مركز أمريكي: إب سجلت أعلى مستويات الاقتتال الحوثي وحلقات التمرد تواجههم شمالاً

سلط مركز "تحليل بيانات الأزمات" الأمريكي ACLED، الضوء على تصاعد الاقتتال الحوثي الداخلي وجيوب التمرد بصفوفهم أو القبائل المعارضة لهم.
 
ويرى المركز في تقريره، أن تركيز الاهتمام مؤخراً على جنوب اليمن، أدى إلى حجب التطورات السياسية الأخيرة في شمال البلاد بشكل كبير، حيث واجهت مليشيا الحوثيين على مدار العام الماضي معارضة متفرقة، لكنها كانت متزايدة ضد حكمهم الواسع.
 
وبحسب المركز، أدت هذه المعارضة المحلية إلى سلسلة من الحوادث العنيفة وتصاعد الاقتتال الداخلي، الذي بلغ أعلى مستوياته منذ اغتيالهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح في ديسمبر 2017.
 
ويتابع "تشير هذه الأحداث إلى طبيعة شديدة التقلب وغير المستقرة لنظام الحكم الحوثي في جميع أنحاء شمال اليمن، كما أنها تثير شكوكاً حيال قدرتهم على إدارة السياسة في أوقات الصراع المتصاعد".
 
ومنذ اتفاق استكهولم في ديسمبر 2018، اتخذ الصـراع أشكالاً مختلفة حيث جنب الاتفاق شن هجوم عسكري وشيك للسيطرة على مدينة الحديدة من قبضة مليشيا الحوثيين.
 
ورغم حدوث تغييرات مناطقية قليلة، بيد أنها لا تزال راسخة على ما كانت عليه قبل عام.
 
وقد ساهم الاتفاق في انخفاض كبير في الوفيات الناجمة عن القتال على طول الساحل الغربي، لكن العنف تصاعد في محافظات أخرى، بما في ذلك حجة والضالع وتعز.
 
ويقول التقرير، إن مليشيات الحوثي واجهت جيوبا وحلقات معزولة من التمرد سواءً بين صفوفها أو من القبائل والجماعات المجتمعية المعارضة لحكمها.
 
وتشمل هذه الحلقات انتفاضة قبائل حجور في حجة، الناجم عن الغزو الحوثي للأراضي القبلية في وقت سابق من هذا العام، فضلاً عن سلسلة من الاشتباكات في عمران التي بلغت ذروتها مع مقتل زعيم قبلي "اتهمته" مليشيا الحوثيين بالانشقاق في يوليو، بحسب ما يراه التقرير الأمريكي.
 
ونوه إلى أنه خلال عام 2019، وقعت اشتباكات بين الفصائل في الضالع وتعز، لكن محافظة إب وسط اليمن سجلت أعلى مستويات الاقتتال بين الفصائل الحوثية المتعارضة في شمال اليمن، مسجلة رقماً قياسياً منذ اغتيالهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017.
 
واعتبر تقرير ACLED أن مدينة إب مثال جيد على كيفية محاولة الحوثيين تعزيز سلطتهم بصورة تستفز النخب المحلية.
 
ففي هذه المدينة، أعاد الحوثيون تكوين البيئة السياسية المحلية، وتشجيع الموالين من معقلهم في صعدة، وإثارة المعارضة من النخب والحلفاء المتزايد تهميشهم.
 
وتقع مدينة إب في موقع استراتيجي على مرتفعات اليمن الوسطى على طول طرق التهريب المربحة في زمن الحرب، وهي ثاني أكثر المحافظات اكتظاظا بالسكان في البلاد، يقطنها حوالي 4 ملايين نسمة، وتؤوي أكثر من 200 ألف نازح داخلي، بحسب منظمة الدولية للهجرة.
 
وكانت إب هي أول محافظة خارج أقصى الشمال تشهد اشتباكات بين الحوثيين والإصلاح خلال صيف عام 2013.
 
ففي يوليو من ذلك العام، اندلعت مناوشات في منطقة الرضمة، الواقعة في شمال شرق إب.
 
وقد تصاعد العنف في الوقت الذي طالب فيه أفراد من عائلة الدعام البارزة، وهي سلالة من شيوخ مناهضين للحوثيين، برفع نقاط التفتيش. وتم التوصل إلى اتفاق من قبل لجنة وساطة محلية برئاسة عبد الكريم الشاهري، شيخ المناطق الوسطى.
 
وفي أكتوبر 2014، اجتاح الحوثيون الحديدة بعد وقت قصير من دخولهم مدينة إب من نقطة تفتيش شمالية دون مواجهة مقاومة من القوات الحكومية.
 
وقد عقدت لجنة الأمن المحلي اجتماعاً بحضور عبد المحسن الطاووس، صهر زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي والمشرف الحوثي المعين (مشرفا) للمحافظة.
 
كما تم إبقاء بعض نواب المحافظين الرئيسيين للمؤتمر الشعبي العام في مناصبهم، في حين تم استبدال الكثير منهم بأنصار الحوثيين أو بالشخصيات القبلية القريبة من المليشيا.
 
ويقول التقرير إن الحوثيون حاولوا مرارا وتكرارا تنفيذ استراتيجية "فرق تسد" المستخدمة في المحافظات الأخرى الخاضعة لسلطتهم، عن طريق إضعاف الهياكل المحلية للسلطة وإحداث الانقسام بين القبائل أو الأسر، والتلاعب بأنظمة القبائل المحلية من خلال تعيين شيوخ من الدرجة الثانية في مناصب الدولة.
 
ويورد التقرير بعض الأمثلة توضح هذه الديناميكيات، حيث عين الحوثيون عبد الحميد الشاهري، شقيق عبد الكريم، نائباً أول للمحافظ حيث يتمتع بسلطة على شمال شرق المحافظة، ومحمد الشامي، وهو هاشمي من إب، كمدير أمن.
 
ومن خلال هذين التعيينين، تمكن الحوثيون من تفكيك جماعة قبلية مؤثرة وفرض سيطرتهم على المناطق الشمالية الشرقية للمحافظة، بينما سلموا الأمن المحلي لعضو من عائلة هاشمية بارزة لها صلات وثيقة بالدائرة الداخلية للحوثيين.
 
بالإضافة إلى ذلك، سرعان ما أسس المشرف العام للحوثيين في إب، اتصالات مع أعضاء لجنة الوساطة القبلية ومن بينهم عبد الواحد صلاح، الذي عينه الحوثيون محافظا لمحافظة إب في أغسطس 2015، وكذلك أشرف المتوكل، تم تعيينه نائباً للمحافظ في أغسطس 2016، وإبراهيم الموسوي، وهو هاشمي آخر أصبح مدير مكتب الشباب والرياضة، وطارق المفتي، وهو هاشمي تم تعيينه عضوا في مجلس الشورى في أبريل 2018.
 
وفي سبتمبر 2018، شمل التعديل الجديد القيادة العسكرية والأمنية المحلية. حيث تم تعيين أبو علي العياني، المشرف العسكري للحوثيين، قائداً لمحور إب واللواء 55، وتم تعيين يحيى مودع، المشرف الأمني للحوثيين، رئيسا للأركان في قوات الأمن المركزي، كما تم تعيين أبو هاشم الدحاني مديرا للأمن السياسي.
 
وفي محاولة أخرى لتشديد قبضة أنصار صعدة على المحافظة، قام الحوثيون في أكتوبر بتعيين المشرف العام الجديد من صعدة، صالح حاجب، نائباً للمحافظ للشؤون الأمنية.
 
وبعيدا عن كونها تعديلات روتينية، يقول التقرير "فقد نتج عن هذه التغييرات الأخيرة إقصاء النخب المحلية من المواقع العسكرية والأمنية الرئيسية في المحافظة، بل وتم ترقية الموالين للحوثيين من صعدة، مع استثناء وحيد وهو عبد الحافظ السقاف".
 
وتنعكس هذه التغييرات في الوضع الأمني غير المستقر للمحافظة، والذي تراجع منذ ذلك الحين إلى حالة من عدم الاستقرار المتزايد.
 
ومن سبتمبر إلى أكتوبر 2018، شهدت المحافظة تصاعداً في أعمال العنف ضد المدنيين وفي الاشتباكات، بدافع كبير من النزاعات على الأراضي والتي شملت جماعات محلية مرتبطة بميليشيات الحوثيين.
 
وقد بدأ الاقتتال الداخلي في مارس 2019، عندما اشتبكت الفصائل الحوثية الموالية للسقاف مع الموالين لأبو على العياني.
 
واندمج الصراع السياسي على المؤسسة الأمنية مع الخصومات القبلية الموجودة سابقا في نهاية المطاف، وتسبب في معارك عنيفة.
 
وفي يونيو 2019، اشتبكت قبيلة بابكر، المدعومة من السقاف، مع قبيلة سفيان، مما أدى إلى مقتل نائب محافظ إب إسماعيل عبد القادر السفياني في شوارع مدينة إب.
 
واعتبر التقرير الأمريكي، أن الاقتتال الداخلي كان مدفوعاً إلى حد كبير بوجود خلاف بين النخبة المحلية في إب والموالين للحوثيين من صعدة. فبعد اغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017، سارع الحوثيون بالسيطرة على مؤسسات الدولة، واستبدلوا المؤيدين المحليين والفروع التابعة للمؤتمر الشعبي العام بمتشددين مقربين من الدائرة الداخلية للحركة التي تنحدر من المرتفعات الشمالية.
 
وقد أدى ذلك إلى تداخل متزايد بين المواقف الرسمية للسلطة والأدوار السياسية داخل حركة الحوثيين، مما أدى إلى بروز رد فعل النخب المحلية والجماعات القبلية التي ازداد تهميشها من قبل الحوثيين المستبدين.
 
في حين أن الحوثيين تمكنوا حتى الآن من ترويض التداعيات الخطيرة المحتملة لمثل هذه الأحداث، فإنهم ربما يكافحون لفرض حكمهم في حالة بقاء جيوب المقاومة هذه أو تنشيطها.
 
ونظراً لركود الصراع وكون التصعيد العسكري لم يعد وشيكاً، فقد يشكل إبقاء جبهة المقاومة الداخلية موحدة أكبر تحدٍ لحكم الحوثيين في المستقبل، يختتم المركز تقريره.