، إلى أن الهدف هو “تعزيز وتحسين خدمات” المنصة “وليس إنشاء مصدر ربح منفصل”.

وفي تقدير هاستينغز فإن المنافسين الرئيسيين للشركة ليسوا مجرد شركات بث أخرى مثل “إتش.بي.أو” و”هولو” و”ديزني بلاس”، لكنهم يشملون مجموعة متنوعة من منصات الترفيه الأخرى عبر الإنترنت والهواتف المحمولة.

وستوفر نتفليكس لمشتركيها الحاليين من دون أي تكلفة إضافية الألعاب المصممة في البداية للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.

وأوضحت نتفليكس في بيان أن ألعاب الفيديو ستشكّل فئة جديدة لها على غرار توسعها “في فئات الأفلام والتحريك والبرامج التلفزيونية”. وبات عدد مشتركي منصة الفيديو عند الطلب يناهز 210 ملايين.

وسبق أن أجرت نتفليكس التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا محادثات مع العديد من الخبراء المخضرمين في القطاع كما أوضح موقع “ذي إنفورميشن” المتخصص في التكنولوجيا استنادا إلى مصادر مطلعة.

استقطاب المشتركين

ستكون خدمة ألعاب الفيديو القائمة على الاشتراك شبيهة بخدمة “آبل آركايد” التي تمنح المشتركين وصولا غير محدود إلى مجموعة ألعابها المختارة.

وكما هي الحال مع الأفلام والمسلسلات التلفزيونية لن تعرض نتفليكس إعلانات إلى جانب الألعاب بحسب الموقع ذاته.

مع ذلك لا تزال خطط نتفليكس في مهدها، إذ أن المنصة لم تقرر بعد ما إذا كانت ستطور محتوى خاصا بها أو أنها ستعرض ألعابا طورتها جهات ثالثة.

حققت نتفليكس في الربع الثاني من السنة الجارية ربحاً صافياً بقيمة 1.35 مليار دولار، أي نحو ضعف ما حققته العام الماضي، لكن هذه النتيجة بقيت دون توقعات السوق القلقة من أن تفقد المنصة شيئاً فشيئاً تَقَدُمها على المنصات المنافسة الكثيرة، وهو ما يدفعها إلى اقتحام صناعة ألعاب الفيديو لتوسيع أرباحها واستقطاب اللاعبين.

وفيما أبدت المجموعة ارتياحها إلى كون نمو عدد المشتركين فاق توقعاتها، وأشارت إلى أن الإقبال الكبير على الفيديو عند الطلب خلال مرحلة الجائحة كان يمنع إجراء مقارنات طبيعية، إلا أن هذا الواقع لا يغيّر استنتاجات المحللين ومفادها أن نتفليكس بلغت على ما يبدو درجة “تخمة سوقها في الولايات المتحدة”، على ما لاحظ إريك هاغستروم من “إي ماركتر”.

ومع أنه أشار إلى أن الشركة “تمكنت من رفع الأسعار وزيادة إيراداتها على الرغم من تصاعد منافسة المنصات الأرخص ثمناً”، أفاد هاغستروم بأن “نتفليكس فقدت حصة كبيرة من السوق لصالح ديزني”.

وحققت المنصة عائدات بقيمة 7.3 مليار دولار من أبريل إلى يونيو، أي بزيادة 19 في المئة.

أما في ما يتعلق بالفصل الثالث، فتعوّل على انضمام 3.5 مليون مشترك إضافي إليها، وهو مستوى نمو على مدى عامين يعادل ذلك الذي كان عليه قبل الجائحة.

ومن شأن هذه النتيجة أن تطمئن المستثمرين الذين يتساءلون عما إذا كانت نتفليكس ستشهد تباطؤاً بعدما استفادت بشكل كبير في العام الفائت من عمليات الإغلاق المرتبطة بالأزمة الصحية ومن موقعها كمنصة رائدة في مجال البث التدفقي.

وأصبحت المنافسة شرسة مذّاك مع منصات قديمة بينها “أمازون برايم فيديو” وأخرى جديدة من أبرزها “ديزني بلاس” و”آبل تي.في بلاس” و”إتش.بي.أو ماكس” وكذلك “بيكوك” و”إن.بي.سي يونيفرسال”.

وتضاف إلى هذه المنصات تلك الترفيهية التي تجذب المستهلكين من ألعاب الفيديو إلى شبكات التواصل الاجتماعي.

وأكدت نتفليكس أن أرباحها المتوقعة تبقى ضخمة نظراً إلى أن البث التدفقي لا يمثل راهناً سوى 27 في المئة فحسب من الوقت الذي يقضيه الناس أمام شاشات التلفزيون في الولايات المتحدة منها 7 في المئة لنتفليكس، في مقابل 63 في المئة للمحطات التلفزيونية المعروفة بـ”التقليدية”، بحسب ما نقلت المجموعة عن دراسة أجرتها شركة “نيلسن”.

وأعربت نتفليكس عن ثقتها بـ”احتياطات النمو” لديها، مذكّرة بأنها لا تزال “أقل نضجاً في دول أخرى”، وبأن “هذا لا يشمل شاشات الهاتف المحمول حيث حصتها من استقطاب المستخدمين أقل”. إلا أن تزايد الاهتمام لا يُترجَم بالضرورة تحسناً للعائدات في ظل نموذج تجاري قائم على الاشتراكات لا على الإعلانات.

ومن هذا المنطلق لجأت نتفليكس إلى التنويع من خلال متجر عبر الإنترنت للمنتجات المشتقة، وتوظيف مدير مسؤول عن ألعاب الفيديو خلال الشهر الجاري.

وقال مدير العمليات غريغ بيترز إن سير العمل القائم على الاشتراكات سيتيح للمطورين عدم القلق بشأن حجم الإعلانات أو إقبال اللاعبين على شراء المكافآت.

وأضاف “تتمثل مهنتنا في إنشاء عوالم وشخصيات تفوق الخيال، ونعلم أن المشاهدين يريدون الذهاب إلى أبعد من ذلك”.

وأبرز المستثمر جين مونسترز من شركة “لاوب فنتشرز” على تويتر أن دخول مجال ألعاب الفيديو “تكتيك جيد للحفاظ على المشتركين الحاليين، لا بل لجذب آخرين جدد”. وأشار إلى أن “ثمة نحو ملياري لاعب شهرياً في العالم”.

وبرأي إريك هاغستروم فإن “مصادر الدخل الجديدة كالمنتجات المشتقة والتجارب المستقبلية المحتملة مثل عرض أفلام المنصات في صالات السينما، والمدونات الصوتية (بودكاست) وألعاب الفيديو، يمكن أن تحقق النمو”. لكنه أقرّ بأن “النجاح في هذه المجالات ليس مضموناً على الإطلاق”.

عائدات مالية هائلة

يجمع الخبراء على أن العائدات المالية الهائلة لسوق ألعاب الفيديو وراء تسابق عمالقة التكنولوجيا لاقتحام هذه الصناعة.

وتدر سوق ألعاب الفيديو إيرادات تفوق 300 مليار دولار على المستوى العالمي، فيما أسهمت الجائحة في تحفيز نمو القطاع، وفق دراسة سابقة نشرتها شركة “أكسنتشر” الاستشارية.

وبات حجم قطاع ألعاب الفيديو يفوق ذلك العائد إلى قطاعي السينما والموسيقى مجتمعين، وفق هذه الدراسة التي أجريت على أربعة آلاف لاعب من الأسواق الأربع الأكبر (الصين واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة).

وأشار المسؤول عن قطاع صناعة البرمجيات والمنصات لدى “أكسنتشر” سيت شولر إلى أن “ظهور منصات جديدة لألعاب الفيديو والنمو السكاني يجعلان شركات ألعاب الفيديو أقل تركيزا على المنتجات وأكثر تمحورا على التجربة”.

وأضاف “على القطاع أن يجد توازنا بين حاجات اللاعبين الجدد الحريصين بشدة على التفاعلات الإلكترونية، وتوقعات اللاعبين الأوفياء الذين لا يزالون أكثر الزبائن درّاً للإيرادات”.

وتضم سوق ألعاب الفيديو 2.7 مليار لاعب في العالم بازدياد مقداره 500 مليون مستخدم خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ومن المتوقع أن تستمر هذه السوق في النمو مع استقطاب 400 مليون لاعب بحلول نهاية 2023.

والعام الماضي بلغت مبيعات ألعاب الفيديو في الولايات المتحدة مستوى قياسيا وصل إلى 56.9 مليار دولار، وفق تقرير سابق لشركة “أن.بي.دي غروب” يؤكد الأداء الإيجابي في القطاع بدفع من تدابير الحجر المنزلي وقيود التنقل التي فرضتها الجائحة.

وازدادت الإيرادات من مبيعات أجهزة اللعب بنسبة 11 في المئة خصوصا مع نجاح أجهزة “سويتش” من “نينتندو” وإطلاق الجيل الجديد من أجهزة “بلاي ستايشن” من قبل “سوني” و”إكس بوكس” من “مايكروسوفت”.

وتأتي الأكثرية الساحقة من المبيعات من المضامين المتصلة بألعاب الفيديو سواء تلك المباعة بصورة غير افتراضية أو بالنسق القابل للتحميل أو عن طريق اشتراكات أو خدمات مختلفة أو نفقات على ألعاب الفيديو.

ودرّت لعبة “كال أوف ديوتي” المتاحة عبر “بلاي ستايشن” و”إكس بوكس” وأجهزة الكمبيوتر أكبر الإيرادات في 2020، وحققت “كولد وور” و”مودرن ويلفير” أعلى الإيرادات بالدولار.

وقد فازت شركة “نينتندو” اليابانية بمعركة أجهزة ألعاب الفيديو، إذ تصدّر جهازها “سويتش” المبيعات سواء على صعيد الإيرادات بالدولار أو عدد الوحدات المباعة.

واحتلت “بلاي ستايشن 5” التي أطلقتها “سوني” في نوفمبر الماضي المركز الثاني لناحية عدد الوحدات المباعة، فيما درّ النموذج السابق “بلاي ستايشن 4” ثاني أكبر الإيرادات.

ولا يقتصر تنوع الألعاب على ممارسيها فحسب بل يشمل أيضا الطرق التي يستمتع بها الأشخاص بالألعاب الإلكترونية. فقد أصبحت ألعاب الفيديو رياضة تجذب مشاهدين أيضا، وتنظم بطولات كبرى تجذب الآلاف من المشجعين ويتوقع أن تبلغ إيرادات الرياضات الإلكترونية 950 مليون دولار في العام 2020، وفقا لـموقع “نيوزو”.

ويتجمع المشجعون أيضا لمشاهدة لاعبين آخرين يلعبون مباشرة عبر الإنترنت وهي منصة لحضور المباريات عبر وسائل التواصل الاجتماعي استقطبت بعضا من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، وتعد “تويتش” التابعة لشركة أمازون ويوتيوب التابعة لشركة غوغل من أكثر المنصات شعبية.
ويقترح البعض أن يتم اعتبار ألعاب الفيديو مماثلة للأحداث الأخرى التي تجذب مشاهدين.

ويلاحظ محللون أن ألعاب الفيديو التي كان ينظر إليها سابقا على أنها ترفيه متخصص موجه إلى الشبان استفادت من الدفع الكبير الذي حصل في التسعينات لجذب المزيد من الزبائن، وكانت “سوني” مع جهاز “بلايستايشن” قائدة الطريق في كسر الحواجز الاجتماعية.

وبعد “بلايستايشن” أطلقت مايكروسوفت جهاز “إكس بوكس” عام 2001، تلاها جهاز “وي” من “نينتندو” عام 2006، لتثور بعدها فورة الهواتف الذكية التي ساهمت في ارتفاع شعبية الألعاب الإلكترونية.

ويوضح غيلهيرم فرنانديز مستشار التسويق في شركة “نيوزو” للألعاب الإلكترونية في تصريحات سابقة “خلال العقدين الماضيين شهدنا توجها قويا نحو تعميم استخدام الألعاب. قبل 25 عاما كان معظم الناس لا يزالون يعتبرون الألعاب شكلا هامشيا من أشكال الترفيه”.

ويستنتج الخبراء أن القدرة على شراء الأجهزة ساهمت أيضا في جذب جمهور إضافي، فقد استطاعت “سوني” أن تصل إلى فئات واسعة من المجتمع نظرا إلى السعر المنخفض لأول جهاز “بلايستايشن” أطلقته والذي أثبت نجاحا تجاريا.

ويخلص مايكل جاكوبسون منسق الأبحاث في معهد “إم.آي.تي” للألعاب بالقول “إذا صححنا التضخم فإن وحدات التحكم أرخص بكثير اليوم مما كانت عليه في الثمانينات والتسعينات. لقد كانت (…) نوعا من الترفيه للطبقة المتوسطة العليا في ذلك الوقت”.