مجلة أمريكية متخصصة تقدم خطوات جدية لوقف انهيار الاقتصاد اليمني

*مجلة "انترناشيونال بانكر" الدولية المتخصصة بقطاع الصناعة المصرفية والمالية ورصد أهم المؤسسات الإقتصادية والبنكية حول العالم

في منتصف يوليو، انخفض الريال اليمني بشكل حاد ووصل إلى 1000 ريال مقابل الدولار الأمريكي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، وهو أسوأ انخفاض منذ أن أصبحت الدولة الفقيرة ساحة معركة لحرب طويلة ودموية بدأت في عام 2014 عندما سيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة صنعاء.

ويعتقد بعض المحللون أن هذا الانخفاض الحاد مؤشر نحو الانهيار الاقتصادي والمجاعة على نطاق واسع.

أثر الصراع بصورة حقيقية على الأحوال المعيشية لليمنيين العاديين، الذي شهد معدل دخلهم انخفاضا كبيرا مع إغلاق أكثر من ربع الشركات، وارتفاع البطالة إلى ما يقدر بنحو 55 في المائة من القوة العاملة، ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى، وتقلص قطاعات مهمة من الاقتصاد اليمني، بما في ذلك الزراعة والبنوك، بشدة خلال السنوات القليلة الماضية.

 علاوة على ذلك، لا يزال ملايين الأشخاص في مرحلة الفقر ويعانون من انعدام الأمن الغذائي، مع وجود أكثر من 80 في المائة من مواطني اليمن الآن يعتمدون على المساعدات الدولية. ومع أن قطاع التصدير الأكثر أهمية -النفط والغاز- الذي ينتج جزءا بسيطا فقط من إنتاج مستويات ما قبل الحرب، فإن صادرات اليمن الآن تقصر بسهولة عن تغطية وارداتها الغذائية، والتي تمثل، وفقا للتقديرات، 90 في المائة من جميع المواد الغذائية المستهلكة في البلاد.

خلص صندوق النقد الدولي عقب مهمته الافتراضية مع السلطات اليمنية في الفترة من 24 مايو إلى 3 يونيو إلى أن "الصراع المستمر منذ ست سنوات قد أصاب الاقتصاد اليمني بالشلل، ومزق البلاد، أدى إلى أزمة اقتصادية وإنسانية حادة، والتي تفاقمت بسبب جائحة كورونا.

كما انهار الدعم الخارجي، وكادت احتياطيات النقد الأجنبي ينفد، وازدادت الضغوط على الميزانية. وأدى فيروس كورونا إلى تفاقم الأزمة، وذلك في المقام الأول من خلال الانخفاض الحاد في التحويلات وانخفاض أسعار النفط وعائداته. ونتيجة لذلك، انخفض سعر الصرف بسرعة وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير.

في الواقع، فإن الدولة المحاصرة، والتي تحكمها حاليا حكومتان منفصلتان، تشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة. وقدرت المنظمة الاممية أن حوالي 80 في المائة من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينما قدرت (اليونيسف) أن ما يقرب من 2.3 مليون طفل في اليمن دون سن الخامسة سيعانون من سوء التغذية الحاد هذا العام، 400 ألف منهم يمكن أن يموتوا إذا لم يتلقوا العلاج العاجل.

في غضون ذلك، قدر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من خمسة ملايين يمني على شفا المجاعة، حيث أفاد توبياس فلايميج، رئيس قسم الأبحاث والتقييم والرصد في البرنامج في اليمن، بأن الكثير من الناس يضطرون للعيش على وجبة واحدة فقط في اليوم. ومع ذلك، لم يعلن البرنامج بعد عن المجاعة، لأنه، وفقا فلايميج، لم يتم بعد جمع أدلة كافية على الأمن الغذائي وسوء التغذية والوفيات، نظرا للصعوبات التي يفرضها الصراع المستمر.

وقال فلايميجلإذاعة صوت أمريكا الدولية في أواخر يوليو الماضي: "يجب على المجتمع الدولي ألا ينتظر حدوث هذا التصنيف في اليمن".

على هذا النحو، أصبح التمويل الخارجي أمرا ضروريا. وبالفعل، فقد ضغط رئيس الوزراء، معين عبدالملك، على "الدول الشقيقة لتقديم دعم عاجل حتى لا يحدث انهيار كامل، وبعد ذلك (سيكون) من الصعب على أي تدخل لإنقاذ الاقتصاد اليمني".
 
يبدو أن الولايات المتحدة قد استجابت للنداء، حيث أعلنت في 9 أغسطس أنها ستزيد مساهمتها في المساعدات لليمن بمقدار 165 مليون دولار، والتي تهدف إلى دعم برنامج الغذاء العالمي بتوصيل المواد الغذائية الى الفئات التي تشتد الحاجة إليها. قدم الاتحاد الأوروبي بالفعل 95 مليون يورو هذا العام لمساعدة اليمن، بينما تعهدت الإمارات بتقديم 230 مليون دولار أخرى في فبراير.

كما تواصل وكالات الإغاثة العمل على سد الثغرات حيثما أمكن ذلك.

وقالت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مؤخرا: "لدعم اليمن خلال جائحة كورونا، زادت الوكالة الأمريكية من دعمها للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تنتج معدات الحماية الشخصية، والمنظفات المضادة للبكتيريا، ومنتجات التعقيم التي تساعد على تلبية الطلب المحلي مع خلق فرص العمل وزيادة الدخل".

كما دعمت الوكالة الأمريكية تدريب وتوظيف أكثر من 1100 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في مناصب حرجة في المستشفيات العامة والخاصة".

خطوات لمنع انهيار الاقتصاد اليمني

ومع احتمال استمرار التضخم في الارتفاع نتيجة لانخفاض سعر الصرف وارتفاع أسعار الغذاء والوقود العالمية، فإن قيمة المساعدات الخارجية تتضاءل بسرعة، في حين أن ميزان المدفوعات والاحتياطيات في اليمن يزداد سوءا بشكل تدريجي.

ولتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي ودعم تعافيه، وفقا لصندوق النقد الدولي بعد زيارته للبلاد في يونيو، يحتاج اليمن إلى حشد وتعبئة مزيدا من الموارد وتسريع عملية إعادة بناء المؤسسات.

وخلص الفريق بقيادة بريت راينر بعد المهمة إلى أن "تأمين دعم خارجي إضافي سيساعد في سد فجوة التمويل الكبيرة، وبالتالي كبح الانخفاض في قيمة العملة اليمنية والحد من التضخم".

وقال الفريق: "إن زيادة الإيرادات والعائدات المحلية ستدعم استقرار الاقتصاد الكلي من خلال تقليل الحاجة إلى التمويل من البنك المركزي. كما سيسمح للسلطات بتلبية الاحتياجات البيئية والاجتماعية العاجلة، بما في ذلك السلع الأساسية والرعاية الصحية والتعليم".

ولكن من دون حل سريع للصراع، حذر صندوق النقد الدولي أيضا من أن الآفاق الاقتصادية لليمن على المدى القريب ستظل قاتمة بلا ريب. سيكون لاستمرار الوباء العالمي، إلى جانب الافتقار إلى مصادر التمويل الخارجية، تأثير معوق على الناتج المحلي الإجمالي، والذي ذكر الصندوق أنه يتوقع أن ينكمش بنسبة 2٪ أخرى في عام 2021 بعد انخفاضه بنسبة 8.5٪ في عام 2020.

كما أشار الصندوق إلى أن الصراع أدى إلى إضعاف وتجزئة القدرات في مجال السياسة العامة اليمنية، مما حد من قدرة السلطات على الاستجابة بفعالية للأزمة.
 
ومع استمرار سيطرة المتمردين الحوثيين على مساحات شاسعة من اليمن، تم الاستيلاء على مساعدات بملايين الدولارات منذ بداية الحرب. لا تزال التبرعات تُصادر بانتظام بدلا من وصولها إلى أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى، بينما افيد أيضا أنه الحوثيين فرضوا "ضريبة" غير رسمية على المساعدات الإنسانية.

وبالتالي، فإن وقف إطلاق النار الدائم أمر ضروري قبل أن يتمكن اليمن حتى من التفكير في الشروع في تدابير لتحقيق استقرار الاقتصاد أو الشروع في توحيد اليمن.

ولكن، مع وجود أدلة تشير إلى أن الحوثيين يهدفون إلى تعزيز استقلالهم النقدي والمالي، من المرجح أن يستمر الصراع، لا سيما مع استمرار معركة مأرب الشرسة في الشمال تظهر القليل من الدلائل على الحل في أي وقت قريب. ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للاضطرابات، سيظل الاقتصاد اليمني في أزمة عميقة.