ما سر دعم الأمم المتحدة مليشيا الحوثي لوجستيًا بلا حدود وما مصلحتها في الحفاظ على هذه الجماعة؟

ما زالت منظمة الأمم المتحدة تواصل دعمها اللوجستي للحوثيين منذ أربع سنوات، رغم تزايد الانتقادات الموجهة لها بهذا الخصوص، حيث تواصل انحيازها لمليشيات الحوثيين سواء من خلال عملها الإنساني أو مواقفها وبياناتها الرسمية بشأن الحرب وحالة حقوق الإنسان في اليمن.

وفي نفس الوقت، تتغاضى المنظمة الأممية عن الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الحوثيون ضد المدنيين الأبرياء والأطفال والنساء، والتي تشمل القتل العشوائي، وقصف المدن والقرى الآهلة بالسكان، وزراعة الألغام ونهب الممتلكات، واقتحام وتفجير المنازل، والاعتقال العشوائي، والإخفاء القسري، ووضع المعتقلين في أماكن مستهدفة بقصف الطائرات كدروع بشرية، وتجنيد الأطفال، والاعتداء الجسدي على أمهات المعتقلين... وغيرها من الانتهاكات.

ليس هذا فحسب.. تبذل الأمم المتحدة كل جهدها لإنقاذ المليشيا وإبقاء سيطرتها على ميناء الحديدة الذي يعد أبرز المنافذ الذي من خلاله تحصل المليشيا على الأسلحة الإيرانية وتورد لصالحها مليارات الريالات لتزود بها جبهات القتال، رافضة في الوقت نفسه صرف مرتبات أكثر من مليوني موظف يمني.

وقال مصدر غربي في مجلس الامن الدولي - على دراية بالوضع باليمن - لوكالة "خبر"، إن هناك ضغوطاً كبيرة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإعاقة قوات المقاومة اليمنية المشتركة عن تحرير مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي.

ولفت المصدر أن الأمم المتحدة تعرف جيدا أن مليشيا الحوثي لن تقبل أي حلول سلمية لتسليم الميناء وتجنيب المدنيين ويلات الحرب.

الضغوط الدولية لم توقف المعركة بقدر ما أعطت للحوثي مجالا للاستعداد أكثر وتحويل كل شوارع المدينة إلى ثكنات عسكرية من متاريس وآليات وخنادق وحواجز وقناصة وانتشار كبير، كل هذه الاستعدادات لم تكن موجودة عند وصول قوات المقاومة اليمنية المشتركة لقرية المنظر وتوقفها تحت الضغط الدولي.

ويقول موقع "ميدل ايست آي" البريطاني، إن مليشيا الحوثي حفرت الخنادق وقطعت الطرق الرئيسة ووضعت قناصين على مباني المواطنين في المدينة.

ولفت الموقع البريطاني، أن المليشيا وضعت حواجز على الطرق المؤدية إلى الحديدة، وزرعت الألغام في ضواحي المدينة، والتي يأمل الحوثيون أن تؤخر تقدم القوات المشتركة، لكنها تخاطر أيضا بالمدنيين.

وقال سكان محليون: "يستعد الحوثيون لحرب شوارع، ولهذا السبب نراهم يستعدون للمعركة في المناطق السلمية خارج المطار".

وقال مواطن آخر، إن الحوثيين يستولون على أطول المباني لتحويلها إلى أعشاش قناصة. مضيفا "لا أحد يستطيع أن يعارض الحوثيين، لذا فعندما يهاجمون أي مبنى، يغادر الساكنون المبنى على الفور نحو المناطق الآمنة".

لكن معركة استعادة مطار الحديدة أسقطت كل حسابات الحوثيين في استثمار تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث كغطاء لربح الوقت. واستنجدت الجماعة بالوساطة الأممية بشأن إدارة ميناء المدينة لتجنب هجوم وشيك شبيه بهجوم المطار من حيث سرعة الحسم.

وكشف مصدر أممي لوكالة "خبر" أن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث يعتزم القيام بزيارة هي الأولى من نوعها إلى عدن، الأربعاء، ضمن سباقه مع الزمن لخلق حل سياسي لإنهاء سيطرة الحوثيين على مدينة الحديدة سلميا.

وقال المصدر، إن غريفيث سيلتقي بالرئيس هادي لمناقشة العديد من المقترحات المطروحة حول إيجاد تسوية سياسية لوقف المعارك في محيط المدينة، والبدء بعملية سياسية شاملة تحدد مستقبل اليمن.

لكن الدعم اللوجستي المتزايد من قبل الأمم المتحدة للحوثيين يثير استغراب كثير من المتابعين والمحللين السياسيين.

وكما هي العادة، كانت المليشيا الحوثية تستغل كل فرصة ممكنة للحديث عن السلام من أجل مواصلة تعزيزاتها ووجودها على الأرض، بحسب ما يراه مراقبون.

كما أن هذا الدعم اللامحدود يتناقض مع مبدأين أساسيين من مبادئ الأمم المتحدة ذاتها وغيرها من المنظمات الحقوقية، الأول أن قيادة مليشيا الحوثي مشمولين بعقوبات وقرارات أممية أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، باعتبارها مليشيات انقلابية على السلطة الشرعية وتهدد الأمن والسلم الدوليين، والثاني أن هذا الدعم يساعدها على ارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين الأبرياء والمعتقلين من السياسيين والإعلاميين وغيرهم.

وتتعدد أنواع الدعم المقدم من الأمم المتحدة للحوثيين، وبمقابل هذا الدعم يبدو وكأن المنظمة الأممية تتخذ سلوكًا عدائيًا ضد الشعب اليمني وحكومته والتحالف العربي، وهو ما يثير الاستغراب، كونه لا يوجد أي مبرر منطقي لهذا السلوك وازدواج المعايير، والتخلي عن المبادئ الإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان.

كما أن ازدواج المعايير والدعم المقدم للحوثيين يصعب ربطه بما هو معروف عن اتخاذ منظمة الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها، وغيرها من المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، من الحروب والنزاعات في العالم وسيلة لتحقيق الثراء لدى العاملين فيها من خلال العمل الإنساني، وتمارس في نفس الوقت ضغوطًا على بعض الدول والحكومات للحصول على تمويل، وإلا فإنها تبتزها من خلال تقاريرها المتحيزة بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان.

وفيما يلي نبرز عدة نماذج للدعم اللوجستي الذي تقدمه منظمة الأمم المتحدة للحوثيين:

- رفض الانتقال للعمل من صنعاء إلى عدن، والإصرار على مواصلة العمل من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.

- الإصرار على العمل وإدخال المساعدات للبلاد عبر مطار صنعاء وميناء الحديدة اللذين يسيطر عليهما الحوثيون، ورفض إدخال المساعدات عبر الموانئ والمطارات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، وعلى رأسها مطار وميناء عدن.

- تسليم قوافل الإغاثة للحوثيين مباشرة دون الإشراف على توزيعها، رغم علم المنظمة بأن الحوثيين ينهبونها ويبيعونها في السوق السوداء، والتغاضي عن ذلك.

- قوافل الإغاثة التي تقدمها الأمم المتحدة للحوثيين في مناطق سيطرتهم أكثر بكثير من القوافل المقدمة للمحتاجين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، بل وتكاد تنعدم تمامًا في بعض المناطق.

- عندما تم إدخال مواد إغاثية إلى تعز، رفضت الأمم المتحدة نقلها عبر طرق بعيدة عن سيطرة الحوثيين، وأصرت على إدخالها عبر طرق يسيطر عليها الحوثيون، مما عرض العاملين مع المنظمة للانتهاكات من قبل الحوثيين الذين نهبوا المساعدات وباعوها في السوق السوداء، ولم تصدر الأمم المتحدة حتى بيان استنكار جراء ذلك.

- ذكرت تقارير إعلامية أن الأمم المتحدة تسترت على استخدام الحوثيين لقنابل عنقودية في بعض مناطق الاشتباكات، والأدهى من ذلك أن الحوثيين صوروا الأضرار التي خلفتها هذه القنابل وقدموها للأمم المتحدة كأدلة لإدانة التحالف العربي على استخدام قنابل عنقودية ضد المدنيين، رغم أن من قاموا بالتصوير هم من العاملين مع المنظمة من الداخل وتم تعيينهم من قبل الحوثيين للعمل معها، والأمم المتحدة تعلم ذلك تمامًا.

- تتغاضى الأمم المتحدة عن الدعم المشبوه من قبل إيران للحوثيين، مثل المخدرات والأسلحة عبر شحنات المساعدات الإنسانية التي تخضع لإشراف وتفتيش الأمم المتحدة.

- قدمت الأمم المتحدة دعمًا ماديًا للحوثيين بمبلغ 14 مليون دولار بذريعة طباعة الكتاب المدرسي، وأثار ذلك الدعم حفيظة السعودية التي ﺃﻋﺮﺑﺖ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻨﻜﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ، في مطلع نوفمبر الماضي، ﻟﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻟﺠﻨﺔ ﻣﻌﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻋﻦ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻣﺒﻠﻎ 14 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺩﻭﻻﺭ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﻮﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻤﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ، ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﻘﺪﻡ ﻟﻠﺠﻨﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻜﺲ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺠﺎﻫﻠﻬﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺟﻬﺰﺓ ﺍﻷﻣﻤﻴﺔ ﺑﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ 2216 ، ﻣﺆﻛﺪﺓ ﺃﻥ ﺩﻋﻢ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻟﻠﻤﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺍﻻﻧﻘﻼﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﺔ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺒﺮﻳﺮﻩ ﺃﻭ ﻗﺒﻮﻟﻪ.

- قدمت الأمم المتحدة للحوثيين ملايين الدولارات، تتراوح ما بين 14 و 17 مليار دولار، وفقًا لتقارير إعلامية، بذريعة نزع الألغام في اليمن، بينما في الحقيقة فإن مليشيات الحوثيين هي من تزرع آلاف الألغام في المناطق الآهلة بالسكان التي انسحبت منها، كما زرعت آلاف الألغام في الحدود اليمنية السعودية، وقد تستخدم هذه المبالغ لزيادة صناعة وزراعة الألغام بدلًا من نزعها.

- إدخال أشخاص لا توجد لهم صفة دبلوماسية أو إغاثية عبر طائرات الأمم المتحدة، وهو انتهاك صارخ للامتياز الذي منحه التحالف الخاص بعدم التفتيش وتسهيل مرور الطائرات الإغاثية، كما أن قرار مجلس الأمن 2216 ينص على تسهيل مرور الموظفين الأمميين فقط. أما الشخصيات الأخرى فيمكن لها الدخول بالطرق النظامية وعلى متن الرحلات التجارية (مطار عدن- سيؤون).

وهكذا، يتضح مما سبق أن الأمم المتحدة تقدم للحوثيين دعمًا لوجستيًا بلا حدود، ويشمل الإصرار على العمل في المناطق التي يسيطرون عليها، والتغاضي عن المساعدات التي ينهبونها ويبيعونها في السوق السوداء لصالحهم وتقدر بملايين الدولارات، وتقديم دعم مباشر بملايين الدولارات بذريعة طباعة الكتاب المدرسي ونزع الألغام.

ويبقى السؤال: ما سر هذا الدعم اللامحدود الذي تقدمه منظمة الأمم المتحدة لمليشيات الحوثيين؟ وما مصلحتها في الحفاظ على هذه الجماعة بعمقها السلالي الطائفي والتي قتلت اليمنيين ودمرت بلدهم؟!