ثلاثة عقود ونيف.. أرقامٌ خالدة وتواريخ لا تُنسى

في جعبة التاريخ أرقام وتواريخ لا تنسى تبدأ مع العام 1978م يوم صعد الشهيد علي عبد الله صالح إلى سدة الحكم توالدت الأحداث حتى جاء 22 / مايو/ 1990م ترسخت فيه الديمقراطية وولادة الدستور في (27 /أبريل/ 1991م) والاستفتاء عليه كأول دستور مُحَكَم للجمهورية اليمنية.

توالت التواريخ عام 93 ثم 97 ثم 99 إلى عام 2001 حتى عام 2003 وأخيرًا 2006م حيث توقف الحلم وبدأ العد التنازلي، غير أن القيمة الفعلية لكل تلك المناسبات هي في فكرة البناء والتنمية وليس الهدم وقطع الطرقات، ورغم كل الأخطاء التي صاحبت ذلك العرس الممتد لعشرين عامًا فلا يعني محوها لمجرد صراع ما، فكل عمل له هفواته.

لم تستطع القوى السياسية الصبر عامًا آخر، حتى لا ينهد المنزل على الرؤوس، وكانت على استعداد لعمل ثورة وان جاءت نتائجها بعد مائة عام طبقًا للثورة الفرنسية، مفارقات مؤلمة أليس كذلك؟!، وقد كُشف لاحقًا أن كل فئة كان لديها رؤية للدولة المدنية، البعض يريدها علمانية وقد تم دهسهم بعجلات صديقة، السلفية الإخوانية تريدها مدنية بمقاس شيوخ الدين وعشاق الخلافة الممزوجة بالبيعة للمرشد، والحوثيون يريدونها بمقاسات الإمامة المتخلفة بكل بؤسها وأجندتها الغريبة، وقد حققوا ذلك.

تفاصيل لم تكن توحي بأي مشروع تنويري سوى السحيق، ومع ذلك هناك من يقول لو عاد بي الزمن لخرجت مليون مرة، وكان الأجدى الانتصار للبلد بتغيير الذات والمحيط قبل كل شيء، والذهاب مع رياح التغيير عبر النهج الديمقراطي حتى لا نفقد أغلى ما نملك: الوطن، أرواح الناس، ودمائهم.

قسمًا لو عاد بي الزمن ما دخلت الساحة حتى زائرًا ولا عابر سبيل، قسما إنني كنت أشم رائحة الفوضى وهي تتصاعد من كل زاوية وركن، وكنت أرى خلف كل شعار روحٌ تسقط، وتحت كل منارة ركام بنيان ينهد، وخلف كل يافطة امرأة تموت وطفل يجوع، وعند كل ثكنة، قنبلة تنفجر ومدينة تُحاصر، وتحت كل عمامة، لغمًا أو عبوة ناسفة تفتك بالعربات والمسافرين.

أين كنا وأين نحن، كفرنا بنعمة الجغرافيا، قللنا من كل منجز، سخِرنا من كل مشروع، فجرنا في الخصومة، حتى رغيف الخبز لم يسلم، تم التلويح بالأحذية، المساجد لم يعد لها حرمة، الأشهر الحرم، صلاة الجمعة، صروح التعليم، الحرم الجامعي، الوقت، القيم، الأخلاق، تطاولنا على بعض، غرف النوم كانت ضمن المعركة، جنود الحرس الجمهوري، الأمن المركزي، الإعلام تحول إلى منبر للتحريض والشتم والتنابز، منابر الجوامع، الصحابة، النبي لم يسلم من الترهات، المؤسسات الحكومية، المعدات، أبراج الكهرباء، أنابيب النفط، الإذاعة، التلفزيون، أعمدة الانارة، الكابلات الأرضية، مخازن كهرباء الريف، مطابع مؤسسة الجمهورية للصحافة والنشر، منازل المواطنين، كل ذلك لحساب من ومن أجل ماذا!؟ الثورة! أي ثورة تلك التي تعطل البلد وتدمر المكان ولا تراعي قيمة ولا عرف.

علينا أن نراجع الدفتر كاملًا، وندون الملاحظات، ونقول بأن النقطة التي وضعت في أول السطر هي فاتحة الخراب، الأمر لا يتطلب التفكير، المسألة بسيطة، كانت هناك دولة تحتاج لمن ينهض بها، فجاء من أعادها مائة عام للورى دون حتى اعتذار إلى ما رحم ربي.

لقد وقعنا في الفخ بعد أن فاز لباس الإمامة القذر نتيجة الخديعة وبمساعدة القوى السياسية ولا بد من الخروج منه لكن ليس بنفس الطريقة، لأن كل عمل الآن غير مجدي ما لم يكن هناك ردع شعبي واضح، وقوى مؤازرة من أجل مستقبل أجيال كاملة.