فورين أفيرز: الانسحاب الأمريكي من سوريا سيتيح لإيران تنمية شبكة مليشياتها

يعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا واحدًا من أكثر قراراته إثارة للجدل ولمخاوف العاملين في مجال الأمن القومي في واشنطن؛ إذ إن تبعاته تتعدى الخسائر الكبيرة التي سيمنى بها الأكراد -حلفاء الولايات المتحدة في حربها ضد داعش- من الجانب التركي، بل سيصل الأمر إلى استغلال إيران الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية البالغ عددها نحو 2000 جندي في سوريا.

قبل أيام عدة، أعلن مستشار الرئيس للأمن القومي “جون بولتون” عن تصريح مختلف تمامًا عن كل ما سبق، إذ قال إن القوات الأمريكية سوف تبقى في سوريا حتى هزيمة داعش بشكل كامل، وبشرط تقديم ضمانات بالحفاظ على أمن الأكراد.

الانسحاب الأمريكي وإيران

تعد إيران أكثر الجهات المستفيدة من هذا الانسحاب، إذ سيعطيها المساحة الكافية لتوسيع شبكتها المتنامية من المقاتلين الشيعة الأجانب في سوريا. فالتصريحات الأخيرة، أعطت رسالة للإيرانيين مفادها أن واشنطن لن تكون عقبة أمام طموحاتكم، إذ إن الشروط التي أعلن عنها بولتون مؤخرًا للانسحاب لم تأت على ذكر الميليشيات المدربة والمدعومة من قبل طهران.

وكثيرًا ما صرح القادة من رجال الدين الإيرانيين، منذ قيام الجمهورية الإسلامية وحتى اليوم، عن تصدير ثورتهم إلى ما وراء حدود دولتهم. وفي حين أن هذا لم يعد واحدًا من الأهداف الأساسية لإيران، اتجهت منذ عقود إلى خلق روابط بينها وبين جماعات –شيعية على وجه الخصوص- في الدول التي تعتبرها هامة لأمنها، إذ ترتبط إيران بعدد من العلاقات مع جماعات في أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان وسوريا واليمن، ودول أخرى.

اعتمدت طهران على شن حروبها بالوكالة، وبالأخص عن طريق حزب الله اللبناني، كما استفادت من المقاتلين التابعين لأطراف أخرى، مثل الإرهابيين والميليشيات. تستغل إيران الجماعات التابعة لها في داخل الدول لمحاربة أعدائها، وتوسيع إستراتيجياتها، وتعويض عجزها العسكري.

الأكثر أهمية من ذلك، أن هذه الجماعات تتيح لإيران توسيع نطاق وصولها إلى ما تسمى “المناطق الرمادية” الواقعة ما بين السلام والصراع، مثل سوريا والعراق، كما تتيح أيضًا لها إنكار تدخلاتها في الدول، والتقليل من تكاليف انخراطها في الأزمات المحيطة.

عندما بدأت الحرب الأهلية السورية عام 2011، صممت إيران على دعم حليفها بشار الأسد، ولكن الأصوات التي خرجت ضد التدخل الإيراني المباشر في سوريا، دفعها إلى تجنيد شيعة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، للقيام بمهامها في سوريا.

وبينما تقوم إيران بدعم جماعات من لبنان والعراق منذ فترات طويلة، كان إدخال الشيعة من جنوب آسيا أمرًا جديدًا، مثل فيلق “فاطميون” الأفغاني، ولواء “زينبيون” الباكستاني. حتى الآن، جهزت طهران ونشرت الآلاف من مقاتلي هذه القوات في سوريا، واعتمدت على تجنيد الأطفال للقتال كذلك.

على الرغم من أن شبكة المقاتلين الشيعة الأجانب التابعة لإيران قوة لا يستهان بها، إلا أن الانسحاب الأمريكي سيعمل على تزايد قوتها، فدون التزام أمريكي بمواجهة إيران في سوريا، سوف تتوسع شبكة ميليشياتها وتنمو، مستغلة بذلك الفراغ الذي تركته واشنطن، وهو هدف إيراني قديم ظل محكومًا بنشر القوات الأمريكية في العراق.

لا تعتمد إيران فقط على العامل الديني لتجنيد مقاتليها، بل قدمت وعودًا للمقاتلين العائدين وعائلاتهم بتوفير الإقامة والأجور والرعاية الصحية والتعليم الإيراني لهم. الآن، بعد انتهاء الحرب في سوريا، ستحاول طهران تكرار نجاحها في مناطق أخرى، بما يمكنها من تقليل تكلفة عملياتها العسكرية باستخدام القوى التي جندتها بالفعل.

هناك ندرة في البيانات الدقيقة التي تكشف حجم إنفاق طهران على ميليشياتها، ولكن في الوقت الذي تعاني فيه إيران من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، فإن زراعتها للمقاتلين الشيعة الأجانب هي أكثر الطرق فعالية من ناحية تخفيض التكلفة، إذ قال العالم الإيراني أفشون أوستوفار في هذا السياق: “إيران تنفق أقل، وربما أقل بكثير، على الدفاع من أقرب منافسيها في المنطقة، حتى بعد دعمها لعملائها في سوريا والعراق ولبنان واليمن”.

يقصد ترامب من وراء سحب القوات الأمريكية من سوريا، إخراج الولايات المتحدة من صراعات الشرق الأوسط، والتركيز على القوى العظمى، خصوصًا روسيا والصين. يمكن لهذه الرسالة أن تشجع دولًا قوية، بما في ذلك إيران، على توسيع نفوذها وشبكة ميليشياتها، لتتحول الأخيرة من تهديد إقليمي إلى تهديد عالمي يخلق مزيدًا من المشاكل على المدى الطويل للولايات المتحدة وحلفائها.

المصدر: Foreign Affairs