إلى أين يتجه اليمن؟
في منعطف بالغ الحساسية من تاريخه الحديث، يقف اليمن اليوم أمام سؤال مصيري لا يحتمل التأجيل: إلى أين يتجه هذا البلد الذي أنهكته الحروب، واستنزفته الانقسامات، وعبثت به المشاريع السلالية والوصايات؟ سؤالٌ لم يعد ترفاً فكرياً، بل ضرورة وطنية في ظل واقعٍ أعاد الانقلاب الحوثي تشكيله على نحو بالغ القسوة والخطورة.
منذ انقلاب مليشيات الحوثي على الدولة ومخرجات التوافق الوطني، سبقه موجة عبث وخراب احداث 2011، دخل اليمن نفقاً مظلماً لم يُعرف له نهاية حتى اليوم.
لم يكن الانقلاب مجرد حدث سياسي عابر، بل لحظة فاصلة دشّنت واحدة من أبشع مراحل التاريخ اليمني الحديث؛ مرحلة جرى فيها تفكيك مؤسسات الدولة، ومصادرة القرار الوطني، وإخضاع المجتمع لمنطق القوة والعقيدة السلالية، وتحويل السلاح من أداة دفاع إلى وسيلة حكم.
تحت سلطة الانقلاب، تهاوت منظومة القيم، وغُيِّبت الحريات، وتحوّل اليمني إلى رهينةٍ للخوف والفقر. مدنٌ دُمِّرت، وقرى أُفرغت من أهلها، وأجيالٌ كاملة حُرمت من التعليم الآمن، فيما زُجّ بالأطفال في جبهات القتال، وصودرت دور العبادة، وأُعيد إنتاج خطاب كهنوتيٍّ يعادي فكرة الدولة والمواطنة المتساوية.
لم يقتصر الدمار على الحجر، بل طال الإنسان والذاكرة والهوية الوطنية الجامعة.
الأخطر من ذلك أن الانقلاب الحوثي لم يكتف بإشعال الحرب، بل عمل على تعميق الانقسام الاجتماعي، وإعادة فرز اليمنيين على أسس طائفية وسلالية، في سلوكٍ يتناقض كلياً مع روح اليمن وتاريخه القائم على التعدد والتعايش.
ومع كل يوم يمر، يتكرس منطق الأمر الواقع، وتُفرض المليشيا بوصفها بديلاً عن الدولة، في سابقة تهدد مستقبل اليمن ككيانٍ واحد.
ورغم ذلك، فإن تحميل الانقلاب الحوثي مسؤوليته التاريخية لا يعني إعفاء بقية القوى من واجب المراجعة. فاليمن لا يمكن أن ينهض بمجرد إدانة الجريمة، بل بتفكيك أسبابها، واستعادة مشروع الدولة الذي انقلب عليه الحوثيون، دولة الشراكة والقانون، لا دولة الغلبة والسلاح.
إن الطريق إلى إنقاذ اليمن يبدأ بإنهاء الانقلاب، لا بتدويره، وباستعادة الدولة لا بتقاسم أنقاضها.
سلامٌ بلا عدالة، أو تسويةٌ تُكافئ الانقلاب، لن تكون سوى هدنة مؤقتة تسبق انفجاراً أشد.
وحده الحل الذي يعيد الاعتبار لإرادة اليمنيين، ويُنهي حكم المليشيا، ويؤسس لدولة مدنية جامعة، كفيلٌ بوقف هذا النزيف المفتوح.
إلى أين يتجه اليمن؟
سيتجه إلى حيث تقوده خيارات أبنائه ونخبه.
إما نحو استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب وبناء وطن يتسع للجميع، أو إلى مزيدٍ من التشظي والخراب إذا استمر الصمت والتواطؤ. وفي لحظةٍ كهذه، يصبح الحياد خيانة، والتأجيل جريمة، والصمت شراكة في الألم.
فاليمن لا يحتاج مزيداً من الوقت… بل قراراً شجاعاً يعيد له حقه في الحياة.