الكرامة المفقودة.. حين أسكت الإمامُ صرخةَ الجوع!

ماجد زايد

في جامع المرور "عمار بن ياسر" بشارع تعز، بداية شارع الستين، يومنا هذا السبت، عقب صلاة المغرب، وقف إمام المسجد، ليحاضر المصلين، متحدثًا عن كرامة اليمن واليمنيين، يقول أحد الحاضرين: كان الإمام يخطب فينا بنبرة الفاتحين، عن رفضنا للركوع، عن عجز قوى الشر في مواجهتنا. وبذات اللحظة، بينما الخطيب يتعالى في عبارات الخطاب، تردد من طرف المسجد صوت يرتفع وينخفض، صوت مهزوم ومبحوح ويتحدث بخجل.. رجلٌ كبيرٌ في السن، نحيل، منهك، رثّ، مريض، وفي أسوأ ملامح البشر المنهكين، كان يقول بصوت يشبه العاجزين: أنا مريض بالسـ ـرطان، أنا فقير وعاجز ومريض، مشتيش زلط، ابسروا عيالي، اشتروا لعيالي أكل، عيالي جاوعين.

صوت الرجل أخذ مسامع الحاضرين، التفت نحوه بعضهم دونما شعور، كانت لحظة صمت صادمة، عندها شعر الإمام بأن اهتمام الناس ذهب عنه، ليصرخ بصوت مرتفع تجاه الرجل الواقف جوار الباب قائلًا: أسكت، لا تقاطع كلام الله والوطن! حينها، وبمجرد سماع الرجل للكلمات، الصارمة، صمت، وخاف، وأصابته فاجعة كما يبدو، تراجع قليلًا وجلس جوار باب المسجد. وعاد خطيب الكرامة مجددًا للتباهي العظيم بعباراته ومخارج حروفه، بعد أن أسكت الفقير وعزز الكرامة اليمنية، نعم، بكل تأكيد نحن اليمنيين لن نركع لأحد، نحن فقط، نجلس من خوفنا بجوار الأبواب.

بقي الخطيب يتحدث، بينما الرجل الفقير جالس في مكانه، ينتظر فاعلي الخير، انتظر قليلًا حتى انتهى الإمام من خطبته العصماء، ومع خروج الناس أعطاه بعضهم ما استطاعوا، بعدها قام الرجل من مكانه وصلى ركعتين، كان يصلي واقفًا، لكنه سقط من طوله، ولم يقوَّ على الوقوف، ثم أكمل صلاته جالسًا، بعدها أخذ حاله وغادر المسجد. كان أحد الحاضرين يتابع كل ما يحدث.. عند مغادرة الرجل، تبعه بهدوء حتى خرج، وبمجرد خروجه من المسجد، بدأ الرجل يتمتم بلسانه قائلًا: ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون، ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون.. قليلًا قليلًا ثم بدأ صوته يرتفع أكثر، كان يسير بالشارع كالمجانين، وهو يقول بصوت مرتفع: ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون، ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون، ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون.