قراءة تحليلية في دعوة أحمد علي عبدالله صالح لتوحيد الصف الوطني
في لحظات التحول الكبرى، لا تُقاس قيمة الخطاب السياسي ببلاغته اللفظية، بل بقدرته على ملامسة جوهر الأزمة، وتشخيص مكامن الخلل، وتقديم بوصلة أخلاقية ووطنية للخروج من المأزق. ومن هذا المنطلق، تبرز دعوة نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام أحمد علي عبدالله صالح، الموجهة إلى مجلس القيادة الرئاسي وكافة القوى والتنظيمات السياسية اليمنية، بوصفها خطاباً سياسياً لافتاً في توقيته ومضمونه ودلالاته.
الدعوة جاءت في سياق وطني بالغ الحساسية، حيث تتكاثف الأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتتسع فجوة الثقة بين المكونات، في وقت لا يزال فيه الانقلاب الحوثي يشكل التهديد الوجودي الأكبر للدولة اليمنية، إلى جانب تمدد التنظيمات الإرهابية، وتفاقم معاناة المواطنين في مختلف المحافظات.
وفي خضم هذا المشهد المعقد، اختار أحمد علي عبدالله صالح أن يطرح خطاباً عقلانياً، منضبطاً ومنصفاً، ينطلق من أولوية واحدة لا لبس فيها: مصلحة الوطن العليا قبل أي اعتبارات أو مشاريع ضيقة.
ما يميز هذا النداء أنه لا يراهن على الاستقطاب أو المزايدات، ولا يندرج ضمن خطاب تسجيل المواقف، بل يتأسس على رؤية سياسية واقعية تدرك أن أي تصعيد داخلي، أو خطوات أحادية، أو صراعات جانبية، لا تخدم سوى خصوم الدولة اليمنية، وتحديداً مليشيا الحوثي التي تتغذى تاريخياً على الانقسامات، وتستثمر في تصدع الجبهة الوطنية المناهضة لانقلابها.
الدعوة إلى الوقف الفوري للتصعيد وضبط النفس ليست موقفاً رمادياً أو هروباً من المواجهة، كما قد يروج البعض، بل هي قراءة استراتيجية ناضجة لمسار الصراع. فالمعركة الحقيقية، كما يؤكد نص الدعوة، هي معركة استعادة الدولة، وليس معارك النفوذ أو تسجيل النقاط بين شركاء المشروع الوطني الجمهوري الواحد.
ومن هنا، يضع أحمد علي عبدالله صالح اليد على الجرح حين يحذر من أن استمرار التوترات الداخلية وتعطيل التوافق الوطني من شأنه تأخير المعركة الوطنية، وإضعاف فرص الخلاص الشامل.
كما تحمل الدعوة بعداً اجتماعياً بالغ الأهمية، يتمثل في التحذير من تهديد السلم الاجتماعي وتمزيق النسيج الوطني.
ففي بلد أنهكته الحرب، وأرهقته الاصطفافات، يصبح الحفاظ على التعايش والأمن المجتمعي شرطاً أساسياً لأي سلام عادل ومستدام.
وهذا ما يفسر تأكيد الدعوة على لغة العقل والحوار المسؤول، لا بوصفه ترفاً سياسياً، بل كضرورة وطنية لا غنى عنها لمعالجة الخلافات الطارئة، وإعادة بناء الثقة بين مختلف المكونات.
ومن اللافت أن الخطاب لم يغفل البعد الإقليمي والدولي، حيث ربط بين وحدة الصف الوطني ودعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن.
وهي إشارة ذكية تعكس إدراكاً لحقيقة أن أي دعم خارجي يظل مشروطاً بوجود شريك يمني متماسك، قادر على إدارة خلافاته بعقل الدولة لا بمنطق الغلبة.
الأهم من ذلك كله، أن الدعوة تعيد الاعتبار لمفهوم الخطاب الوطني الجامع، في زمن طغت فيه لغة التخوين والإقصاء. فهي لا تستثني أحداً، ولا تضع شروطاً مسبقة، ولا تصادر حق الاختلاف، لكنها ترسم سقفاً وطنياً جامعاً عنوانه: اليمن أولاً، والدولة أولاً، والمواطن أولاً.
إن هذه الدعوة، بما تحمله من مسؤولية سياسية وأخلاقية، تستحق أن تُقرأ بعمق، وأن تُقابل بتفاعل إيجابي من قبل مجلس القيادة الرئاسي وكافة القوى السياسية.
فالتاريخ لا يرحم من أضاعوا الفرص في اللحظات الفارقة، ولا يجامل من قدموا مصالحهم الخاصة على حساب وطن ينزف منذ سنوات.
في المحصلة، لا يمكن النظر إلى نداء أحمد علي عبدالله صالح إلا بوصفه محاولة جادة لإعادة ضبط البوصلة الوطنية، وتذكير الجميع بأن الانتصار الحقيقي لا يتحقق بتغليب طرف على آخر داخل الصف الوطني، بل بتوحيد الصفوف في مواجهة العدو المشترك، وبناء دولة تتسع لجميع أبنائها، وتستعيد سيادتها، وتفتح باب الأمل ليمنٍ آمن، مستقر، وعادل.