الاقتصاد والسياسة.. كشف حساب بايدن في أول سنة رئاسية

عرض الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مؤتمر صحفي، الأربعاء، في مستهل عامه الثاني في الرئاسة الإنجازات التي حققتها إدارته خلال السنة الأولى.

وهيمن على خطابه عدة موضوعات، من أبرزها جائحة كورونا والتضخم والمواجهة مع روسيا بشأن أوكرانيا وإيران وغيرها من الموضوعات التي تهم الأميركيين.

ويأتي خطاب بايدن وسط مخاطر سياسية يواجهها وحزبه قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بعد أن فشل في تمرير مشاريع قوانين، بينما تواجه البلاد أزمة تضخم كبيرة وحشدا روسيا كبيرا على حدود أوكرانيا.

وقال بايدن  إن "العام الأول من رئاستي كان مليئا بالتحديات، ولكن هناك إنجازات كبيرة تحققت".

وأضاف "نواجه تحديات داخلية كبيرة لم نشهدها من قبل"، لكن "سنواصل العمل على المسار الذي وضعناه".

وتباينت آراء خبراء ومحليين، كتبوا في صحف أميركية، وآخرين تحدث معهم موقع "الحرة" بشأن رئاسة بايدن في العام الأول.

ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن الاقتصاد الأميركي يتعافى تدريجيا من صدمة كوفيد-19 الأولى مع انخفاض البطالة إلى 3.9 في المئة بعدما كانت نسبتها 6.4 في المئة قبل عام، بينما يستمر الاقتصاد في الانتعاش، وتتراجع حدة المتحور "أوميكرون" وتزداد نسبة التطعيم.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، في تصريحات صحفية إن عدد البالغين الذين تلقوا اللقاح بالكامل ارتفع إلى 74 في المئة.

ورغم ذلك، أظهر تحليل سابق لوكالة أسيوشيتد برس أن الولايات المتحدة حلت في مرحلة متأخرة نسبيا بعد بعض البلدان فيما يخص معدلات التطعيم.

وقالت ساكي إن الرسوم البيانية "توضح تباينا صارخا بين المكان الذي بدأنا فيه وأين نحنا الآن" مضيفة "هدفنا هو طريقة البناء على ذلك الأساس". 

وقال البيت الأبيض في "صحيفة حقائق" سابقة إن الاقتصاد نما في السنة الأولى "بشكل أكبر من أي إدارة أخرى في الخمسين عاما الماضية"، مشيرا إلى تركيز الرئيس على إعادة فتح الاقتصاد وخفض أسعار السلع والبنزين للأميركيين.

وقال بايدن في كلمته إن "جائحة كورونا تسببت في الكثير من التداعيات السلبية على الاقتصاد بما في ذلك ارتفاع الأسعار".

وأوضح بايدن أنه "قدم خطة من أجل دعم الاقتصاد في البلاد"، حيث "يسعى لتقليص العجز في الاقتصاد الأميركي".

ونجحت إدارة بايدن في تمرير حزمة إنفاق ضخمة على البنية التحتية بمبلغ تريليون دولار أقرت من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ورغم أن الرئيس طلب مبلغ 2.3 تريليون دولار في البداية، اضطر للتراجع من أجل الوصول إلى اتفاق، كما تم التراجع عن مبلغ 1.8 تريليون دولار طلبته الإدارة لمجموعة من المبادرات الاجتماعية والمناخية.

وأمام هذا النمو، ارتفع التضخم في البلاد إلى نحو 7 في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ ما يقرب من 40 عاما، ما أدى إلى انخفاض شعبية بايدن لدى عدد كبير من الأميركيين.

وقال بعض الاقتصاديين البارزين إن ارتفاع الأسعار كان علامة على أن حزمة الإغاثة التي طلبها بايدن كانت كبيرة للغاية.

وقالت صحيفة فاينانشال تايمز: "بدأ بايدن رئاسته بدعم شعبي واسع، لكن شعبيته بدأت في التراجع خلال الصيف وسط انسحاب فوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان... وفي الآونة الأخيرة، كافح البيت الأبيض من أجل الاقتصاد، مع ارتفاع أسعار البنزين والتضخم القياسي".

ويقول الخبير االاقتصادي الأميركي، غريغوري أفتانديليان، اعتبر في حديث مع موقع "الحرة" أنه لا يمكن إلقاء اللائمة على بايدن في مشكلة التضخم، لأنها "خارج إرادته".

ويشير إلى أن مشكلة تعطل شبكة الإمدادات وتقلص إمدادات النفط أثرت على التضخم، وبالتالي على شعبية بايدن، بالإضافة إلى ظهور "أوميكرون" في نوفمبر الماضي الذي أدى أيضا إلى تباطؤ قطاع التجزئة والمطاعم.

ويشير أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أن 40 في المئة من الأميركيين يؤيدون بايدن، بينما عارضه 56 في المئة. 

ويقول المحلل إن الإنفاق الكبير على المساعدات، رغم أن التضخم كان أحد أثاره الجانبية، فقد عزز قوة الاقتصاد وكان إجراء ضروريا.

السياسة الخارجية

يقول ستيفن ليفينغستون في واشنطن بوست إن إدارة بادين عادت إلى "الحالة الطبيعية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتخلص بايدن من نزعة ترامب القومية "أميركا أولا" لصالح إعادة بناء العلاقات مع الحلفاء وتعزيز المؤسسات الدولية، وتمكن من "إصلاح الضرر" الذي لحق بالاتفاق النووي الإيراني، وحاول ترويض نفوذ الصين الدولي الآخذ في الاتساع.

واستخدمت واشنطن الحوار الأمني الرباعي الذي يضم أستراليا والهند واليابان كمحرك للأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك في دول الاتحاد السوفييتي السابقة لتعزيز أمن الجناح الشرقي لحلف الناتو إذا غزت روسيا أوكرانيا مرة أخرى.

وتقول فورين بوليسي إن إدارة بايدن تفاخرت بالانسحاب من أفغانستان وتخلصت من سياسة تغيير النظام التي انتهجتها الإدارات السابقة. وقال مسؤول كبير في الإدارة للموقع إن ثلاث إدارات متتالية حددت "أهدافا عظيمة للغاية" في العراق وفي أفغانستان ولم تنجح.

قال بايدن في كلمته إنه " لم يكن هناك سبيل لخروج سهل من أفغانستان بعد 20 عاما من الوجود".

وأضاف "لو بقينا في أفغانستان لكان يتعين علينا نشر 20 إلى 50 ألف جندي آخر هناك".

ويأمل المسؤولون الأميركيون في أن تساعد قنوات الاتصال الجديدة بين السعودية وإيران في "تقليل مخاطر سوء التقدير في الشرق الأوسط"، ويقولون إن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران هدأت على مدار الشهور الماضية.

لكن في المقابل، يرى جمهوريون بارزون ومعارضون للرئيس بايدن أن إدارته أخفقت بشدة على صعيد السياسة الخارجية.

صحيفة فاينانشال تايمز أشارت إلى أن "الانسحاب فوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان  اختبر التحالفات الأميركية في الخارج وألقى بظلال من الشك في أعين العديد من الأميركيين".

وقال فريدريك فليتز، مدير "مركز السياسة الأمنية"، والمدير السابق لمركز الأمن القومي خلال إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب لموقع "الحرة": "لقد كانت سنة سيئة للإدارة على مستوى السياسة الخارجية: لا قرارات حاسمة ولا سياسة خارجية  متماسكة، وهو ما ظهر في أفغانستان وأظهر إلى العديد من الدول، بما في ذلك خصوم أميركا، مدى عدم كفاءة الإدارة الحالية".

وأضاف لموقع "الحرة" أن "ما حدث في أفغانستان وغيرها من أخطاء السياسة الخارجية لبايدن شجع أعداء أميركا وجعل الصين أكثر عدوانية في تهديداتها تجاه تايوان، ودفع الإيرانيين إلى التعنت في مفاوضات الاتفاق النووي، وشجع فلاديمير بوتين على حشد القوات على الحدود الأوكرانية".

ولا يعتقد فليتز أن بوتين سيغزو أوكرانيا لكنه يرى أن هناك "فرصة لانتزاع بعض التنازلات الرئيسية من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي".

في حين رجح بايدن أن يقدم بوتين على غزو أوكرانيا، وقال "أعتقد أنه سيتحرك"، مشيرا إلى أن أي "توغل طفيف" من شأنه أن يثير استجابة أقل من غزو واسع النطاق للبلاد.

ويرى  فليتز  أن سياسة التهديدات و"الخطوط الحمراء" لا تجدي نفعا مع الرئيس الروسي، بل تضعف موقف الولايات المتحدة وقد "فشل" الرئيس السابق، بارك أوباما، في هذه السياسية في عام 2014 بشأن أوكرانيا.

وكان بايدن قد أشار في كلمته إلى أن بوتين "يرغب في امتحان الولايات المتحدة والحلف الأطلسي ولكنه سيدفع ثمنا باهظا"، متعقد أن "الرئيس الروسي سيتحرك"، في إشارة إلى احتمال إقدامه على غزو أوكرانيا.

وأضاف قوله "سنجعل روسيا تدفع ثمنا باهظا في حال غزت أوكرانيا".

وأكد بايدن أنه بحث "مع قادة الناتو مساءلة روسيا في حال أقدمت على غزو أوكرانيا".

وأشار بايدن إلى أن "روسيا ستتكبد خسائر بشرية كبيرة في حال غزت أوكرانيا بسبب الدعم العسكري الذي قدمناه لكييف". وأن روسيا "ستتعرض لتداعيات هائلة في حال غزو أوكرانيا، ومصارفها لن تتمكن من التعامل بالدولار الأميركي".

وبينما يرى فليتز أن إدارة بايدن شجعت الإيرانيين على تعزيز مكاسبهم في المفاوضات النووية، تأمل باربرا سالفين، مديرة "مبادرة مستقبل إيران" في "المركز الأطلسي" بواشنطن في تصريح لموقع "الحرة" أن تتمخض الأسابيع المقبلة عن اتفاق، ولو مؤقت.

وأكد بايدن أن هناك "تقدما في محادثات إحياء الاتفاق النووي"، وأن "مجموعة دول 5+1 على الموقف نفسه من المحادثات حول الملف النووي الإيراني".

وترفض سالفين مسار فرض العقوبات والتهديد بالقوة، وهو ما نادى به عدد من الجمهوريين، وتقول: " الدبلوماسية هي الطريق الوحيد. رأينا من قبل أن العقوبات لم تنفع بل جعلت الأمور أكثر سوءا. الهجمات الإسرائيلية لم تنفع بل جعلت إيران أكثر عدوانية".

وتشير إلى أنه رغم أن إدارة بايدن لم تنجح في مساعيها في العودة الكاملة للاتفاق المبرم عام 2015، إلا أنه قد يتم التوصل إلى اتفاق يجعل إيران "تبطئ أو حتى تجمد أو تعكس إجراءاتها النووية مقابل تخفيف العقوبات".

وتقول: "من المؤسف أن الولايات المتحدة لم تتمكن من العودة إلى الاتفاق النووي. الأمور تسير ببطء وهذا أمر يبعث على القلق لكني لا أفقد الأمل" .

وتشير إلى أنه لم تسمع أخبار منذ نحو أسبوعين عن المفاوضات، وهذه "إشارة جيدة أنه على أنه يتم بذل جهود قوية لإنهاء الجمود الحالي".

وكان بايدن قد أشار بايدن إلى أن "الوقت لم يحن بعد للتخلي" عن محادثات النووي الإيراني.

مخاطر سياسية

وتقول فرانس برس إنه مع خطاب بايدن، الأربعاء، وكذلك خطاب "حال الاتحاد" المتوقع أمام الكونغرس في الأول من مارس، "لم يبق أمام الرئيس الأميركي إلا القليل من الوقت لتغيير الجو العام قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، التي يتوقع أن يتفوق فيها الجمهوريون على حزبه وبالتالي يسيطرون على الكونغرس.

وذلك تنطوي عليه مخاطر تعطيل الكونغرس لمدة عامين، على الأرجح بسبب تهديدات بالمساءلة وعدد كبير من تحقيقات لجان معارضة، مع العلم أن الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يواصل تأكيد فوزه على بايدن في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في العام 2020، يسعى لدخول البيت الأبيض مجددا في انتخابات 2024.

ويخشى الديمقراطيون من أن معدلات التأييد المنخفضة لبايدن يمكن أن تسبب كارثة لحزبهم هذا العام، عندما تكون السيطرة على كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ في متناول الجمهوريين.

وكان بايدن قد وجه في كلمته انتقادات للجمهوريين، قائلا إنه " لم نكن نتوقع حجم الاعتراض الذي واجهناه من قبل الجمهوريين" في الكونغرس.

وأكد أنه " لا يمكن أن تكون لدينا ديمقراطية مستدامة ما لم يتم التوافق بعيدا عن الحزبية".