رؤية سياسية: بين إرث الزعيم وسماسرة الذاكرة
منذ الثاني من ديسمبر 2017، تاريخ مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تحول إرثه السياسي إلى مساحة يتزاحم عليها الطامحون والمتزلفون، لا لاستعادته أو البناء عليه، بل لاستثماره، وباتت الذكرى السنوية ساحة خطابية يعلو فيها صوت الشعر والخطابة، بينما يغيب الفعل السياسي، ويغيب معها أصحاب الإرادة الحقيقية لمواجهة من قتلوه، هذه الرؤية تسعى لكشف كيفية تحويل إرث صالح إلى متجر سياسي، وإيضاح الفارق بين الوفاء للزعيم وبين الاتجار باسمه..
نحاول أن نكشف كيف تحول إرث صالح إلى مجال للسمسرة، ونضع خطوطا فاصلة بين الوفاء الحقيقي وبين الجوقة التي تتقاضى عوائد من اسمه دون أن تقدم فعلا واحدا يعيد الاعتبار له..
سماسرة الإرث… من هم؟
1.من يحتفلون ولا يفعلون
من يملؤون الشاشات بالقصائد والهتافات لكنهم لا يتخذون موقفا واحدا ينسجم مع ما كان يقاتل لأجله الزعيم، الذين جعلوا من الاحتفال غاية، لا وسيلة، لأنهم بلا مشروع وبلا قضية..
2.من يصافحون خصوم الزعيم ثم يدعون وراثة نهجه
بعضهم يتحالف مع القوى التي واجهها صالح، ويقبل بما كان يرفضه، ثم يخرج بوقاحة ليدعي أنه الأقرب لخط الزعيم، هذه ليست سياسة، هذه متاجرة صريحة بالذاكرة وازدراء للعقل العام..
3.من يشطرون المؤتمر ثم يتحدثون عن وحدته
أجنحة تتناحر، تتقاسم، تتصارع، ثم تصرخ نحن المؤتمر، يدعون حماية إرث صالح، بينما هم أول من شرذمه، وأول من فرط فيه، وأول من حول الحزب إلى ساحة مزاد..
أكبر إساءة لصالح ليست ما فعله خصومه، بل ما يفعله أدعياء الوفاء:
أولئك الذين حولوا الذكرى إلى بازار، والإرث إلى سلعة، والحزب إلى جثة سياسية يتقاسمون لحمها..
وإن لم يتقدم رجال دولة حقيقيون — لا شعراء مناسبات، ولا هواة ظهور — لحماية إرث الزعيم وبناء مشروع وطني جامع، فسيظل المتاجرون يزدادون نفوذا، ويزداد الإرث تآكلا..
إن أخطر ما حصل بعد رحيل صالح ليس قتله، بل سرقة إرثه، وأخطر من خصومه المباشرين هم أولئك الذين يتاجرون باسمه، ويبيعون تاريخه، ويحولون ذكراه إلى سلعة يساومون عليها الداعمين والأجنحة..
المستقبل لن يكون لهؤلاء.
فإرث صالح أكبر من تجارتهم الصغيرة، وأعمق من خطاباتهم، وأعظم من أحجامهم السياسية..
الوفاء الحقيقي يحتاج رجال دولة…
لا جوقة من المتنفعين الذين يلوكون اسم الزعيم دون أن يحملوا ذرة من شجاعته..