مليارات المانحين تتخم المنظمات الأممية وسط توسع رقعة الكارثة الانسانية في اليمن
رغم المؤتمرات السنوية التي تعقد للمانحين لتمويل خطط الاستجابة السنوية للأمم المتحدة في اليمن، على مدى سبع سنوات، واعلان تعهدات المانحين بنحو 20 مليار دولار، إلا أن الاقتصاد اليمني ما زال يعاني من أزمات خانقة وواصلت العملة المحلية التهاوي المتسارع وزاد عدد الفقراء.
الأموال المعلنة مُنحت لعشرات الوكالات التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية المحلية، ومن بين أكبر المنظمات التي تلقت هذه الأموال، برنامج الغذاء العالمي وصندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة يونسيف، وبرنامج الغذاء العالمي، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والمنظمة الدولية للهجرة، وأطباء بلاحدود، وغيرها العشرات من المنظمات ووكالات الإغاثة، والشركاء المحليين في الداخل اليمني.
غالبا ما يتم توجيه المساعدات نحو الحلول الطارئة، قصيرة الأجل، وحسب مراقبين فإن المكاسب الاقتصادية من المساعدات الإنسانية محدودة للغاية وأحيانا معدومة كونها مساعدات غذائية عابرة، وليس لها تأثير في الحد من الفقر، إذ لا يستفيد المحتاجون منها بقدر استفادة أطراف الصراع التي تقوم بتوزيع معونات الإغاثة على الموالين لهم بل وصرفها أحيانا على جبهات القتال الحرب أو يتم بيعها في السوق السوداء وتخلق تجارة داخل النشاط الاقتصادي الموازي.
ولم تمنع مليارات الدولارات من المساعدات في وقف تهاوي العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، وزيادة معدلات البطالة، حيث يعيش حوالي 80% من اليمنيين في حالة فقر، مقارنةً بأكثر من 50% في عام 2014، ويحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات.
وقد أدى ارتفاع الأسعار وزيادة حالات النقص إلى تعرض 8.4 ملايين يمني لخطر المجاعة، ويقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن أكثر من 75% من السكان في حالة طوارئ.
ويقدر البنك الدولي أن حوالي ثمانية ملايين يمني فقدوا وظائفهم منذ بدء الحرب في عام 2015، وبلغ معدل البطالة الرسمي بالفعل أكثر من 50 % في عام 2014. ومن المرجح الآن أن يكون أعلى من ذلك بكثير.
يقول الخبير الاقتصادي عبدالسلام الاثوري انه تم خلال السنوات الماضية تجميع المليارات بمتوسط 2.5 مليار دولار سنويا، يتم التصرف بها من قبل المنظمات ويذهب منها فقط الي الشعب اليمني بحدود 45% والباقي تذهب مصاريف ونفقات تشغيلية وادارية للمنظمات والقائمين عليها.
وأكد الاثوري في تصريح لوكالة خبر أن هذه المساعدات بحد ذاتها تمثل مشكلة وسبب في إضعاف النشاط الاقتصادي المحلي، لافتا إلى ان هذه المبالغ لو كان تم توظيفها في دعم المرتبات والاعاشات النقدية المباشرة كان افضل من تقديم السلع، مشيرا إلى أن أغلب السلع يتم توريدها بأسعار مبالغ فيها وخارج إطار المعايير والمواصفات.
وتحدث الاثوري ان المنظمات تمارس فساداً كبيراً فيها، فيما الحكومة للاسف لم تتحرك في هذا الاتجاه بما يفرض شروط الاستفادة من هذه المساعدات والتي تقدم أغلبها من دول التحالف العربي مثل السعودية والإمارات، يتم تقديمها كمجاملات للأمم المتحدة التي اتخذتها وسيلة للمتاجرة بمعاناة الشعب اليمني .
وقال :"كان يكفي أن يتم مصارفة تلك الأموال عبر البنك المركزي لكان الأمر وفى الكثير من الفوائد الاقتصادية وحماية العملة اليمنية من الانهيار وحافظ علئ أسعار السلع والخدمات بمستوى افضل من حالات التضخم الجامح".
وكانت وزارة المالية اليمنية قد كشفت في بيان أن "المساعدات المالية الدولية الواردة لليمن عبر المنظمات الإنسانية تصل بالدولار الأميركي، لكنها لا تدخل الحسابات البنكية إلا بعد مرورها بعمليات صرف في السوق السوداء، وهو ما يفقد هذه المساعدات نحو 54 % من قيمتها".
من جهته يؤكد الصحفي والباحث السياسي وضاح اليمن عبدالقادر أن حجم المبالغ الهائلة التي اعتمدها المانحون لتمويل خطط الاستجابة الإنسانية في اليمن لم يكن لها الأثر الايجابي لعدة أسباب منها عدم وجود رؤية حقيقية لدى منظمات الأمم المتحدة فيما يخص خطط الاستجابة على أرض الواقع وخضوع سياسة تلك المنظمات لمزاج اللوبيهات التي تعمل داخل تلك المنظمات بما يخدم أطراف أو جماعات معينة وبالأصح وعلى وجه الدقة وفق املاءات جماعة الحوثي خصوصا في مناطق سيطرتها في ظل بقاء مراكز تلك المنظمات في مناطق سيطرتهم .
وقال وضاح اليمن في تصريح لوكالة خبر ان بقاء الحكومة اليمنية خارج نطاق الاشراك في خطط الاستجابة، أسهم في انعدام أي اثر لهذه المساعدات بحيث انه من المفترض أن يتم الأمر بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي .
وأضاف "فساد المنظمات الشريكة في خطط الاستجابة مع منظمات الأمم المتحدة خلق حالة إثراء لتلك المنظمات والقائمين عليها لعوامل عدة منها غياب الرقابة والجبايات التي تفرض عليها أيضا في مناطق عملها سواء في مناطق سيطرة الحوثي وهي الأكبر أو بعض مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ، بحيث تذهب أغلب المبالغ المعتمدة كمصاريف إدارية ورواتب باهظة للموظفين فيما يذهب منها القليل لخطط الاستجابة الفعلية".
وذكر بحملة أين الفلوس التي قام بها عدد من الناشطين والتي كشفت حجم الفساد المهول في المبالغ المقدمة من المانحين، وقال "كان يجدر بها أن تستمر لايجاد آلية رقابية لعمل تلك المنظمات بما يمنع تكرار واستمرارية الفساد" .
بالمقابل أكدت مجموعة الأزمات الدولية، وفي تقرير حديث لها أن المساعدات الإنسانية ضرورية على المدى القصير، ولكنها في نهاية المطاف حل مكلف للغاية لمشكلة لا يمكن لأي قدر من المال أن يحلها.
ويؤكد ذلك تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، الذي أكدت فيه إن الناتج المحلي الإجمالي لليمن انكمش بنسبة 50 % بين عامي 2014 و2020، برغم مليارات الدولارات من المساعدات المعلنة.
11 مليون جائع
وقال برنامج الغذاء العالمي، إن نحو 11 مليون شخص وصلوا إلى مستوى"الأزمة" المصنفة على أنها المرحلة 3 في التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي قبل المجاعة، بينما وصل 5 ملايين شخص آخر إلى مستوياتالطوارئ المرحلة (4)، ووصل 47 ألف شخص إلى كارثة أو مستويات شبيهة بالمجاعة، وهي المرحلة (5) من انعدام الأمن الغذائي.
وكشف برنامج الغذاء العالمي في تقرير حديث له، عن تضاعف عدد المديريات اليمنية التي تعاني من ظروف المرحلة الرابعة التي تسبق المجاعة بمقدار 3 أضعاف مقارنة بالعام 2018م، مؤكدا أن عدد المديريات اليمنية التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي بلغت 154 من أصل 333 مديرية، مقارنة بـ49 مديرية فقط قبل ثلاثة أعوام تقريبا.
ووفقا للبيانات الواردة، يعاني نحو16.2 مليون شخص يمني من انعدام الأمن الغذائي الحاد، حتى مع وجود المساعدات الغذائية التي تقدمها المنظمات الاغاثية والانسانية العاملة في البلد.
وتضمنت مظاهر شدة انعدام الأمن الغذائي الحاد في التصنيف المرحلي لانعدام الأمن الغذائي الحاد (تخطي أيام دون تناول الطعام، والبحث عن الأطعمة البرية أو الضارة، وإرسال الأطفال إلى الأقارب، وبيع الأصول المنزلية والإنتاجية للطعام، والتسول، والبحث عن فرص عمل غير مشروعة، كأن تصبح مقاتلاً، أو أن تبحث عن هجرة اقتصادية إلى دول الخليج أو أوروبا).
ويحتاج أكثر من 20 مليون شخص في اليمن إلى المساعدة الإنسانية أو الحماية، حيث لا تزال المساعدة العاجلة المنقذة للحياة ضرورية، في حين تتضاعف الحاجة إلى ايجاد استثمارات كبيرة في الاقتصاد والبنية التحتية وإعادة التأهيل المؤسسي لمنع الانزلاق نحو مزيد من الفقر، ومساعدة البلاد على التعافي، حسبما يشير التقرير.
ثلاثة أرباع الأطفال
فيما قالت منظمة الصحة العالمية، إن 3 من بين كل 4 أطفال يمنيين يعانون من سوء التغذية المزمن.و ذكرت المنظمة في تغريدة على حساب مكتبها في اليمن على "تويتر": "يعاني 16.2 مليون يمني (54% من عدد السكان) من انعدام الأمن الغذائي".
وبقدر ما تكون هذه الأرقام المعلنة من المنظمات الأممية وسيلة للاستعطاف واستجلاب المنح والمساعدات، لصرفها كنفقات تشغيلية، إلا انها تؤكد مدى فشل الاستراتيجية الاممية في معالجة الكارثة الانسانية، وفسادها وعجزها عن الحد من الأمن الغذائي او الصحي، وأن المبالغ المعلنة تبتلعها عصابات ولوبيات الفساد في المنظمات الأممية ولا تذهب للمواطن اليمني منها شيء.
للمزيد..
- فساد الأمم المتحدة في اليمن يتشابك مع فساد طرفي الصراع
- خبير أسترالي يكشف كيف تدعم الوكالات الأممية آلة الحرب الحوثية