صحيفة أمريكية: الحوثيون يجبون ملايين الدولارات من المناطق الخاضعة لسيطرتهم

صحيفة "فورين أفيرز" الامريكية
 
بيتر ساليزبري، مستشار بارز في المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاثام هاوس"
 
يرى الكثير من المراقبين الصراع في اليمن كمثال آخر عن حرب خرجت عن طور السيطرة. فقد بدأت بعد سيطرة الحوثيين في سبتمبر 2014 على العاصمة صنعاء حيث احتجزوا الرئيس عبد ربه منصور هادي بشكل رمزي في بداية الأمر، ولاحقاً بشكل حقيقي.
 
وتطور الانقلاب البطيء في مارس 2015 إلى تدويل وتدخل عسكري قاده تحالف بقيادة السعودية، حيث شنت هجمات جوية وحملة مفككة في غالب الأحيان لطرد الحوثيين الموالين لإيران وإعادة حكومة هادي الشرعية. وخلال السنوات الماضية تدهور الوضع الإنساني في ظل غياب الحلول المناسبة لوقف الحرب.
 
إن تعيين مبعوث أممي جديد، وهو الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث، يعني تبني مدخل أكثر راديكالية من تلك التي تبناها السابقون، خاصة أن الحرب فقدت زخمها. وهذا لا يعني أن مهمة المبعوث الجديد ستكون مستحيلة إلا أنها تبقى مشروطة باتباعه نهجاً مغايراً، بصورة جذرية.
 
وعانت العملية السلمية في اليمن من افتراضات وتحليلات مغلوطة عفا عليه الزمن. فالخطة الحالية تبالغ في أهمية حكومة هادي وتستبعد الجماعات التي تقوم بمواجهة الحوثيين وتقدم الخدمات المفترض أن تقدمها الدولة. وأكثر من كل هذا فالأطراف المشاركة في الحرب لا تجد الكثير من المحفزات في العملية السلمية لكي تعمل على إنجاح خطة الأمم المتحدة. وحتى مع وصول ملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة، فإن كل اللاعبين الرئيسيين في النزاع يتربحون من اقتصاد حرب زهق آلاف الأرواح. وفي حالات كثيرة حولت مغانم الحرب فقراء كانوا معدمين إلى شخصيات ثرية خارج التصور.
 
وتباعا لذلك، فان التركيز على النخب السياسية - وهذا أمر عام في العملية السلمية - عادة من يخفى وراءه هذه الديناميات. فوقف الحرب في اليمن وبناء سلام دائم يحتاج لخطة تعكس الحقائق على الأرض. وطالما استمر اللاعبون في الأزمة بتكرار أخطاء الماضي فستخرج الأزمة الإنسانية عن السيطرة.
 
كما أن اليمن بلد في حالة فوضى، فرغم وجوده على الخريطة أو التقارير الأخبارية، إلا أن المؤسسات التي تقدم الخدمات وتحرس النظام ليست موجودة بشكل عام. وفي غياب الدولة بدأت الجماعات المحلية بملء الفراغ. وقد استنتجنا وزملائي في تقرير نشره معهد "تشاثام هاوس" أن اليمن مقسم إلى مناطق وأراض وسيطرة سياسية. وكل منطقة لديها بنية وقيادة ودينامية سياسية داخلية وداعمون خارجيون حيث يبدو اليوم كمجموعة من الدول الصغيرة تخوض نزاعا إقليميا أكثر من كونه بلداً منقسماً.
 
وبالرغم من اعتراف المجتمع الدولي بحكومة هادي، إلا أنها ليست مؤثرة سياسياً ولا تملك حضورا شعبيا على أرض الواقع. كما أن "الجيش الوطني" ما هو إلا تشكيلة من الجماعات تضم قبائل شمالية وجنوبيين، وسلفيين ووحدات عسكرية مرتبطة بحزب الإصلاح. وكلها تقاتل الحوثيين لكن لا وقت لديها لهادي وحكومته التي تنبع شرعيتها من المجتمع الدولي لا القوى المحلية. ففي محافظة مأرب دفعت القبائل ثمناً باهظاً في قتال الحوثيين لكنها استطاعت إدارة المحافظة وبنجاح مذهل.
 
وفي الجنوب قام الانفصاليون، وبعد سيطرتهم على المناطق التي احتلها الحوثيون، بإنشاء المجلس الجنوبي الانتقالي. وخاض المجلس الانتقالي الجنوبي مواجهة مع حكومة هادي في مدينة عدن. ويتهم المجلس حكومة بن دغر بالفساد والفشل في توفير الخدمات الأساسية. وفي يناير كادت القوات التابعة للمجلس الانتقالي أن تسيطر على مدينة عدن حيث أحاطت بالقصر الرئاسي الذي تعمل فيه الحكومة. وزاد في تعقيد الوضع أن القوات المهاجمة دعمتها الإمارات العربية والتي تعد جزءا من التحالف السعودي ولكنها ترى في الانفصاليين حاجزا ضد حركة الإخوان المسلمين التي تعتقد أن القبائل الشمالية ووحدات عسكرية تدعمها. وفي الشمال يسيطر الحوثيون على مؤسسات الأمن والجيش في العاصمة صنعاء مع أنهم لم يوفروا الخدمات أو دفعوا رواتب الموظفين.
 
ونشأ اقتصاد حرب مربح مع تعزيز الجماعات المحلية سيطرتها على مناطقها، ورغم زيادة معاناة المدنيين إلا أن فرصاً اقتصادية ظهرت للحصول على حصة من غنائم الحرب. فالحوثيون الذين خاضوا ستة حروب مع صالح كانوا فقراء متمركزين بمناطقهم في صعدة، لكنهم يحصلون اليوم على مئات الملايين، إن لم تكن مليارات الدولارات من الموارد التي تتم جبايتها من المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
 
ومع استقرارهم فيها تقوم النخب الحوثية بشراء العقارات والأراضي والسيارات الفارهة. ورغم خسارتهم بعض المناطق إلا أن مجمل ما كسبوه كبير جدا. كما أن الكثير من قيادات الحوثيين من صعدة كانوا من مناطق فقيرة عندما اندلعت الحرب قبل 14 عاما، ولكن أصبحوا اليوم أمراء حرب أثرياء.
 
وربحت حكومة هادي من الحرب بسبب بيعها النفط المنتج في الجنوب وسيطرتها على ميناء عدن. بالإضافة لهذا فإن الجماعات المحلية التي تخوض حرباً ضد الحوثيين لديها مصالحها المالية من خلال جمع الضريبة وموارد النفط والغاز. واستطاع حاكم مأرب رعاية نهضة اقتصادية وتقوية الاقتصاد المحلي. وطالبت حكومة هادي من محافظ مارب سلطان العرادة تسليمها الموارد المالية، ولكنه استخدمها لدعم المشاريع المحلية وبناء البنى التحتية.
 
وبهذا، استفادت كل الأطراف من اقتصاد الحرب بطريقة أو بأخرى. وأصبحت تجارة الوقود مربحة لجماعات معينة مرتبطة بالحوثيين. وبسبب التجارة، هناك تواطؤ بين الشبكات المرتبطة بالحكومة والحكام المحليين والحوثيين.
 
ولم تستطع العملية السلمية التي ترعاها الأمم المتحدة فهم هذه الشبكة المعقدة من التحالفات والتنافسات والمصالح. فالعملية الحالية تقوم على قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الصادر عام 2015. الداعي لحكومة وحدة وطنية بعد انسحاب الحوثيين من صنعاء بدون شروط. وستقوم هذه الحكومة المشكلة بمركزة موارد الدولة وتجميع الفصائل والوحدات المتباينة تحت قيادة واحدة. لكن العملية السلمية لا تشبه الواقع السياسي اليمني الحالي، فمشكلة الوساطة الأممية أنها تتعامل مع هادي باعتباره الممثل الوحيد لليمن بشكل يسمح له باختيار من يريد للتفاوض وتجاهل جماعات تقوم بدور الدولة. ويدافع الداعمون لخطة الأمم المتحدة أن زيادة عدد الجماعات للتحاور يعني إبطاء العملية السلمية. إلا أن المشكلة هي أن هادي لا يدير حكومة أو جيشاً فاعلاً بشكل لا يجعله نظيرا قويا لمنافسيه في الشمال، وهم يعرفون هذا. وتفتقد الخطة المحفزات للجماعات التي تقاتل الحوثيين ولا تعترف الخطة بها.
 
وتعني موافقتها على الخطة خسارة المصادر المالية والتأثير المحلي. فالتجربة الانتقالية بين عام 2012 - 2014 التي قاد فيها هادي حكومة عاجزة، كما أن فشل بن دغر في توفير الخدمات في المناطق التي تم تحريرها في الجنوب من الحوثيين تشير إلى أن الجماعات المحلية لن تستفيد حالة قبلت الخطة نفسها.
 
وبعيداً عن التجاذبات المحلية هناك موضوع الدول الخارجية المشاركة في الصراع: السعودية والإمارات وإيران وبدرجة غير واضحة فرنسا وبريطانيا وأمريكا. كما أن كل الأطراف منذ عام 2015 رددت ما تقوله الرياض من أنها تريد السلام، لكن ما هو غير واضح هي الشروط التي ستسمح من خلالها السعودية بتسوية. ولأن السعوديين يدفعون لهادي ويتكفلون بنفقات الحرب العسكرية فلا بد من فهم موقفهم. وترى السعودية أن الحوثيين هم وكلاء إيران ولهذا تريد منهم قطع العلاقة معها وتسليم أسلحتهم ومنح ضمانات بعدم استهداف حدودها والتحول لحزب سياسي. والمشكلة هي أنه لا يمكن الكشف عن قطع العلاقة مع إيران ولا يمكن للحوثيين الثقة بالسعوديين وتسليم أسلحتهم. وعليه فيجب إقناع السعودية بتبني شروط أكثر واقعية.
 
ولن يكون هذا سهلًا. ففي عام 2016 عندما استعد السعوديون لترك الحوثيين وأسلحتهم ومنحهم موقعا على الطاولة السياسية تراجع الحوثيون وبدأوا بمهاجمة الحدود السعودية.
 
ولذلك فإن دعوة إسماعيل ولد الشيخ، لخليفته غريفيث في خطابه الوداعي بمجلس الأمن في 27 فبراير، جعل خطة الأمم حجر الأساس لجهوده غير منطقية. وعليه دمج الجماعات المحلية المشاركة في النزاع والبحث عن محفزات لتعويضها ومنحها فرصة في الحل. فشمل كل الجماعات لن يزيد من تعقيد الحرب في اليمن بل ويعكس التعقيد الحالي. كما أنه سيعطي هادي، الحوثيين، السعوديين والإماراتيين إشارة أنهم لا يستطيعون إملاء الشروط التي تتجاهل مظالم ومطالب جماعات رئيسية.
 
ولذا يجب التحدث مع صناع القرار في الرياض وأبو ظبي وبصراحة مع الإيرانيين. وليس من المعروف ما هي الحوافز التي يريدها الإيرانيون لوقف دعمهم للحوثيين، ولو تم التحاور معهم بطريقة جيدة فيمكن أن يلعبوا دورا بناء.
 
كما أن على المبعوث الجديد معالجة القرار 2216 ودفع الأعضاء الدائمين لقرار جديد أو تعديله بحيث يستطيع الضغط على هادي. لأن أي حل دائم يجب أن يقوم على الاعتراف بالواقع وشمل الجميع. وتكرار أخطاء الماضي لن يزيد إلا من تعقيد وضع معقد أصلاً.