انتفاضة 2 ديسمبر فصل من فصول معركة جمهورية 26 سبتمبر

المهندس/ حسين بن سعد العبيدي
 
 
انتفاضة الثاني من ديسمبر عام 2017 م، التي فجر شرارتها وقادها الزعيم القائد الشهيد علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام، وتعد المعركة الوحيدة التي جاءت من وسط العاصمة صنعاء وليست معلنة من دولة خارجية ، ضد الكهنوت الأمامي المستبد والمتمثل بجماعة الحوثي ذراع إيران في جنوب الجزيرة العربية ،وكأحد اطراف تيارات العنف للإسلام السياسي التي استغلت ظروف اسقاط النظام الجمهوري، خلال احداث نكسة الربيع العربي و التي أصابت الجمهورية والدولة اليمنية في مقتل، و التي أدت إلى سيطرت قوى الإسلام السياسي المتشددة على مقاليد الحكم باليمن. 
 
 
 
  كان الرئيس علي عبد الله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام مضطر لكي يتكيف مع الوضع الجديد، والذي تشكل بعد انخراط اطراف الربيع العربي في تدمير واقع الدولة ،واعادة صياغة المؤسسات وفق نظرة ايدلوجية سياسية وكان أخطر توجهات الاطراف المعادية، هو تدمير الجيش واضعافه وجعله أكثر تفككا في مواجهة زحف الحوثيين وانقلابهم، والذين تحركوا بإريحية وبمباركة الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي وحكومته في تلك الفترة ، الذي ظل مهيئا كل الامكانيات لخدمة مشروع الحوثيين. 
 
 
 
  حذر الرئيس السابق علي عبدالله صالح وكعادته في الكثير من المناسبات والخطابات من خطر الإمامة على اليمن واليمنيين وحكمها الظالم وكيف كان حال الشعب اليمني قبل ثورة 26 سبتمبر عام 1962م ، وحذر الرئيس علي عبد الله من خطر الإمامة وتربصها بالثورة اليمنية ،وحقدها على الثوار والمجتمع اليمني بكافة شرائحها ، ولكن القوى المعارضة لنظام الرئيس صالح دأبت مراراً على الإستخفاف من تلك التحذيرات والمخاطر التي كان يطلقها الرئيس صالح ،ووصل الحال ببعض تلك القوى المعارضة له بالثناء على عهد الإمامة وان صالح كان فقط يخوف اليمنيين لكي يبقى في السلطة فترة اكثر، وانه لا مجال هناك لعودة القوى الامامية الرجعية ، حتى وصل الحال ببعض القوى اليمنية الحاقدة أن تصف العهد الإمامي بانه أفضل من عهد الثورة والجمهورية عنادًا و من باب المناكفة السياسية والحماقة. 
 
 
 
  كان اليمن الشمالي عندما أستلم الزعيم علي عبدالله صالح مقاليد الحكم بشكل ديمقراطي، في عام 1978 يمر بظروف أمنيه وسياسية بالغة التعقيد وكان هناك انقساماً وفرز طائفي ومناطقي، في الدوائر الحكومية والأمنية باليمن نتج عن سنوات حرب الملكيين والجمهوريين، بعد ثورة 26 سبتمبر والتي استمرت لعشر سنوات والإتفاقيات التي تلت تلك المرحلة ،وتمت برعاية سعودية ومصرية لدمج القوى الرجعية والملكية في الحكم مع الجمهوريين تحت عباءة الجمهورية، وكان أمام الرئيس صالح ركاماً وأعباء كبيرة يجب عليه أن يحلحلها ويتجاوزها ، وهذا ما حدث بالفعل فقد قام الرئيس صالح بتطبيق سياسة الإحتواء لكل القوى السياسية والقبلية والقروية، التي تم إقصاءها واشراكها من الحكم والمؤسسات والجيش وأنهى الفوارق الطبقية التي كانت سائدة في تلك الفترة ، وبالرغم مما كانت تمر به اليمن من مصاعب ، فقد أسس لمرحلة جديدة من التوافق والتنمية الشاملة والشروع في تحقيق وتنفيذ أهداف ثورة 26 سبتمبر ، ولملمة شتات اليمنيين واحداث تنمية كبيرة وسريعه حتى تحقيق وحدة اليمن في 22 مايو 1990م.  
 
 
 
و بحكمة القائد العسكري الشجاع والسياسي المتمرس أستطاع الزعيم صالح أن يحافظ على وحدة وسيادة اليمن ، فقد تجاوز عدة مؤامرات وكان من أخطر تلك المؤامرات حرب انفصال اليمن في صيف 1994 واستطاع ان يلف الحبل على عنق قوى إقليمية ودولية، وأحبط مخططها الشرير في فصل اليمن، وانتصر باليمن واستطاع بدهاءه السياسي المناور على فرض واقع جديد أمام الإقليم، بان اليمن الكبرى من البحر الاحمر الي البحر العربي خياراً استراتيجيا وواقعاً على الجميع قبوله واحترامه، وأن لا أحد يستطيع أن يتجاوز اليمن كدولة ذات سيادة واستقلال. 
 
 
 
  وعندما أتى مشروع الربيع التأمري على اليمن في عام 2011م ، كان الزعيم صالح يدرك تمامًا حجم وأبعاد ذلك المشروع القادم لهدم مقدرات العرب وتفتيت دولهم وتدمير جيوشهم ، وكان أشجع القادة العرب في خضم تلك الفترة وخلال احتجاجات الربيع العربي حذر المعارضة من ركب تلك الموجه التأمريه على الوطن، عندما صرح بها في محاضرة امام طلاب جامعة صنعاء وقد أفصح ان هذه الاحتجاجات تدار من غرفه مشتركة بين تل ابيب الإسرائيلية وواشنطن وعبر دولة خليجية،وأن هذه الفوضى مدعومه من قبل دول عربية حاقدة على الانظمة الجمهورية المعادية للكيان الصهيوني والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، والرافضة لمبادرات السلام وصفقة القرن المشؤمه التي كان يخطط لها اللوبي الصهيوني وبدعم في أوساط الإدارة الامريكية.  
 
 
 
حاولت قوى دولية وأخرى محلية عندما كان الربيع العربي الفوضوي يتوسع لجرّ اليمن الي مربع الإحتراب الداخلي الذي كان يدرك الزعيم الصالح ان هناك متربصين بالجمهورية والوحدة ، فأصر إلا ان يسلم السلطة بشكل سلمي وديمقراطي وعبر صناديق الانتخابات وانتقلت السلطة سلميًا الى نائبه عبدربه منصور هادي ، وبقى الزعيم الشهيد صالح شوكة الميزان حتى وهو خارج السلطة وهو يقود حزب المؤتمر الشعبي العام ويعد الحزب لمرحلة قادمه، وبعد سيطرت قوى الاسلام السياسي على مقاليد السلطة باليمن وبدعم من الدول الخليجية ، حاولت المملكة العربية السعودية إغراء الزعيم بالدخول في الحرب في صف الرئيس هادي وحزب الإصلاح الذي كان مسيطراً على هادي وحكومته من جهة ،ومواجهة الحوثيين وهم لا زالوا في دماج ومران بصعده إلا ان الزعيم كان صريحاً وأتخذ موقفاً وطنياً سيذكر له في التاريخ برفضه الدخول أو المشاركة في حرب بين تلك القوى اليمنية، وقال أن على الحكومة وجيشها مسؤولية الدفاع عن الوطن والجمهورية ومكتسباتها ، وان تنظيم المؤتمر الشعبي العام ليس مكون مليشياوي وليس له أجنحة عسكرية للدخول مع أي طرف في الحرب ودعا الجميع الى الحوار ، ولإدراكه لحجم المؤامرة على اليمن وان هذه الصراعات التي يرعاها الخارج والاقليم ستودي لتفتيت اليمن ورفضها ،وأمام هذه المواقف الوطنية الصلبة من الزعيم مع الوطن وسيادته تم فرض عقوبات دوليه كيدية ضده وتجميد أرصدة المؤتمر ومحاولات تقسيم المؤتمر والتي لا زالت جارية ولكنها فشلت.
 
 
 
   اتجهت البلد للصراع ووجدت القوى المحسوبة على ربيع فبراير نفسها محاطة بالهزيمة ، بينما لا يزال اليمن أرضا وإنسانا واقفا على قدميه، قامت تلك القوى المأجورة للخارج إلى دعم المليشيا الحوثية بشكل مباشر وغير مباشر ،وقدمت اليمن على طبق من ذهب لها ولإيران وقطر ، بينما لجأ الزعيم صالح إلى الشعب وقال مقولته الشهيرة وعبر أول خطاب له عند بدء عاصفة الحزم والحرب على اليمن مخاطباً السعودية ودول الخليج العربي لإنه يعرف أجندتها الخفية من تلك الحرب وكان واثقاً وصلباً من مما يقوله، ونصح السعودية “بعدم الرهان على الجواد الخاسر ” وكان يقصد بذلك قوى الاسلام السياسي المتصارعة ،والتي تعتبر أدوات للسعودية باليمن منذ الستينات في القرن الماضي وأيام ثورة 26 سبتمبر ، فالزعيم صالح لم يقبل أن يكون خادماً لسوى الشعب اليمني وثورة 26 سبتمبر و 14 اكتوبر الخالدتين ، و جسد تلك القيم والمبادئ طول فترة حكمة الذهبية لليمن و قال ذلك مراراً وبعدِّة خطابات له للشعب. 
 
 
 
  ظل الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، الأمل الوحيد لمعظم اليمنيين حتى وهو خارج السلطة لإنه يحمل مشروعاَ لإنقاذ اليمن من جحيم الحرب التي فرضها الخارج وتأمر فيها الداخل، فقبل أن يكون رئيساً لأكبر حزب في الساحة “المؤتمر الشعبي العام”، كان هو الشخصية السياسية والقيادية الفذة و الأكثر قدرة ودهاء على إدارة الأزمات والحروب، وإنقاذ الشعب اليمني من خطر المخططات التي ترسم وتعد لليمن ، فقد نجح نجاحاً مبهراً طيلة سنوات حكمه للبلاد في إخماد العديد من بؤر الصراع ، على الصعيدين المحلي والدولي، بل أنه يدرك في كل الظروف النتائج ولديه قدره في إدارة الملفات السياسية الدولية مع الأشقاء والأصدقاء، دون ضرر أو اضرار، وأنتصر للشعب وللوطن اليمني وسيادته واستقلاله الكامل وغير المنقوص.  
 
 
 
اختار الزعيم صالح بعد تسليمه السلطه أن يبقى بين شعبه الذي أفنى حياته خادمًا له جنديًا مقاتلًا ورئيسًا شجاعًا وفي كنف الوطن الذي قاتل ودافع من أجله ، وكان قادراً على ترك اليمن ولكنه أثر إلا ان يكمل مسيرته العسكرية التي بداءه جندياً في صفوف ثورة 26 سبتمبر ، فكان صوته لا يغيب عن مسامع شعبه وكان دائم الظهور والتواصل مع الشعب، وحضوره كان حضوراً قوياً ، وحتى مع تمادي صلف المليشيا الحوثية طيلة سنوات الحرب الأولى واستحواذها على كل شيء وعدم تقديم خدمات للمواطنين ،إلا انه لم يصمت و كان لا بد للزعيم صالح أن يجدد نصحه لتلك المليشيا كي تعود إلى صوابها، كما كان ينصح ويخاطب قيادات وقواعد حزبه وحلفائهم ومناصريه بمزيد من الصبر جراء ما يتعرضون له من اجتثاث وحرب داخليه وخارجية.
 
 
 
   سياسة النفس الطويل التي كان يتمتع بها الزعيم صالح نجحت بتقديم حقيقة تلك العصابات الكهنوتية والارهابية، التي لا تعترف إلا بادعائها الحق الإلهي في الحكم والثروة ، وغالباً ما أكد الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح لمناصريه وللخارج بأنه وحزبه المؤتمر الشعبي العام مردداً مقولته “لسنا متحالفين لكننا وجدنا أنفسنا في خندق من دون تحالف” ، فذلك موقف كان مجسداً مفاهيم وقيم الولاء للنظام الجمهوري السبتمبري دون سواه، والحفاظ على أهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر العظيمتين، والتي تعتبر انتفاضة 2 ديسمبر 2017 فصل من فصول الثورة اليمنية الخالدة ومعركة استثنائية ، وانتصارا لدماء ثوارهما وتضحيات أبناء الشعب طيلة عقود من الزمن من الكفاح والنضال.
 
 
 
   و بمجرد إن دعا الزعيم صالح الشعب اليمني في 2 ديسمبر عبر خطاب متلفز إلى الانتفاضة الشعبية ضد الكهنوت الحوثي، وتصدر هو شخصياً وواجه ذلك المشهد الثوري وحمل بندقيته بيده، متمنياً الشهادة في سبيل الله والوطن التي كان دائماً يقول أنه كان يبحث عنها منذ فجر ثورة 26 سبتمبر ، رافضاً اي مساومة مع المليشيا الحوثية او الاستسلام أو التخلي عن الجمهورية ومبادئها وأهدافها وعن وحدة اليمن، الذي كانت تمثل أقدس شيء اليه يعتبر لديه رافضًا اي تصالح او مصالح شخصية ودنيوية، وهبت ملايين اليمنيين معه حتى تنفسوا الصعداء في قلب العاصمة صنعاء وبدأت تتهاوى المليشيا في عدد من محافظات الجمهورية بسرعة كبيرة.
 
 
 
   استطاع الزعيم صالح بقيادته انتفاضة 2 ديسمبر أن يقلب الطاولة على المليشيا الحوثية ،وأن يشعل ثورة ضدها من عقر دارها حتى أنه هدم معبد طغيانها فوق رؤوس قياداتها التي أختفت فجأة وفرت من العاصمه صنعاء، لتؤمن نفسها كما أن الزعيم صالح يعد طوق النجاة الوحيد لهذا الشعب ولم يخذله ، فقد ألتف الناس حوله لثقتهم به بعد أن فقدوا ثقتهم برئيس الدولة وكبار قياداتها العسكريين ،وقادة الأحزاب السياسية المعارضة بعد تخليهم عن اليمن والشعب وفرارهم إلى خارج البلاد، وتركهم الشعب يواجه مصيره وحيدًا. 
 
 
 
  أدرك الرئيس صالح جيداً أن التفاف الملايين حوله هو نابع عن ثقتهم بقيادته وحكمته في إنقاذ هذا البلد، حتى وأن كلَّفه ذلك التضحية بنفسه وبما يملك في سبيله والوطن ، فالزعيم صالح لم يساوم بالرغم مما قدمته المليشيا ودول خارجية من عروض مقابل تخليه عن شعبه، لإيمانه بان تقديمه أي تنازلات ستنعكس سلباً على شعب سلَّمة دفة قيادة مركب البلاد، وستزرع في نفوسهم المساومات، وهو ما لم يقبله لنفسه وشعبه، ليختار الدفاع عن الجمهورية والشعب متوجاً مسيرته النضالية بالشهادة في منزله امام جبروت وعنف تلك المليشيا وخذلان وفرار الاقرباء والاصدقاء من حوله.
 
 
 
   تبقى رواية اقتحام منزل الزعيم صالح واستخدام كافة الاسلحة وخطابه الاخير وكذلك إستخدام دبابة شبيهة بدبابة “مارد الثورة السبتمبرية الخالدة” ، لهدم منزل الزعيم صالح بالكامل ينم عن حقد دفين من فلول الأماميين الجدد كون صالح كان اخر واهم رموز الثورة اليمنية ، لان بقاء صالح حياً كان يؤرق تلك المليشيا والقوى الدولية الداعمة للحوثيين ، حتى ان الحوثيين أستخدموا كل الاسلحة الثقيلة بشكل هستيري على منزل صالح، ويندفعون بكل قوة في تسابق مع الزمن لانهاء وجوده ،لانهم كانوا يعلمون أن الاستمرار في هذه الانتفاضة ستقضي عليهم وان اطالة واقع الاشتباكات سيخلق انتفاضة كبرى عليهم، وهناك دول اقليمية وأمريكا ذاتها كانت لاترغب في انتصار صالح لإن ذلك يعني نهاية الحرب في اليمن، ونهاية طرف الحوثي الذي شجعه ودعمة الاقليم والغرب لإستلاب كرامة ودولة اليمنيين وتهديد الإقليم به وحليفه إيران، فانتصار صالح يعني البدء بحوار يمني وإصلاح سياسي وهذا ما لا يريده الكثير ومنهم الإخوان المسلمين الذين كانوا على تحالف مع الحوثيين لانهاء حياة صالح .  
 
كانت الوصايا العشر التي أوردها الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح في أخر لحظاته وقبل استشهاده بساعات ، تركز على الدفاع عن الحرية والجمهورية وأن لا يقبلوا الأوامر الحوثية التي لاتمثل تطلعات ومستقبل اليمنيين ،وكذلك التمسك بالمؤسسة العسكرية وقال “انتفضوا للثورة والوحدة و حافظوا على الأمن والاستقرار واختاروا قيادة جديدة ،واستمروا في الصمود والتصافح والتسامح وكذلك فإن السلطة ملك الشعب و لا ترضخوا للتعسف الحوثي”   رحل الزعيم صالح والمؤتمر الشعبي العام اليوم والسلطة في اليمن بشكل عام تعاني من فراغ و عدم إيجاد شخصية قوية قادرة على اتخاذ القرارات وإخراج اليمن من ازمته، فالمؤتمر يعاني من أزمات معقدة وانشقاقات وعدم وجود قائد للمؤتمر اليوم يكون بحجم ذلك القائد الجامع لقواعد وكوادر المؤتمر ، وتنصل الجميع عن وصايا الزعيم وتنكروا لتاريخ صالح وتاريخ اليمن في عهده وتاريخ المؤتمر وخالفوا اطر الميثاق الوطني ولوائح وأنظمة المؤتمر من اجل مصالح شخصية ، الرحمة والمغفرة والخلود للزعيم صالح وللأمين العام عارف الزوكا وكل شهداء 2 ديسمبر وشهداء اليمن. 
 
 
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.