ترجمة- كيف تحولت إيران من استخدام الحوثيين ووكلائها إلى العدوان العسكري المباشر؟

*مركز "المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب" الدولي

منذ تخلي إيران عن سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي تبنتها في مايو 2019، عقب إعلان الرئيس الأمريكي، ترامب، في مايو 2018، بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات ضدها، بدأت طهران في عدد من العمليات الهجومية في منطقة الخليج. وتهدف الهجمات العدوانية التي اتخذتها إيران في الأشهر الأخيرة إلى إلحاق خسائر بالولايات المتحدة وحلفائها رداً على استراتيجية "الضغط القصوى" التي تبنتها واشنطن وحلفاؤها.

تهدف هذه الهجمات العدوانية أيضاً إلى رفع سعر النفط من خلال أعمال التخريب ضد ناقلات النفط والبنية التحتية المتعلقة بالنفط في المملكة العربية السعودية، في محاولة للحد من الضغوط الاقتصادية التي تمارس على إيران.

وحسب تقييمنا، ترغب طهران في كسب قوة مساومة وأداة نفوذ لاستخدامها في المفاوضات المستقبلية مع الولايات المتحدة.

تشير أنماط السلوك الإيرانية إلى تفضيلها المتزايد للعمل المباشر (حتى لو صاحب ذلك إمكانية الإنكار) على استخدام وكلائها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الحالية لإيران. هذا لا يعني أن إيران توقفت عن استخدام الوكلاء في التصعيد المستمر في الخليج. بيد أن معظم العمليات العسكرية التي نسبت إلى إيران في الأشهر الأخيرة نفذتها وحدات عسكرية إيرانية أو قيادتها، بما في ذلك: الهجوم على ناقلات النفط في الخليج (مايو ويونيو 2019)، إسقاط طائرة جوية أمريكية بدون طيار (يونيو 2019)، الاستيلاء على ناقلات النفط الإماراتية والبريطانية (يونيو ويوليو 2019)، الهجوم على المنشآت النفطية السعودية باستخدام صواريخ كروز وطائرات بدون طيار (سبتمبر 2019).

وبحسب أدق المعلومات المتاحة لنا، فقد نُفذت هذه الهجمات دون تدخل كبير من فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الذي يقوده قاسم سليماني، والمسؤول عن الحملة الإقليمية الإيرانية باستخدام الوكلاء، بل كانت بشكل مباشر بقيادة إيرانية من مستويات عليا.

يمكن أن يعزى التحول الواضح في استراتيجية إيران هذه إلى عدة أسباب محتملة:

*الأهمية القصوى التي توليها إيران لجهودها الرامية إلى رفع العقوبات الأمريكية. ترى القيادة الإيرانية أن إزالة الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها هي المصلحة الوطنية العليا. لذلك تفضل العمل مباشرة من خلال القوات الإيرانية بدلاً من الاعتماد على الوكلاء.

*فعالية وجودة المنظمة الإرهابية الوكيلة أقل عموماً من فعالية القوات الإيرانية. يتطلب القيام بعمليات معقدة من قبل هيئات مختلفة وفي مواقع مختلفة مستويات عالية من التنسيق والسيطرة من قبل القيادة العليا واستخدام القدرات العسكرية التي عادة ما تكون السمة المميزة للقوات الإيرانية وحدها. لذلك، تفضل إيران تقليل الاعتماد على المنظمات التي تعمل بالوكالة، أو يمكن، استخدامها كجزء من العمليات التي تتم تحت قيادة القوات الإيرانية في أمور ثانوية، كما فعلت مليشيا الحوثي عندما تبنت الهجوم على منشآت النفط السعودية في 14 سبتمبر الماضي.

*زيادة الشعور الإيراني بالثقة، مما يشجعها على اتخاذ إجراءات هجومية مباشرة وأكثر جرأة، مع استعداد أكبر لتحمل المخاطر. ويعزى ذلك جزئياً إلى تقييم مفاده أن الرئيس الأمريكي والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى غير مهتمين بالمواجهات العسكرية.

*إحداث تغييرات في هرم الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك تعيين حسين سلامي قائداً لها، للمساهمة في تغيير الاستراتيجية العسكرية الإيرانية.

*صراعات داخلية بين القيادة العسكرية الإيرانية وجهد كبير من كبار القادة، بمن فيهم أمير علي حجي زاده، قائد قوات الفضاء الجوية في الحرس الثوري الإيراني، لإثبات تصميمهم وقدراتهم على تحقيق توجيهات المرشد الأعلى الإيراني للرد بـ"أقصى قدر من الضغط" على السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة عن طريق زيادة "المقاومة" الإيرانية.

*على الرغم من التغيير الكبير في طريقة عمل إيران، لكن بحسب تقييمنا، لا تسعى إيران إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل فهي تدرك خواطرها، وتفضل بدلاً من ذلك، اتباع سياسة تضعها على شفا كارثة، وتختبر باستمرار "قواعد اللعبة". من الواضح أن إيران مستعدة لتحمل مخاطر محسوبة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، من خلال تنفيذ عمليات هجومية مباشرة، وليس عن طريق الوكلاء.

نفذ الهجوم بالقرب من ميناء الفجيرة على الأرجح من قبل قوة تابعة لقوات الكوماندوز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، التي أعطبت ناقلات النفط الأربع. خلصت نتائج التحقيق الدولي، الذي تم إجراؤه تحت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، أن الهجوم المتطور والمنسق بشكل جيد قد قام به العديد من الغواصين باستخدام زوارق سريعة للوصول إلى الناقلات وإلحاق الضرر بها عن طريق وضع الألغام الأرضية على جوانبها.

يبدو أن عملية إعطاب ناقلتين نفطيتين في خليج عمان في 13 يونيو 2019، نفذت على ما يبدو بواسطة قوة بحرية تابعة للحرس الثوري الإيراني. ألقى مايك بومبو، وزير الخارجية الأمريكي، باللوم على إيران في الهجوم الذي استند إلى المخابرات الأمريكية، ونوع السلاح المستخدم، والدرجة العالية من الخبرة اللازمة لتنفيذ العملية، وتاريخ الهجمات الإيرانية السابقة على السفن في المنطقة، وحقيقة أنه لا يملك أي وكيل إيراني يعمل في المنطقة الموارد والمهارات اللازمة لتنفيذ مثل هذا الهجوم المتطور للغاية. بعد ساعات قليلة من الهجوم، نشرت البحرية الأمريكية فيديو يظهر قوة من الحرس الثوري الإيراني تزيل لغماً فشل في التفجير من أحد جانبي الناقلة المستهدفة.

كان الهجوم على منشآت النفط السعودية في منتصف سبتمبر وقحاً بشكل خاص وعكس استعداد إيران لتحمل مخاطر أكبر مما كانت عليه من قبل لتقليل الضغط الذي فرض على قدرتها على تصدير النفط.

حاولت إيران إبراز الهجوم كجزء من الحملة المستمرة من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم. لكن المعلومات حول الهجوم، تشير إلى تورط إيراني مباشر في الهجوم على المنشآت النفطية السعودية.

وأشار تقرير استخباراتي، تم الكشف عنه في 1 أكتوبر 2019 من قبل المعارضة الإيرانية (والذي ربما كان بمثابة قناة للمعلومات مصدرها أجهزة المخابرات الأجنبية)، إلى أن قرار ضرب المنشآت وافق عليه المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وتحت قيادة المرشد الأعلى، علي خامنئي.

ووفقاً لهذا التقرير، تم التخطيط للهجوم من قبل قائد مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي، غلام علي راشد، وقائد قوة الفضاء الجوية في الحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجيزاده، ونُفذ من المنطقة الحدودية إيران - العراق، مع إشراك كبار المسؤولين في قوات الحرس الثوري الجوية وألوية الصواريخ الارضية.

العملية استثنائية بشكل خاص لأنه منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية، لم تستخدم إيران أنظمة الصواريخ من داخل حدودها ضد أعدائها إلا نادراً. ولم تطلق صواريخ من أراضيها باتجاه أهداف أمريكية أو إسرائيلية أو سعودية، ولكن فقط ضد أهداف المعارضة الإيرانية والأكراد وأهداف داعش في سوريا.

أسباب محتملة للتحول في الاستراتيجية العسكرية لإيران

على مر السنين، فضلت إيران العمل من خلال الوكلاء لإخفاء مشاركتها ومسؤوليتها، مما يقلل من خطر دفع تكلفة سياسية أو عسكرية عن أفعالها.

لكن تغير هذا النمط، على الرغم من أن إيران لا تزال تسعى جاهدة للحفاظ على درجة من الإنكار للحد من المخاطر التي تنطوي عليها هذه الهجمات، وذلك من خلال العمل السري، باستخدام القواعد الموجودة في المناطق الحدودية لإيران، وتحميل مسؤولية جماعات أو منظمات تعمل بالوكالة كـ(الحوثيين، حزب الله) عن الأعمال التي تنفذها إيران مباشرة.

ترتب استخدام الوكلاء، على سبيل المثال، المتمردون الحوثيون في اليمن، في تحقيق الأهداف الإيرانية في الخليج، وأهمها إعاقة تدفق إمدادات النفط العالمية وبالتالي رفع تكلفة النفط، وأجبرت إيران على رفع مستوى الدعم واستخدام المزيد من الأدوات المتقدمة، بما في ذلك الأسلحة المتطورة.