تاريخ الرئيس الصالح وتراثه

تربع الرئيس الشهيد/ علي عبدالله صالح على رأس منظومة الحكم في اليمن لمدة تربو على ثلاثة عقود تخلّلها الكثير من الأحداث الجسيمة والتحدّيات الكبيرة والمشكلات التي لا تكاد تنتهي إلا لتظهر مجدداً في بلد سِمته الاضطراب الدائم، وتندر فيه فترات الرخاء والاستقرار.

ولم تكن فترة حكم الرئيس الصالح استثناءً عن هذا الوضع غير المستقر لليمن منذُ لحظة استلامه للحكم حتى مغادرته بطريقة ديمقراطية سلسة وآمنة.. استمر عطاؤه خلالها حتى قضى شهيداً مجيداً منتصراً للوطن، وجملة القيم والثوابت الوطنية التى آمن بها ودفع حياته دفاعاً عنها.

ولكنه مع هذا ترك بصمةً في التاريخ اليمني لن تُمحى، وستظل محفورة على جدار الزمن، تُحدِّث عن أنموذج لقائد وطني نقش اسمه على صخور اليمن في جبالها وسهولها.

ولقد ترجم خلال مسيرة حكمه مقولة أن (الربان الماهر يكشفه البحر الهائج)، فأثبت مهارته بامتياز قلَّ مثيله.

ترك علي عبدالله صالح تاريخاً وإرثاً ومنجزاتٍ عجز مَنْ قبله عن تحقيق حتى ولو جزء يسير منها، وعجز من بعده كذلك.

يستغرب البعض أن تكون محاولات تخريب منجزاته، وتشويه صورته، وشيطنة تاريخه، هي الهمّ والهدف الأول والمعركة المصيرية لخصومه، وشغلهم الشاغل التي يتوقف مصيرهم على حسمها، وحتمية الانتصار فيها وفي مقدمتهم العصابة الحوثية الكهنوتية.

وقد يقول مراقب حصيف، إنّ لهم الحقَ في ذلك، فاستخدام ثلاثية: الخرافة الدينية، والقوة، والمال، قد هيأ لهم الانتصار في معظم معاركهم التي خاضوها يمكنهم بها حسم أية معركة قادمة مع الخصوم.

فقط معركة واحدة تقض مضاجعهم وتهدّد حاضرهم ومستقبلهم، ويرون أنها تنصب لهم المحاكم والمشانق، في كل لحظة وفي كل شبر على امتداد اليمن وفي مختلف مجالات الحياة وأينما يمّموا وجوههم.

قد يستغرب البعض ويتساءل عن ماهية ونوع هذه المعركة التي يستعصي عليهم حسمها، بما حازوه من عناصر القوة، خاصة وأنهم قد انتقلوا بمعاركهم مؤخراً من البر إلى البحر والجو، ومن المحلية إلى المستويين الإقليمي والدولي ومقارعة القوى العظمى. كما يزعمون.

وللإجابة؛ فإنها المعركة الأصعب في مسيرتهم وتاريخهم، والتي لا يمتلكون أدوات مواجهتها فضلاً عن حسمها، كونها معركة غير مادية، فهي معركة مع نفسياتهم المنهزمة والمريضة، وخيالاتهم المنكسرة، وإنجازاتهم المنعدمة، في مواجهة تاريخ وتراث ومنجزات الرئيس الصالح، رحمه الله، التي تتراءىٰ لهم وتنتصب أمامهم ليلاً ونهاراً (كعصا موسى) تلقف كل ما يأفكون من خزعبلات، وشعارات كاذبة، ومنجزات وهمية، ووعود براقة وخرافات زائفة، وأحلام موعودة، لا تسمن، ولا تغني من جوع.

يدرك الحوثيون وغيرهم من أدعياء الولاية أو الخلافة باسم الدين، أن تركة علي عبدالله صالح من تراث سياسي وأخلاقي واجتماعي، ومنجزات تنموية ماثلة للعيان، في كل شبر من أرض الوطن، وبمختلف المجالات، هي المحكمة المفتوحة لهم، والمشنقة التي تنتصب أمام أعينهم لتصلبهم، وتفضح أكاذيبهم وتكشف عجزهم وفسادهم.

يدركون تماماً أن الأمر لن يستقيم لهم بوجود هذا الإرث العظيم، فكل صغيرة وكبيرة من زمن الصالح ومواقفه وأقواله وأفعاله، تفضح زيفهم قولاً وعملاً، وتنصب لهم المحاكم والمشانق.

فالديمقراطية تحاكمهم، والوحدة تحاكمهم، والتداول السلمي للسلطة يحاكمهم، وإشاعة الحريات تحاكمهم، والتعايش بين الجميع يحاكمهم، وسيادة الدستور والقانون، والاستقرار المعيشي جميعها تحاكمهم، والتعددية السياسية، والتسامح مع المجتمع والخصوم تؤرق مضاجعهم، والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص ينسف أحلام التسيد والعلو والتمييز والاستئثار لديهم.

فكيف لا يكون الشهيد الصالح ومنجزاته وتراثه هو العدو الأول لهم ومعركتهم المصيرية.

أما المنجزات التي تركها الشهيد الصالح على الأرض فإنها بالنسبة لهم سمٌّ زعاف، وداء لا شفاء منه لديهم.

فكوابيس الطرق والجسور، والجامعات والمعاهد والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والكهرباء ومشاريع المياه والسدود، والمطارات والاتصالات والعمران والأمن والاستقرار.... إلى ما لا يمكن حصره، بمثابة خصوم، وسهام مصوبة على جسد المشاريع الظلامية، وكوابيس تنغص أحلامهم، وتسرق النوم من مقلهم، ولا شفاء منها.

فكيف لا، وهذه المنجزات والمشاريع، بمثابة حواجز منيعة في طريقهم، ومرئاة تعكس خداعهم وزيفهم، وتجعلهم بين نارين: فإن دمروها فضحت للناس حقدهم على مقدرات الوطن وكارثيتهم وذكَّرت الناس به وترحموا عليه. وإن تركوها وحافظوا عليها، عجزوا عن القيام بمثلها، وذكَّرتهم وذكَّرت المجتمع بمنجزات زعيم عظيم من أبناء الوطن.

كيف لا تصبح منجزات الرجل وعصره هي الخصم الأول لهم وهي تلاحقهم وتنتصب أمام أعينهم في كل مدينة وقرية وعلى امتداد كل طريق في أرض الوطن.

كيف لا يصبح الزعيم الشهيد وتاريخه وسيرته ومنجزاته هو العدو والخصم الأول لهم، وكل ما يقولونه ويعملونه ويقررونه معروض على تاريخ الرجل وإرثه وسيرته، وماذا عمل وماذا قال وماذا قرر مع كل حالة ووضع وحادثة مشابهة هو المحك والمعيار للتفرقة بين الخطأ والصواب.

كيف لا يكون تاريخ الرجل ومنجزاته هو الكابوس الذي يسرق نوم أعينهم، ويبدد أحلامهم، وينسف منجزاتهم وكل منجزاته تتحدث عن الإنفاق بسخاء وتسخير موارد الدولة للتنمية ورفاه المواطن وتحسين أمنه ومعيشته، بينما نهجهم نهج جباية وإيراد وإفقار وجمع أموال، وفلسفتهم أن المواطن مسئول عن إعالة السلطة وزبانيتها.

يدركون تماماً أن بإمكانهم كسر جميع خصومهم بأدواتهم وأسلحتهم التي أثبتت جدواها سابقاً، وما زالت، إلا المعركة مع هذا الرجل الشهيد الحي الذي قضى على أيديهم شهيداً مجيداً، فتاريخه ومنجزاته وكل ما يمت له بصلة سيضعهم في مقارنة على الدوام بين الدولة والعصابة، وبين التنمية الشاملة والتدمير الممنهج.

يدركون تماماً بأن مشكلة تاريخ هذا الرجل وتراثه لم تعد مشكلة تواجههم وتحاصرهم وتحاكمهم في الوقت الراهن كسلطة مغتصبة للحكم في أجزاء من الوطن، بل امتد تأثيرها إلى أسلافهم من الأئمة الذين تعاقبوا على حكم اليمن في فترات مختلفة، على مدى ألف عام، فلو وضعت منجزاتهم على مدى مئات السنين في كفة ميزان، ووضعت منجزات الرجل خلال خمس سنوات فقط من حكمه في الكفة الأخرى، لرجحت كفته عليهم بمراحل يعجزون عن حسابها.

تدرك هذه العصابة والجماعات الأخرى المتلبسة بالدين، أنها في ورطة كبيرة وفي معركة خاسرة وغير مكافئة، مع رجل غير موجود، تنتصر عليهم سيرته ومآثره فقط، وكانت له الغلبة حياً وميتاً، ليس بقوة السلاح ولا جبروت السلطة، ولا سيف الدين المُسْلط على رقاب المخالفين، بل بالمبادئ والقيم والمُثل وحب الوطن والانتصار له، وحبه للناس وحبه لهم.

سيستمرون في معركة مع طواحين الهواء حتى تأتي عليهم، فالأطماع والأحقاد أفقدتهم صوابهم.. لا يدركون أن كل محاولة تشويه للرجل وتاريخه والنيل من منجزاته، بمثابة صقل تمثال لتُبّع يماني كان قد ناله بعض الغبار، وبعث لمشاعر جياشة نحوه كانت قد خَبَت لدى البعض، بفعل القمع والخوف.

متى تدرون أنكم بكل أفعالكم وأقوالكم القبيحة إنما تنفخون الرماد في أعينكم، لتزيدوا تاريخ هذا الرجل وهجاً واتقاداً.

فمع كل محاولة للنيل من تاريخ الرجل ومنجزاته فإنكم تدعون الناس لأن يضعوا مقارنة بين كل الشرور والمساوئ والمصائب التي حلت عليهم بوجودكم، والإرهاب والقمع الذي يلمسه الناس منكم، وبين كل قيم الخير والعدل والاطمئنان والعطاء والرخاء والحرية التي افتقدوها برحيل هذا الفارس الوطني والتُّبع اليماني.

قد يجد البعض مبرراً لكم فيما تقومون به وسعيكم الدؤوب والحثيث للنيل من تاريخ الرجل ومنجزاته وأسرته وحزبه ومناصريه، وكل ما يمت له بصلة.

فكيف لعصابة أو سلطة انقلابية كهنوتية كل فكرها وتراثها ومناسباتها ومرجعياتها مرتبط بالأموات، وأكبر منجزاتها خلال سنوات هي المقابر، وأهم تنمية بشرية قامت بها هي تفريغ المدارس من طلابها وتجنيد آلاف الجهلة المغيبين فكرياً، وأكبر مخرجات لها هي مئات الآلاف من القتلى، وملايين المشردين، ويحيط بها الخراب من كل جانب، فكيف لها أن تتعايش مع تاريخ رجل كله مرتبط بالحياة وما تتطلبه من خدمات وتنمية وعطاء ورفاه وارتقاء في مختلف المجالات؟!

متى يدرك هؤلاء أن الناس تحكم على الأفعال لا على الأقوال والشعارات الجوفاء، وأن الشعوب ذكية كذلك تقارن بين الشعارات ومصداقية العمل المترجم للشعار؟!

نصيحة، انصرفوا إلى تحسين أنفسكم وسلوكياتكم وطريقة تفكيركم، أفضل لكم من تسخير أوقاتكم وجهودكم في تشويه الآخرين، وعبثاً تفعلون.

جربوا، ولو لمرة، أن تقدموا أنفسكم بطريقة قد يجد فيها الآخرون ما يمكن أن يُحترم أو يستفاد منه، بدلاً من أن تحتكروا كل هذا القبح والسوء الذي تقدمه عناصركم وكوادركم وأجهزتكم.

عليكم أن تدركوا قبل فوات الأوان بأنكم بأقوالكم وأفعالكم وسفهائكم قد أسأتم إلى الدين وقيمه، وإلى الرسول وتعاليمه، وإلى القرآن الكريم وهديه، قبل أن تسيئوا للزعيم الصالح ومنجزاته وتاريخه.

لم تنجح أي جماعة ملحدة أو علمانية من قبل في أن تجعل نسبة كبيرة من الشباب ترتد عن الدين، كما فعلتم أنتم من خلال النموذج المشوه الذي قدمتموه، وتحت مسمى المسيرة القرآنية، التي تبتعدون عنها بأفعالكم بُعد المشرق عن المغرب، فهل تعدون هذا أحد أبرز نجاحاتكم!

الحديث يطول وذو شجون، فقد اجتمع كل السوء والشر لينال من كل خير.

تركتم الحاضر والمستقبل وتفرغتم لحسم معارك الماضي فيما يدفع حاضرنا ومستقبل أجيالنا ثمن كل هذا الإجرام والعبث.

الرحمة والخلود للشهيد علي عبدالله صالح الذي سيخلده التاريخ ومآثره في أنصع صفحاته.

والمجد لليمن الجمهوري الحر الموحد.

2 أبريل 2024م