الحرب الحوثية تُغرق اليمن في مستنقع الأمراض المعدية والحميات.. الرمد وحمى الضنك يجتاحان المناطق المحررة

تجتاح الأمراض والأوبئة اليمن بشكل مقلق، جراء ما تعاني منه مؤسسات الدولة من تجريف تسببت به الحرب التي اندلعت في البلاد عقب انقلاب مسلح نفذته مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، وانعكس على خدمات جميع القطاعات، ليظهر أكثر من 26 نوعاً من هذه الأمراض في مناطق سيطرة الأخيرة لوحدها، بعض منها ظهر أيضاً في المناطق التابعة للحكومة.

القطاع الصحي، واحد من القطاعات التي انعكست الحرب على خدماته، حيث خرج أكثر من 50 في المئة من خدماته عن الخدمة، فيما يعاني بقية القطاع من نقص حاد في التمويل سواءً من الحكومة أو المنظمات، علاوة على تغول الفساد فيه وتعرض ما يحصل عليه من دعم للنهب بمنهجية.

كل ذلك كان سبباً في عودة ظهور العديد من الأوبئة والأمراض المعدية والحميات، في البلاد بعد أن كانت قد تخلصت منها شبه كلي، وفق تقارير دولية.

ففي محافظة مأرب، شرقي البلاد، قال مصدر مسؤول في مكتب الصحة بالمحافظة، إنه سُجّل منذ مطلع العام الجاري 2125 حالة إصابة بـ”حمى الضنك“، ولم يتم تسجيل أي حالة وفاة حتى اليوم.

ووفقاً للمصدر، تعود أسباب انتشار الحميات إلى الانتشار الكثيف للبعوض، المسبب الرئيس لحمى الضنك.

وبغية الحد من انتشار المرض يتوجب التخلص من المياه الراكدة، واستخدام الناموسيات أثناء النوم، وعمليات الرش، وتنفيذ حملات توعية صحية.

بالتزامن، انتشر الأيام الماضية، مرض الرمد بشكل واسع في محافظات عدن ولحج وحضرموت الواقعة في نطاق الحكومة اليمنية، خاصة بين طلاب وطالبات المدارس، والمرافق الحكومية، حيث تكمن التجمعات.

وذكرت مصادر طبية، أن مرض رمد العيون انتشر بشكل كبير، حيث سجلت آلاف الحالات في غضون الأيام الخمسة الأخيرة، وسط انتشار عدد من الأمراض المتصلة بالحميات.

وبينما أقرّت مصادر طبية في مستشفى الجمهورية بعدن، تردد عشرات الحالات إلى المستشفى، قالت إنها لا تزال من ناحية الكم والعدد في مستوياتها الآمنة.

وأكدت المصادر، أن طلب الأدوية المضادة لالتهاب العيون وتحسسها الشديد تزايد في الثلاث المحافظات، وهذا لا يعني أن مرض الرمد هو الوحيد الذي انتشر حديثاً، حيث تنتشر الكثير من أمراض الحميات في مختلف المناطق المحررة.

وحذر المختصون من إهمال الإصابة بمرض الرمد، كونه قد يؤدي إلى العمى إذا لم يتم تدارك الأمر ومعالجته في وقت مبكر.

ويمكن أن ينتقل مرض الرمد عن طريق التعامل مع الأدوات الحاملة للعدوى، مثل المناديل، كما يسبب الرمد حكة خفيفة وتهيجًا في العينين والجفون.

انتشار أكثر من 26 مرضاً ووباءً

وفي المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، ظهر أكثر من 26 مرضاً ووباءً من ضمنها أمراض الأطفال القاتلة، بحسب مصادر طبية.

في السياق، أكدت مصادر طبية لوكالة خبر، أن من بين هذه الأمراض "الحصبة، السل الرئوي، شلل الأطفال، والملاريا"، محذرة من مخاطر استمرار تدهور القطاع الصحي في البلاد، وتعرض الدعم الذي تحصل عليه بقية المرافق الصحية العاملة، من المنظمات الدولية أو تبرعات التجار، لنهب منظم من قيادات ومسؤولي مليشيا الحوثي.

في حين تقول إحصائيات وتقارير طبية، إن عدد الحالات المكتشفة بمرض السل القاتل بلغت خلال العام الماضي 2022م، ما يقارب نحو 10411 حالة مقارنة بـ8 آلاف حالة قبل انقلاب 21 سبتمبر/ أيلول 2014م. وأن زيادة عدد الوفيات بمرض السل من 6 لكل 100 ألف شخص إلى 9 لكل 100 ألف شخص من السكان.

مليشيا الحوثي، لم تكتف بعدم تنفيذ حملات لتحصين الأطفال ضد الأمراض القاتلة، ونهب المساعدات، بل قامت بقيادة وزارة الصحة الخاضعة لها بقيادة وزيرها طه المتوكل، بشن حملة تحريض واسعة مطلع العام الجاري ضد التحصين.

وقال وزيرها، في ندوة رسمية أقامتها الوزارة، إن اللقاحات وجرعات التحصين "سموم ومؤامرة يهودية وفكرة شيطانية تهدف إلى قتل ملايين البشر".

وأكدت صحة هذه التحريضات تقارير أممية، ومسؤولون حكوميون في صحة صنعاء أيضاً.

وقالت غادة شوقي الهبوب مدير البرنامج الوطني للتحصين الموسع بوزارة الصحة الخاضعة للحوثيين، إن "الأمراض التي عاودت الانتشار مجدداً هي الحصبة وشلل الأطفال النوع الثاني، وليس البري والسعال الديكي الدفتيريا"، مشيرة إلى أن الأسباب ترجع إلى عدم "تطعيم الأطفال ضد هذه الأمراض والأوبئة".

وأوضحت، خلال حديث لها مع قناة "اليمن اليوم" التي تبث من صنعاء، أن أسباب عزوف الأهالي عن تطعيم أبنائهم يرجع إلى "حملات التحريض الموجهة ضد التطعيم، وانخفاض التغطية وكذلك مستوى التطعيم عند الأطفال المصابين".

وأفادت بأن نشاط التحصين في المراكز الصحية يغطي "35 إلى 40" في المئة من السكان فقط.

في حين قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير حديث، إن اليمن "يشهد تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، بما في ذلك الحصبة".

وأضاف: "منذ بداية العام 2023 وحتى 22 يونيو، تم الإبلاغ عما مجموعه 25935 حالة يشتبه إصابتها بالحصبة، منها 1406 حالات مؤكدة مختبريا و259 حالة وفاة في جميع المحافظات".

وذكر التقرير أن هذا الرقم يمثل أكثر من 96 في المئة، من إجمالي الحالات المبلغ عنها عام 2022، وأن 88 في المئة، من الأطفال الذين تم الإبلاغ عن الاشتباه بإصابتهم بالحصبة لم يتلقوا جرعة واحدة من اللقاح، وكان من الممكن منع هذا الوضع لو تلقى هؤلاء الأطفال جرعتين أو ثلاث جرعات من لقاح الحصبة.

وهذه الأمراض ليست الوحيدة التي يعاني منها سكان البلاد البالغ ما يزيد عن 30 مليون نسمة.

وفي جميع الأحوال، تؤكد الكثير من المصادر الطبية، أن الحرب تظل السبب الأكثر خطراً في استمرار تدهور القطاع الصحي، وتفشي الأوبئة وأمراض الحميات، والأمراض المعدية، التي لم يعد تهديدها حكراً على الأطفال فقط، بقدر ما شمل البالغين.