أكثر من مجرد مشفى.. ماذا يمثل "مجمع الشفاء" لغزة وأهلها؟

باتت الأحداث التي شهدها مجمع الشفاء الطبي في غزة تشكّل محطة أساسية في الحرب التي تشنها إسرائيل بالقطاع المحاصر، وبعدما اقتحمه الجيش الإسرائيلي صباح الأربعاء، قبل الانسحاب منه بعد ساعات، تشير مصادر طبية وإعلامية متقاطعة إلى أن الأخير يواصل محاصرة المجمع بالدبابات.

ويتواجد في المشفى كوادر طبية ومرضى وأطفال خدج، ومصابون ونازحون وجثث لضحايا قضوا من جراء القصف الإسرائيلي المكثف الذي طال مناطق واسعة في شمالي القطاع. ولا يعرف مصير كل هؤلاء في الوقت الحالي، بسبب انقطاع التواصل، والحصار المفروض من كل الجهات. 

وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، مدير عام منظمة "الصحة العالمية" إن "تقارير التوغل العسكري في مستشفى الشفاء مقلقة للغاية.. فقدنا الاتصال مجددا بالطواقم الطبية في المستشفى".

وأضاف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، أنه "يجب أن تعلو حماية الأطفال حديثي الولادة والمرضى والطاقم الطبي وجميع المدنيين على جميع الاهتمامات الأخرى"، مؤكدا أن "المستشفيات ليست ساحة قتال".

وبدورها، عبرت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" عن "قلقها البالغ" إزاء عواقب الاقتحام على الطاقم الطبي والمرضى والمدنيين الذين لجأوا إلى المستشفى. 

وذكرت اللجنة الدولية أنه "يجب حماية المرضى والطاقم الطبي والمدنيين في جميع الأوقات"، مشيرة إلى أنها على تواصل مع "السلطات المعنية".

ماذا يجري الآن؟

آخر التطورات بشأن ما يجري داخل المجمع الطبي وردت على لسان مديره، محمد أبو سلمية، إذ قال لقناة "الأقصى" إن "أكثر من 900 مريض و5 آلاف نازح في المستشفى يواجهون الموت المحقق"، وأنهم "تمكنوا من دفن 82 جثة وبقيت 60 أخرى بقسم الطوارئ لا نستطيع دفنها".

من جهتها أفادت مراسلة قناة "الحرة" في قطاع غزة بأن الجيش الإسرائيلي "كان قد سحب الهواتف المحمولة للطواقم الطبية والمتواجدين داخل مستشفى الشفاء"، وسط أنباء عن قصف مدفعي ألحق أضرارا مادية بأجزاء من المجمع الطبي الكبير.  

وقالت المراسلة، إن "الجيش الإسرائيلي أجرى تحقيقات مع الأطقم الطبية والنازحين المتواجدين في المستشفى، مع تفتيشهم ومصادرة هواتفهم الشخصية".

وبحسب مراسلة "الحرة"، فإن الجيش الإسرائيلي "عمل على تفتيش الموجودين في المستشفى عبر بصمة الوجه، وهو ما يبدو تمهيدا لإخلاء المجمع الطبي، أو للبحث عن عناصر محددة مسبقا لاعتقالهم".

وأضافت: "الرعاية الطبية في مدينة غزة توقفت تقريبا، مع وجود جثث ومصابين لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول إليهم".

وفي السياق ذاته، تحدث الصحفي، خضر الزعنون، المتواجد داخل المستشفى، لرويترز، عن"حصار إسرائيلي كامل للمجمع من جميع الجهات"، مضيفا أن الجيش "قصف بالمدفعية أجزاء من المستشفى، مما ألحق أضرارا مادية بجهاز الرنين المغناطيسي وأجهزة الأشعة التحويلية وأجهزة تفتيت الحصى".  

وتابع أن الجيش الإسرائيلي تواجد داخل مبنى الجراحات التخصصية..، مشيرا إلى أن المتواجدين بالداخل "يتضورون جوعا نتيجة الحصار على المستشفى". 

وقال: "لا توجد مياه صالحة للشرب ولا مواد غذائية داخل المستشفى، كما لم تصل أي قطرة وقود للمجمع الذي يحتاج 6 آلاف لتر من الوقود لتشغيله".

"أكبر مجمع طبي"

ويعتبر "الشفاء" أكبر مجمع طبي حكومي في غزة، ويقع على مفترق طرق في المنطقة الغربية الوسطى من المدينة، ويطل على شارعي عز الدين القسام والوحدة، بين حيي الرمال والشاطئ.

ويتكون من 3 مستشفيات هي: الجراحة، والباطنية ومستشفى النساء للتوليد، ويعمل المجمع بقدرة تشغيلية تصل إلى نحو 560 سريرا، ويتبع مباشرة إلى وزارة الصحة في القطاع.

كما يضم أيضا قسم الطوارئ، ووحدة العناية المركزة، وقسم الأشعة، وبنك الدم، وقسم التخطيط، وغير ذلك من أقسام. 

برز اسم "الشفاء" في الأيام الأخيرة بشكل كبير بعد أن توغلت القوات الإسرائيلية في عمق مدينة غزة، وحاصرت مئات من المرضى والجرحى والنازحين داخله، وفقا لمسؤولي السلطات الصحية في القطاع.

ووفقا للمسؤولين أيضا فإن 32 مريضا على الأقل، بينهم ثلاثة أطفال خدج، توفوا فيه خلال الأيام الثلاثة الماضية.

"محطة بدأت بأكشاك"

وتأسس المجمع الطبي عام 1946، في عهد الانتداب البريطاني في مدينة غزة.

وكان في شكله الأولي أكشاكا صغيرة تقدم خدمات الرعاية الطبية إلى المرضى، وتطور مع الوقت فأصبح أكبر مجمع طبي في القطاع، ويعمل فيه 25 بالمئة من العاملين في المستشفيات بقطاع غزة كله، وفق وكالة "وفا" الفلسطينية.

وقبل الحرب، وبعدها أيضا، كان المجمع الطبي يقدم خدماته إلى مواطني مدينة غزة، بالإضافة إلى استقبال حالات من مدن أخرى لا تتوفر فيها مستشفيات متخصصة.

كما كان يقدم خدمات علاجية وصحية متنوعة وعمليات جراحية إلى أعداد كبيرة من المواطنين.

وفي عام 2020 قدم المستشفى خدمات علاجية إلى حوالي 460 ألف مواطن، إضافة إلى تقديم خدمات صحية إلى ما يقرب من 250 ألف مواطن في قسم الطوارئ، وقد أجريت فيه 25 ألف عملية جراحية، و69 جلسة لغسل الكلى، و13 ألف حالة ولادة.

وتوضح وكالة "وفا" أن العاملين فيه يبلغ عددهم ربع عدد العاملين في جميع مستشفيات القطاع، إذ يعمل فيه حوالي 1500 موظف، منهم أكثر من 500 طبيب، و760 ممرضا، و32 صيدلانيا، و200 موظف إداري.

"واكب تبدلات سلطة"

وبعد انتهاء الانتداب البريطاني، أصبح "الشفاء" تابعا للإدارة المصرية التي وسّعت أقسامه وزادت عدد أسرّته، وقد بقي تحت إدارة المصريين ما يقارب عقدين من الزمن، بحسب ما أوردت وكالة "وفا"

وفي عام 1967، أصبح مجمع "الشفاء" تابعا لإسرائيل بعد سيطرتها على القطاع بعد حرب يونيو، وبرز دوره حينها كنقطة مواجهة أساسية بين المواطنين وقوات الجيش الإسرائيلي.

وكان لـ"الشفاء" دور أساسي في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، إذ دارت فيه أولى مواجهاتها، حينما اقتحمه طلاب فلسطينيون لمواجهة الجنود الإسرائيليين الذين اتخذوه مركز تجمع للجيش. 

وعام 1994، أدت قوات الأمن التي كانت تسيطر عليها حركة "فتح" التحية للعلم الفلسطيني بعد رفعه فوق المستشفى عندما مُنح الفلسطينيون حكما ذاتيا في غزة، خلال عملية أوسلو للسلام.  

ثم انتقلت السيطرة الفعلية على المستشفى بعد ذلك من السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح إلى حماس بعد الفوز المفاجئ الذي حققته الحركة في انتخابات عام 2006، وبسط نفوذها العسكري على غزة عام 2007.

وبعد اندلاع الحرب الحالية في غزة تحول "الشفاء" إلى مركز لتجمع النازحين الهاربين من القصف، مثله مثل باقي المشافي الموجودة في القطاع المحاصر.

وتكرر إسرائيل اتهام حماس باستخدام مجمع الشفاء الطبي ومستشفيات أخرى كغطاء لمنشآت عسكرية وشبكة أنفاق. إلا أن الحركة الفلسطينية تنفي ذلك بشدة.