مظاهرات العراق والإطاحة بالجنرال الساعدي.. هل تحاول طهران نقل تجربة "الحرس الثوري" إلى العراق؟

واصلت حصيلة القتلى الارتفاع، السبت، نتيجة إطلاق قوات الأمن العراقية النيران على المتظاهرين المحتجين ضد عدة أمور، بدايةً من الفساد الحكومي، وحتى تردي الخدمات العامة، والبطالة، لكن برز موضوع آخر كان هو الدافع المحرك لكثيرٍ من المتظاهرين: نقل "بطل حرب" محبوب شعبياً من منصبه والاعتقاد بأنَّ إيران هي مَن تقف خلف هذه الخطوة.

وخرج العديد من المتظاهرين في بغداد وغيرها من مدن الجنوب العراقي يحملون ملصقات لعبدالوهاب الساعدي، الذي انتُزِع بطريقة غير رسمية من منصب نائب مساعد جهاز مكافحة الإرهاب، في أواخر سبتمبر/أيلول، وأعيد تكليفه بوظيفة إدارية.

من هو الجنرال الساعدي؟

يعتبر المتظاهرون الساعدي "بطلاً قومياً" انتصر في المعركة ضد تنظيم داعش، والآن بدلاً من مكافأته يعاقبه رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي.

ونُقل الساعدي، الذي كان يشغل منصب نائب قائد جهاز مكافحة الإرهاب، في 27 سبتمبر، إلى وزارة الدفاع العراقية. وهذا هو المكان الذي ينقل إليه أفراد الجيش أحياناً كنوع من العقوبة، حيث يمنعون من تنفيذ أية مهام والتقيد بأعمال مكتبية مملة.

وفيما بدت أنها نية لتفسير هذا النقل، زعم عادل عبدالمهدي، في 29 سبتمبر، أن الساعدي أجرى "زيارات متكررة لسفارات أجنبية، وهو أمر غير مسموح به".

وسخر العديد من المدونين من تعليقات عبدالمهدي على الشبكات الاجتماعية، وقالوا إن هذه الاتهامات تشبه تلك التي توجه للصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، بأنهم "يعملون لصالح سفارات أجنبية"، ولاسيما الأمريكية والبريطانية.

وحين سئل عن سبب النقل، قل الساعدي، في بيان صحفي "رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الأول الركن طالب شغاتي هو من تقدم بطلب النقل لرئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، بعد اجتماع مجلس الأمن الوطني الذي عقد منذ عدة أيام".

وأضاف الساعدي، البالغ من العمر 56 عاماً: "يبدو أن هناك اتفاقاً في الخفاء على تغيير القادة، وهذا الأسلوب لا يتناسب مع التضحيات التي قدمتها القوات المسلحة في الحرب ضد تنظيم داعش. لم أرغب في تنفيذ الأمر الحكومي بالالتحاق بإحدى الدوائر التابعة لوزارة الدفاع، وأفضل الإحالة إلى التقاعد، رغم عدم بلوغي السن القانونية بعد".

عوامل أخرى تقف خلف استبعاده

وبينما يشير بيان الساعدي إلى وجود صراع داخل جهاز مكافحة الإرهاب بينه وشغاتي، فلا يبدو هذا سبباً كافياً لإنهاء وجوده في الميدان. لكن هناك عوامل أخرى تقف خلف هذا النقل، وهي تتعلق بشعبيته الواسعة التي تفوق جميع قادة الجيش ووحدات الحشد الشعبي المدعومة من إيران.

إذ تثار تكهنات بأن السياسيين في العراق لا يشعرون بالارتياح إزاء تنامي شعبية الساعدي بين العراقيين. إضافة إلى أن بعض العراقيين يرغبون في أن يأتي الساعدي بديلاً لعادل عبدالمهدي في رئاسة الحكومة.

من جانبه، قال رحمن الجبوري، باحث كبير في معهد الدراسات الإقليمية بالجامعة الأمريكية في السليمانية لموقع المونيتور الأمريكي: "في دولة تحكمها السياسة والإجماع السياسي، لا يوجد قرار واحد غير نابع من خلفية سياسية. جزء من مشكلة الساعدي مردَه إلى سياسة المحاور في الدولة، فهو أخطأ في الاعتماد على الدعم السياسي الذي حظي به".

وأضاف الجبوري: "هناك من يرغبون في تصوير جهاز مكافحة الإرهاب بأنه مؤسسة تشهد نزاعات داخلية، لأن هذا سيسمح للآخرين بمهاجمته باعتباره قوة مقربة من الدولة وحِلف الولايات المتحدة".

ولا يتبع جهاز مكافحة الإرهاب وزارة الدفاع العراقية، ولديه كذلك قوانينه الخاصة. والقوات الأمريكية هي من أسسته، وتقدم الدعم والتدريب لمقاتليه وقياداته. وفي أحدث المعارك ضد داعش، لم يتخذ الجهاز قراراته بمشاركة القطاعات الأخرى، وكان قادة الجهاز هم الوحيدين الذين أطلعوا على تفاصيل خطط المعركة.

قرار استبعاد الساعدي لم يصدر من داخل العراق

وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال مسؤول عراقي -رفض الكشف عن هويته- إن الولايات المتحدة تعتبر جهاز مكافحة الإرهاب "قوة مستقلة" مقربة لها، لكن يبدو أن إيران تسعى لاختراق هذه القوة.

وضغط قادة بعض فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران من أجل إقالة الساعدي. وأضاف المسؤول: "كان الهدف الأساسي هو إقالة الساعدي، واستبدال آخر مقرب من إيران به حتى تتوقف قوات مكافحة الإرهاب عن اعتراض سبيل هذه الفصائل".

ويتفق هذا التصريح مع ما قاله أحد المقربين للساعدي إلى موقع المونيتور الأمريكي. إذ قال "قرار نقل الساعدي لم يصدر من داخل العراق. إذ مارست إيران والموالون لها ضغوطاً من أجل ذلك؛ لأن الساعدي سلبهم أهميتهم العسكرية بعد الشعبية الواسعة التي نالها".

وكشف جهاز مكافحة الإرهاب، للمونيتور، أنَ عبدالمهدي أبلغ شغاتي، وقادة سياسيين وشيوخاً في النجف غير معروفين، قبل إعلان قرار نقل الساعدي للإعلام.

لهذا خرج الناس إلى شوارع الموصل للتعبير عن دعمهم للساعدي، إلى جانب أن عدداً هائلاً من مستخدمي الشبكات الاجتماعية أعربوا عن رفضهم للقرار على صفحات الإنترنت، وأعلنت كذلك غالبية التكتلات السياسية معارضتها للقرار.

نقل تجربة الحرس الثوري

وفي 27 سبتمبر، قال رئيس وزراء العراق السابق حيدر العبادي، في تغريدة على تويتر: "ما هكذا تكافئ الدولة مقاتليها الذين دافعوا عن الوطن..! بالتأكيد هناك سياقات لتغيير أو تدوير المواقع العسكرية والأمنية، لكن يجب أن تكون على أساس المهنية وعدم التفريط بمن قدموا للشعب والوطن في الأيام الصعبة، هل وصل بيع المناصب إلى المؤسسة العسكرية والأمنية؟!".

من جانبه، أعرب المحلل السياسي العراقي نجم القصاب عن اعتقاده بأن إيران هي من تقف وراء نقل الساعدي.

وقال القصاب في لقاء تلفزيوني: "إيران تحاول نقل تجربة الحرس الثوري من طهران إلى العراق، عن طريق جعل القوات المسلحة أكثر ضعفاً وأكثر هشاشةً… إضعاف وتجميد ونقل شخصيات عسكرية وأمنية قيادية. وبالتالي قرار نقل الساعدي ما هو إلا مخطط من قبل الموالين لإيران".