تقرير أمريكي: آخر مرة تفاوض فيها الحوثيون بحسن نية عندما كانوا على وشك خسارة الحديدة

*موقع "ذا ديسباتش" الأمريكي
*كاثرين زيمرمان زميلة بارزة في المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة

منحت إدارة بايدن الحوثيين المدعومين من إيران النفوذ الذي يحتاجون إليه لكسب الحرب الأهلية في اليمن.

كما يتضح من الأخبار التي تفيد بأن وزارة الخارجية تحاول تأمين الإفراج عن موظفين يمنيين تم احتجازهم كرهائن في هجوم للحوثيين على السفارة الأمريكية، تثبت بأن أوجه القصور في استراتيجية "الدبلوماسية أولاً" لإدارة بايدن تتضح بسرعة في اليمن.
يعمل الحوثيون على تعزيز المكاسب للاستفادة من اليد العليا في الحرب الأهلية في البلاد، واحتجاز الرهائن هو حيلة أخرى لمزيد من التنازلات.

ولذا فإن إصرار فريق بايدن على رفض فكرة أن الدبلوماسية تعمل فقط إذا كانت مدعومة بتهديد موثوق بالقوة، كان يعني بأنه قد تنازل عن اليمن بشكل فعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مما يهدد ليس فقط جار اليمن، ولكن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفي النهاية الولايات المتحدة نفسها.

استلمت إدارة بايدن منصبها وهي مصممة على الابتعاد عن ورطات الحرب في اليمن. وفي فبراير 2021، أعلنت عن انتهاء كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة، ثم عينت وزير الخارجية أنتوني بلينكين الدبلوماسي المحترف تيموثي ليندركينغ كمبعوث خاص للولايات المتحدة لدفع المسار الدبلوماسي.

لكن بعد ذلك، ارتكب فريق بايدن سلسلة من الأخطاء الكارثية، حيث سلم زمام المبادرة والنفوذ إلى الحوثيين، وضمن بكل هذا انتصارهم في نهاية المطاف.

أولاً، ألغى بلينكن تصنيف إدارة ترامب للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وبغض النظر عن أن قرار ترامب كان محل شك، إلا أن عكس ذلك القرار قد منح شيئا مقابل لا شيء، وبذلك فقدت الولايات المتحدة قدرا ضئيلا من نفوذها لإجبار الحوثيين على الانخراط في مفاوضات هادفة حيث أضعفت في الوقت نفسه المعارضة العسكرية للحوثيين.

والأمر الأهم، أن توقيت إدارة بايدن بدا كإملاءات أيديولوجية أكثر من كونها سياسة واقعية ذكية. ففي أوائل سبتمبر، عندما تولى مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن منصبه، تصاعد التواصل الدبلوماسي الأمريكي، حيث التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ومبعوث اليمن ليندركينغ مع كبار المسؤولين السعوديين والإماراتيين بغية التوصل إلى وقف إطلاق النار.

بيد أن الدفع الدبلوماسي كان غير متزامن مع مجريات الواقع على الأرض، حيث جاء في الوقت الذي اخترق فيه الحوثيون جبهات رئيسة، وربما الأهم من ذلك، أن الحوثيين أبدوا القليل من الاهتمام بعملية السلام، حيث أعرب مسؤول حوثي كبير عن شكوكه في قيمة الدبلوماسية.

واليوم، تمثل المعركة على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز بداية عجلة انتصار للحوثيين إذا ما استولوا على آخر معقل رئيس في شمال شرق اليمن.

في الوقت الذي كان فريق بايدن يدعو إلى إجراء مفاوضات في فبراير 2021، كثف الحوثيون حملتهم من أجل مأرب وتقدموا إلى مسافة 10 أميال من عاصمة المحافظة.

وصحيح أن الحملة الجوية السعودية، المدمرة على مدى السنوات السبع الماضية، منعت الحوثيين من النصر في مأرب خلال الأشهر التسعة الماضية، لكن معدل الاستخدام قلل بسرعة من المخزونات السعودية ولن تساعد الولايات المتحدة في تعويضها.

يبدو الآن أنها مسألة وقت فقط قبل أن يستولي الحوثيون على مأرب مع ذوبان المعارضة، إذ إن القوات المحلية المعارضة للحوثيين منقسمة وغير مجهزة ونادراً ما تتقاضى رواتبها. كما غيرت القبائل القوية التي وقفت ضد الحوثيين مواقفها. في غضون ذلك، يتدفق المقاتلون الحوثيون إلى مأرب، على الرغم من الخسائر العالية. لقد قدر الحوثيون، بشكل صحيح، مكاسب ساحة المعركة أكثر مما تقدمه لهم طاولة المفاوضات.

ألم يكن كل ذلك واضحا لفريق بايدن، بالإضافة إلى السياق التاريخي؟! حيث إن آخر مرة تفاوض فيها الحوثيون بحسن نية كانت عندما كانوا تحت ضغط عسكري، في مواجهة الخسارة الوشيكة لمدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر، المربحة (من خلالها تدفق غالبية السلع التجارية اليمنية). حينها وافق الحوثيون على مفاوضات لوقف هذا الهجوم، ثم استخدموا الوقت الذي اشتروه لتعزيز مواقعهم، مما جعل الهجوم على الحديدة مسعى عسكريا أكثر تكلفة.

لم يتضح بعد ما إذا كان الحوثيون سيفضلون التفاوض بعد مأرب. في غضون ذلك تحولت إدارة بايدن إلى التذمر من أنها "سئمت" من رفض الحوثيين الانخراط في العمليات الدبلوماسية حتى في الوقت الذي مهدت فيه الضغوط الأمريكية على شركاء الخليج الطريق عسكريا للحوثيين.

إن السعي للحصول على مساعدة طهران لإحضار الحوثيين إلى طاولة المفاوضات على هامش المحادثات النووية أمر غير مجدٍ. وستكون نتيجة "الدبلوماسية أولاً" الآن تعزيز قوة الحوثيين - أي إيران - في اليمن، مما يهدد السعودية والإمارات والممرات الملاحية الدولية الرئيسة في البحر الأحمر وخليج عمان وحتى إسرائيل.

واخيرا يمكن القول إن إدارة بايدن، سمحت للإمبراطورية الإيرانية بالنمو، مع وضع خسائر مستقبلية للولايات المتحدة وحلفائها مسألة حقيقية.