معركة الحديدة: هل باستطاعة اليمنيين انتزاع الموانئ الرئيسية من المتمردين الحوثيين؟ (2-3)

"هذا المرصد السياسي هو الثاني في سلسلة من ثلاثة أجزاء حول حملة البحر الأحمر، ويركز على التحديات العملياتية التي تواجه الائتلاف الخليجي والقوات الحوثية حول الحديدة. وقد شمل الجزء الأول (نشرناه سابقا) المخاطر والفرص الاستراتيجية الكامنة في قطع خطوط وصول الحوثيين إلى البحر. وسيبحث الجزء الثالث خيارات الحوثيين لتوسيع الحرب إذا ما تم تهديد إمكانية وصولهم إلى البحر".

شرعت القوات اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة بالتقدم ١٠٠ كيلومتر نحو الميناءين الأخيرين الخاضعَين لسيطرة الحوثيين على البحر الأحمر - وهما الحديدة والصليف - بينما تمركزت القوات اليمنية المدعومة من السعودية في وضع يؤهلها الضغط على تلك المناطق من مسافة ١٤٠ كيلومتراً إلى الشمال. إلا أنّ أبرز ما يثير شكّ صانعي السياسات والوكالات الإنسانية في الولايات المتحدة هو إمكانية تنفيذ هجوم يمني جديد للوصول إلى الحديدة والصليف، ومن ثم الاستيلاء على هذين الميناءين الحيويين المستخدَمين لاستيراد الأغذية دون إلحاق أي ضرر بهما.

الجغرافية العسكرية لساحل البحر الأحمر

تضم منطقة تهامة اليمنية شريطاً يتراوح عرضه بين ٥٠ و٧٠ كيلومتراً يمتد على طول ساحل البحر الأحمر من مضيق باب المندب إلى الحدود السعودية. ويقع ميناء الحديدة، وهو أحد أكبر الموانئ اليمنية على البحر الأحمر، في منتصف الطريق نحو الساحل تقريباً. ويقع كل من الصليف، وهو ميناء رئيسي آخر على البحر الأحمر، ورأس عيسى، وهو محط سفن مجاور لتصدير النفط، في شبه الجزيرة على بعد ٦٠ كيلومتراً شمال الحديدة.

وعلى خلاف المرتفعات الوعرة في وسط اليمن، فإن أرض تهامة مسطحة بشكل كبير، وتغطيها الصحراء الرملية المقطّعة بواسطة "الأحزمة الخضراء" الغربية الشرقية، وأنواع من الأشجار الخفيضة الكثيفة، وبساتين النخيل، والمزارع الواقعة على طول الوديان في أسفل الهضاب. وتنتشر العديد من البلدات والمزارع الصغيرة لتشكّل منظراً طبيعياً. كما يمر طريقان رئيسيان من الشمال إلى الجنوب على طول سهل تهامة - الأول على الساحل والثاني موازٍ للساحل ويمتد على مسافة ٥٠ كيلومتراً. ويمثّل المدخلان الرئيسيان اللذان يسيطر عليهما الحوثيون حالياً تحديات عملياتية مختلفة تماماً أمام القوة المحرّرِة:

الحديدة مدينة متوسطة الحجم تبلغ مساحتها ٥ × ٦ كيلومترات ويفوق عدد سكانها الـ ٧٠٠ ألف نسمة. ويقع ميناء الحديدة عند الطرف الشمالي، أي خارج المنطقة الحضرية الرئيسية. كما تبلغ مساحة المدينة القديمة المكتظة بالسكان كيلومتراً ونصف. أمّا إذا اتجهنا مباشرةً نحو المنطقة الجنوبية الشرقية للمدينة، فنجد "منطقةً خضراء" - كما يشار إليها باللّغة العسكرية اليمنية - يغطيها غطاء نباتي وتبلغ مساحتها ٥٠ كيلومتراً مربعاً. ولكن يمكن تجاوز هذه المنطقة من الجهة الغربية والشرقية على امتداد الطرق السريعة ومن خلال الصحراء المفتوحة. كما يبرز غياب الأراضي المرتفعة مباشرةً شرق المدينة، حيث من المحتمل أن يتراجع إليها الحوثيون. وفي الواقع، تقع أقرب سلسلة جبال على بعد ١١٠ كيلومترات إلى الشرق. أمّا من حيث جغرافيا السكان، فيقطن الحديدة بصورة أولية سكان المناطق الحضرية والشمالية الذين ينتمون إلى المذهب الشافعي، وليس قبائل الطائفة الزيدية الجبلية التي تشكّل الكوادر القتالية الموثوقة لدى الحوثيين. إن الحوثيين هم محتلين غرباء ومن المرجّح أن يكون عددهم أقل من ٥ آلاف، في حين أن قوات المقاومة اليمنية الزاحفة نحو الحديدة والتي يبلغ قوامها ٢٢ ألف جندي فتتمتع بصلات قوية بالمنطقة، وتضمّ أعداداً كبيرة من مقاتلي تهامة الساحليين الذين تربطهم الأواصر الأسرية بالمدينة.

يقع ميناء الصليف في شبه جزيرة رملية ذات كثافة سكانية منخفضة تمتد إلى البحر الأحمر على بعد ٦٠ كيلومتراً شمال مدينة الحديدة. كما يحتوي الميناء على مرسَيَيْن للمياه العميقة ومحطة كبيرة لتحميل الحبوب. ويقع مرفأ رأس عيسى لتحميل النفط، وهو المحطة الساحلية لخط أنابيب النفط في مأرب، في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة. وفي هذا الإطار، قام الحوثيون بزرع حقول من الألغام وحفر شبكات خنادق واسعة النطاق في شبه الجزيرة، لكن المنطقة مفتوحة ولا توفر أي غطاء من الهجوم الجوي، ومن المرجح أن يتخلى الحوثيون عنها إذا واجهتهم قوى زاحفة تهدد بقطع خطوط شبه الجزيرة.

قدرات الحوثيين الدفاعية

يعتمد الحوثيون على مجموعة صغيرة من المقاتلين المتمرسين القادمين من محافظاتهم الأساسية في صعدة وعمران، في شمال اليمن. وتعتبر هذه القوات متفانية وملتزمة للغاية، وتستقي شجاعتها شبه المتعصبة من المعتقد الديني والولاء العشائري، ومن استخدام المنشطات الأمفيتامينية مثل الكبتاجون (فينثيلين). أمّا على جبهة البحر الأحمر، فتقدِّر المخابرات اليمنية عدد الكوادر بأقل من ألف شخص. ولحشد جبهة تهامة الأمامية، فرض الحوثيون الخدمة العسكرية الإجبارية على ما يقارب أربعة آلاف من القبليين والأطفال الجنود من تهامة والمحافظات الجبلية في وسط اليمن، وذلك من خلال تهديد زعماء القبائل باستعمال العنف. لذا، فإن معنويات هذه القوى البشرية متدنية، وغالباً ما يتخلى هؤلاء المقاتلون عن الحوثيين عندما لا يخضعون لإشراف مباشر.

كان الحوثيون قد تكيّفوا مع الوجود المستمرّ للطائرات العسكرية والطائرات بدون طيار التابعة للتحالف الخليجي من خلال القتال بأسلوب شديد التشتت ومنخفض الكثافة، حيث غالباً ما تسيطر خلايا مكوّنة من عشرة إلى اثني عشرة مقاتلاً على واجهة تمتدّ عشرات الكيلومترات، وتكون فرقاً من مقاتلَيْن أو ثلاثة مسؤولة عن تلّة أو مزرعة والمنطقة المحيطة بها. ويمكن لعدد صغير من المقاتلين الحوثيين تغطية واجهة واسعة من خلال التسلّل إلى الخط الأمامي دون حمل سلاح، والقتال من مخابئ سابقة التجهيز، واحتلال أجزاء من نظام التحصينات الدفاعية الذي كان قد سبق إعداده، ثم التخلي عنه.

وترتبط المقاومة الحوثية الدفاعية ارتباطاً وثيقاً بالتضاريس، إذ تدافع القوات الحوثية بنجاح أكبر في المناطق الجبلية، حيث تشعر بالثقة والأمان. ففي سهل تهامة المسطّح، استخدم الحوثيون غطاء الشجيرات الكثيفة للأحزمة الخضراء لبناء نظام شامل من مواقع القتال الدفاعية، والتي تشمل شبكات الخنادق والمخابئ الصغيرة تحت الأرض ومخابئ الأسلحة والذخيرة المعدّة مسبقاً. وكثيراً ما يستخدمون المناطق الكثيفة النباتات لإخفاء مواقع الهاون أو مدافع الهاوتزر وحتى دبابات من طراز "تي ٥٥". وكما هو الحال في الخطوط الأمامية الأخرى، قام الحوثيون بتغطية ممرّات الطرق الوعرة على طول الوديان والمسارات الترابية بحقول الألغام، وزرعوا أطراف الطرق المعبّدة بالأجهزة المتفجّرة المرتجلة، من بينها قذائف الاختراق وألغام "كلايمور" المموّهة بألواح رغوية مطلية لكي تشبه الصخور.

لقد كان سجل الحوثيين في ​​الدفاع عن المناطق الحضرية الكبيرة متفاوتاً، وقد تعثّرت هذه الدفاعات بشكل عام - على الرغم من أنهم قد يحاولون بشكل أكثر جدية الدفاع عن "بقرتهم الحلوب"، أي الحديدة. ففي عام ٢٠١٥، خاض الحوثيون معارك في المدن استمرت أربعة أشهر في عدن (عدد سكانها 1.7 مليون) ضد المقاومة اليمنية المشكّلة حديثاً، والتي كانت مدعومة بأعداد ضئيلة من القوات الخاصة الإماراتية. ومع ذلك، انهار الحوثيون في أقلّ من أسبوع عندما قدّمت الإمارات العربية المتحدة مركبات مدرّعة مضادة للكمائن والألغام للوحدات اليمنية المدرّبة، ووضعت خطّة مناورة جيدة التخطيط. أما في تعز (عدد سكانها 900,000 نسمة)، فلم يدافع الحوثيون عن المدينة بحد ذاتها، بل عن الجبال التي ترتفع فوقها. وفي المعارك [للاستيلاء] على المدن الصغيرة على جبهة تهامة مثل المخا والخوخة وحيس، اتبع الحوثيون طريقة [العمليات] نفسها، حيث قاتلوا بقوة لعدة أسابيع في مواقع دفاعية متعددة خارج المناطق الحضرية، ثم انهاروا وتراجعوا عدة كيلومترات، وعادوا فقط لمضايقة المدن التي تم الاستيلاء عليها مؤخراً بإطلاق الصواريخ. وفي الواقع، عند تعرّض الحوثيين لهجمات سريعة من عدة اتجاهات تهدد طرقهم اللوجستية الخلفية، كثيراً ما تتخلى قواتهم عن مواقعها وتتوارى عن الأنظار قبل أن تعيد تنظيم صفوفها في المناطق الوعرة.

احتمالات اختراق هجومي

ستستلزم عملية إعادة السيطرة على الحديدة توغّل القوات اليمنية المدعومة من دولة الإمارات مسافة ١٠٠ كيلومتر من مواقعها الحالية في حيس والخوخة. وسيحتاج الهجوم إلى عبور عدد من "المناطق الخضراء" التي ستشن من خلالها خلايا صغيرة من الحوثيين هجمات مضايقة متواصلة على خطوط الاتصال اليمنية. ولن يشكّل ذلك عقبات مستعصية أمام القوات اليمنية المدعومة من الإمارات، والتي تشمل وحدات مدرعة قوية مسلّحة بدبابات قتالية رئيسية من طراز "لوكليرك"، ومدعومة بنظم جوية واسعة، وطائرات بدون طيار، ومنظومات مدفعية. وفي الواقع، دعمت دولة الإمارات توغلات يمنية أخرى بعيدة المدى:

في عملية اختراق جرت من عدن في تموز/يوليو وآب/أغسطس ٢٠١٥، قامت مجموعة قتالية بقيادة دولة الإمارات بالتوغل من عدن عبر مدينة لحج إلى "قاعدة العند الجوية" في أقل من عشرة أيام، أي بمعدل تقدّم يبلغ حوالي ٤ كيلومترات يومياً في تضاريس مشابهة لتهامة.

في عام ٢٠١٧، حققت قوات مقاومة تهامة المدعومة من قبل مجموعة مقاتِلة من دولة الإمارات معدل تقدم مماثل خلال تحركها نحو ساحل البحر الأحمر، حيث تقدمت مسافة ٥٨ كيلومتراً إلى المخا والخوخة في غضون أسبوع واحد تقريباً.
من المرجح أن تؤدي عملية تنطوي على عناصر برمائية، كما حصل في عدن عام ٢٠١٥، إلى تقليص الإطار الزمني المطلوب لاستعادة الميناء والمواقع الرئيسية الأخرى.

وبالمثل، قد تقلّ مقاومة الحوثيين إذا تقدمت القوات اليمنية المدعومة من السعودية جنوباً من ميدي على بعد ١٧٠ كيلومتراً شمال الحديدة.

لذا لا يشكّل الوصول إلى الحديدة العقبة الرئيسية هنا، حيث قد لا يكون الاستيلاء على الميناء بنفس الصعوبة التي يتوقعها الكثير من المراقبين، وذلك نظراً لانعزالها الطفيف عن المدينة وتصميمها المكشوف إلى حد ما. ومن جهتها، قامت دولة الإمارات بتحصين جميع المواقع وتوفير الدفاعات الصاروخية لها بسرعة، مما ساهم في تحريرها حتى الآن. كما استخدمت الإمارات إمكانيات الشحن البحري والقدرات العسكرية الهندسية المملوكة للدولة لتشغيل الموانئ فوراً في عدن والمكلا وباب المندب والمخا. وفي عدن عام ٢٠١٥ على سبيل المثال، اعتمدت الإمارات على خبرتها الواسعة في إدارة الموانئ والخدمات اللوجستية لإعادة فتح الميناء في أقل من أسبوع.

ومع ذلك، سيكون من الصعب إقناع شركات الشحن التجاري بالتوقف عند ميناء يتلقى مضايقات انتقامية متفرقة من صواريخ وقذائف الهاون. إذ يتطلّب التشجيع على مثل هذه الحركة تطهير نطاق أوسع حول الميناء، بما في ذلك المنطقة الحضرية. ولكن قد يؤدي تطهير منطقة الحديدة الحضرية إلى معركة طويلة قد تستمر لمدة تصل إلى أربعة أسابيع إذا دافع الحوثيون بقوة. وتماماً كما حصل في عدن، إذا أخذنا هذه المدينة كمثال، قد ينسحب الحوثيون بسبب أعدادهم الصغيرة تجاه منطقة مأهولة بالسكان المحليين غير الودودين. ومن المرجح أن تتم عملية التطهير في المناطق الحضرية بشكل رئيسي من قبل مقاومة تهامة المحلية القوية البالغ عددها ٢٢ ألف شخص بالإضافة إلى القوات السلفية في عدن المدربة والمجهزة من قبل الإمارات، مع قيام القوات الإماراتية بتوفير الخدمات اللوجستية، والاستخبارات، والمدفعية الانتقائية والدعم الجوي.

التداعيات على السياسة الأمريكية

تشير دلائل قوية إلى أن القوات اليمنية المدعومة من الإمارات قد تتوغل بنجاح في الحديدة والصليف. وبناءً على التجارب السابقة، أمامها فرصة كبيرة للاستيلاء على ميناءيهما بشكل سليم وتشغيلهما فوراً بعد المعركة. وتضعف المقاومة الحوثية في سهل تهامة يوماً بعد يوم، كما أن المقاتلين الحوثيين غريبون عن المنطقة وأهلها. وعندما يتم تحريرها، ستتمكن الموانئ من تلقي المزيد من الطعام وبنسبة أكبر من الوقت الراهن، كما ينبغي على الوكالات الدولية إلقاء اللوم الكامل على الحوثيين المدعومين من إيران إذا فرضوا ضرائب على المواد الغذائية والوقود أو عرقلوا إيصالها إلى شمال اليمن. وستتمكن الوكالات الإنسانية من العمل في الحديدة دون خوف من ترهيب الحوثيين أو الأضرار الثانوية المرتبطة بالحملة الجوية للتحالف. كما ستخلو سواحل البحر الأحمر ومضيق باب المندب من خطر الألغام البحرية الحوثية والقذائف المضادة للسفن والقوارب المتفجرة وغيرها من الهجمات. يتعيّن على الولايات المتحدة دعم جميع هذه النتائج.

يجب على الحكومة الأمريكية أن تتّبع المبدأ التوجيهي الأساسي القائم على "عدم إلحاق الضرر" - بمعنى آخر، الابتعاد عن طريق [القوات] اليمنية المدعومة من الإمارات التي تحرر الحديدة والصليف وساحل البحر الأحمر بأكمله. يتعين على واشنطن العمل مع منظمات دولية وعواصم أخرى لتحذير الحوثيين علناً من استخدام استراتيجية الأرض المحروقة في الموانئ التي قد تبطئ تطورها كمواقع لاستيراد الأغذية. وإذا أمكن، ينبغي على الولايات المتحدة أن تنقل معلومات مفيدة إلى الحكومة اليمنية والتحالف الخليجي، مما قد يقلل من نطاق التدمير ومدة حملة تهامة، التي يمكن أن تؤدي - في أسوأ الحالات - إلى وقف كل من الحديدة والصليف عن العمل لعدة أشهر وتفاقم المجاعة في شمال اليمن. وبالفعل، تقوم الولايات المتحدة بإجراء مثل هذه المراقبة، وذلك نتيجة وعيها بالوضع الراهن. وقد تكون اللحظة مناسبة لتشغيل خليّة مشتركة وتحديداً لضمان إرسال تحذيرات في الوقت المناسب من اعتماد تكتيكات الأرض المحروقة أو غيرها من التهديدات ضد القوات اليمنية التي تتحرك لتحرير موانئ البحر الأحمر.

*ألكسندر ميلو هو محلل الأمن الرئيسي في الشركة الاستشارية للمخاطر "هورايزن كلاينت آكسس" وقد قضى مؤخراً أسبوعين في جبهة تهامة في اليمن. مايكل نايتس هو زميل "ليفر" الأقدم في معهد واشنطن، وقد عاد مؤخراً من زيارة لجبهات القتال في اليمن، حيث تلقى إحاطات مفصلة من الضباط اليمنيين وضباط التحالف الخليجي.