"منجل الموت" وزارع الألغام... روبوتات قاتلة تحصد أرواح الجنود الروس في أوكرانيا

كشف تقرير بث الإثنين عن دخول الروبوتات القتالية ساحات المعارك بشكل فعلي في أوكرانيا. هذه الروبوتات عبارة عن مسيّرات برية غير مأهولة يتحكم فيها عن بعد وتقوم خصوصا بزرع الألغام أو إزالتها وفتح النيران على جنود العدو لتحييدهم. فبعد أن كان الأمر مقتصرا على الطائرات بدون طيار، تريد كييف بناء "جيش الروبوتات" لمواجهة مشاكل التجنيد. في ظل هذه التطورات يروي مسؤول أوكراني لفرانس24 كيف أن بعض خطوط الجبهة باتت تشبه ما رأيناه في فيلم الخيال العلمي "ذا ترمنايتور Terminator".

بعد الطائرات بدون طيار التي أثبتت بلا شك أنها باتت ضرورية ولا غنى عنها في الحروب والإستراتيجيات العسكرية لجيوش العالم قاطبة في الوقت الراهن، وخصوصا في النزاعات الدائرة حاليا في أوكرانيا، اليمن، والشرق الأوسط، تبحث الروبوتات القتالية أيضا عن موطئ قدم لها في ساحات المعارك.

ويبدو أن الحرب الأوكرانية الروسية ستكون أرضا خصبة لظهور وتطور استخدامات هذا المقاتل المعدني بشتى أشكاله وأنواعه.

الروبوت زارع الألغام

في هذا الصدد، كشف تقرير لقناة فرانس 2 بث الإثنين، بأن الروبوتات قد دخلت الخدمة في أوكرانيا، على مختلف أشكالها، ومنها تلك العربات المعدنية الصغيرة التي يتم التحكم فيها عن بعد تتسلل بسرعة في جبهات المعارك لزرع الألغام، أو لإطلاق النار على جنود العدو وتحييدهم.

ويكشف التقرير الذي أجراه صحفيو القناة الفرنسية في غابة غير محددة تقع شرق أوكرانيا، عن موقع عسكري أوكراني سري يضم مركز قيادة يديره اللواء 63. في هذا الموقع، يمكن رؤية شاشات تتابع تقدم الطائرات بدون طيار، وأيضا الروبوتات المسيّرة البرية.

كما نرى كيف يتم تحميل الألغام على متن هذه المركبات قبل زرعها في أقرب مكان من خنادق العدو. وجاء في التقرير بأن "من بين أحد أحدث النماذج روبوت مصغر يمكنه زرع الألغام عبر فتح مزلاج يحمل اللغم قبل تحركه نحو الأمام لإسقاط اللغم على الأرض".

يقول قائد عسكري أوكراني في نفس التقرير: "إذا زرع جندي لغما على بعد أقل من 100 متر من مواقع العدو، فإن الموت يكون مضمونا. هذا الروبوت متكتم يمكنه التدحرج والتسلل ويسهل عليه التخفي بين الأعشاب". تقول القناة: "نظرا لأن عدد هذه الروبوتات لا يزال قليلا، فقد أطلقت أوكرانيا دعوة لتقديم مشاريع. ومن ثمة، تقوم الشركات والمتطوعون عبر كافة أنحاء البلاد، بإنشاء نماذج أولية جديدة".

"جيش الروبوتات ومنجل الموت"

ولعل من أبرز تلك المشاريع مبادرة "برايف وان أو Brave1" التي هي عبارة عن تعاون تكنولوجي بين قطاعي الصناعة والدفاع في أوكرانيا وهدفها إنشاء "جيش الروبوتات".

في هذا الإطار، تقول منظمة "يونايتد24 أو United24" الأوكرانية وهي منصة لجمع التبرعات بهدف دعم البلاد في الحرب مع روسيا، إنه قد تم، بفضل دعم المانحين، شراء الكثير من أنظمة القتال الروبوتية التي تعمل من خلال التحكم عن بعد ويطلق عليها شابليا أو Shablya.

هذا النظام عبارة عن تطوير فريد من نوعه ومن إنجاز مهندسين أوكرانيين من مبادرة "برايف وان" يتم إنتاجه بكثافة وقد أثبت جدارته ميدانيا بإلحاقه خسائر فادحة بالقوات الروسية، بفضل برج مدفع رشاش مركب على هذه المسيّرات الأرضية التي تساهم في تشكيل خط دفاعي وتحييد المشاة الروس والدروع الخفيفة وهي تطلق النار على مسافة تتراوح ما بين 1.2 إلى 2.2 كيلومترا، حسب يونايتد24.

تضيف المنظمة في نفس التقرير المتوفر على موقعها الإلكتروني، بأن الجيش الأوكراني "يستخدم بكثافة وحدات شابليا. تقاتل هذه الروبوتات فعلا كجزء من كتيبة ذئاب دافنشي، واللواء الهجومي الثالث والخامس، واللواء الميكانيكي 110، واللواء 123 و125 من قوات الدفاع الإقليمي، واللواء 81 الجوي".

وهي تقول إن الروس باتوا يطلقون على نظام شابليا تسمية "منجل الموت".

تعقيبا، قال سيباستيان روبلن الصحافي المختص في شؤون الدفاع والأمن والنزاعات الدولية ويعمل لدى مجلة فوربس وقناة إن بي سي نيوز الأمريكية، في تصريحات لفرانس24، إنه غالبا ما يطلق على الطائرات بدون طيار المستخدمة في حمل المعدات الثقيلة أو إعادة إمداد قوات الخطوط الأمامية اسم "البغال"، وهو وصف ملائم لها حيث إنها تؤدي وظيفتها جيدا. مضيفا: "عند الحديث عن الروبوتات القتالية البرية العملية، فالأمر يتعلق بعربات آلية مزودة بمدافع رشاشة وليس دبابات آلية".

هذا، ويظهر في فيديو نشرته قناة "فيكتوري درونز" على تلغرام الإمداد اللوجستي النموذجي الذي توفره المركبات المسيّرة البرية التي يطلق عليها الجيش الأوكراني وفق سيباستيان روبلن مسمى "الماليوك أو Malyuk". تقوم الأخيرة بتوصيل الذخائر والمؤن مباشرة إلى الجنود في الخنادق بعد أن تتسلل بكل سلاسة عبر خط الجبهة، لتعوض جنديا كان ليكون فريسة سهلة للقناصة في المناطق المفتوحة.

لكن المهمة ليست دائما سهلة للمسيّرات الأوكرانية البرية بل يتم أحيانا رصدها واستهدافها من قبل الروس بالطائرات المسيّرة كما يظهر في منشورات القنوات الموالية لموسكو على تلغرام.

كما يقوم الأوكرانيون في المقابل بتدمير المسيّرات الروسية البرية التي دخلت بدورها ساحة المعركة حيث باتت هذه العربات التي يطلق عليها "يو جي في" (UGV) إضافة هامة في هذه الحرب إلى جانب الطائرات المسيّرة.

"بعض خطوط الجبهة تذكّرنا بفيلم ذا ترمنايتور"

يوضح فولوديمير أوميليان سياسي أوكراني ووزير البنية التحتية السابق والذي التحق بالجيش بعد بدء الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط 2022، بأن الروبوتات تساعد في إنقاذ حياة جنود بلاده، ويروي لفرانس24 كيف أنهم بدأوا "في 2022 باستخدام طرق بدائية لتوفير وسائل قتالية مبتكرة لجيشنا. وقد ساعدنا ذلك كثيرا لأن الروس لم يكونوا مستعدين لمثل هذه التكتيكات. منذ ذلك الحين تغيرت أشياء كثيرة، واليوم، فإن 30 بالمئة من الدبابات والمركبات المدرعة الروسية دمرتها طائرات بدون طيار تابعة للجيش الأوكراني".

كما يقول أوميليان إن قوات بلاده قامت بنشر المركبات البرية المسيّرة المجهزة بالمدافع الرشاشة والأسلحة الأخرى في مواقع القتال لمواجهة الروس وخصوصا عبر معدات مضادة لهجمات الطائرات بدون طيار. وهو يشرح: "هناك أنواع كثيرة من المسيّرات البرية الآن في أوكرانيا لكن للأسف العدد الآن لا يزال متواضعا ويمكننا أن نتحدث رغم ذلك عن مئات الآلاف، لكننا بحاجة إلى عشرات الآلاف منها. لقد أصبح التواجد في الخطوط الأمامية أكثر من خطير، وفي الوقت الحالي تذكرنا بعض أجزاء خط الجبهة لدينا بفيلم ذا ترمنايتور Terminator".

ميدانيا، يمكن لنا في هذه المرحلة من الحرب الأوكرانية الروسية، رؤية الآداء اللافت فعلا للروبوتات الحربية بشكل عام سواء كانت جوية أو برية، وهو ما يذكرنا بأفلام الخيال العلمي.

في هذا الصدد، يمكن وفق سيباستيان روبلن رؤية في منشور على قناة واردونباس أو WarDonbass كيف يتم تدمير مركبتين روسيتين صغيرتين UGV مسلحتين بقاذفات قنابل يدوية أثناء القتال. فيديو آخر نشره حساب سلافا Slava على منصة إكس، يظهر حسب روبلن مركبة أوكرانية غير مأهولة من طراز Ironclad في ساحة المعركة.

وهو يعتبر بأن هذا يعد "أكبر ما رأيته فيما يخص استخدام أوكرانيا لهذا النوع من الأسلحة في القتال ولو أنه لا يزال على نطاق صغير". حيث يرى بأن "دور المسيّرات البرية UGVs في أوكرانيا أقل بكثير من المسيّرات الجوية غير المأهولة" وذلك لعدة أسباب، أبرزها وفقا له "صعوبة التحكم في المركبات البرية على مسافات طويلة، كما أن أرض المعركة هي أكثر تعقيدا من السماء المفتوحة أو البحر. وحتى الآن، لا يوجد سوى استخدام محدود النطاق للروبوتات البرية المسلحة من قبل الجانبين وهو بهدف الاختبار التشغيلي، على حد علمي، وكذلك في مهمات إزالة الألغام".

الروبوتات القتالية.. من سوريا إلى أوكرانيا

لكن هل تعتبر أوكرانيا أول حرب تستخدم فيها المسيّرات البرية التي يتم التحكم فيها عن بعد؟ الإجابة حسب سيباستيان روبلن هي: لا. فقد سبق لروسيا أن اختبرت المسيّرات البرية باهظة التكلفة والتي تشبه الدبابات Uran-9 في سوريا، أما في أوكرانيا فقد استخدمت مسيّرات Marker ووجدت أن أداءها كان متوسطا.

يلحظ صحافي مجلة فوربس المتخصص في قضايا الدفاع: "لكن في خريف 2023، وقع تقدم كبير في الاستخدام اللوجستي للروبوتات البرية في معركة أفديفكا، حيث بدأ الجانبان في استخدام مسيّرات برية رخيصة الثمن بأعداد كبيرة خصوصا لتوصيل الإمدادات عبر الطرق الأكثر خطورة بحيث يتم تعريض عدد أقل من الأرواح البشرية للخطر. كما بالنسبة لخطر إعادة إمداد مواقع الخطوط الأمامية المكشوفة. لذا، فخلال هذه المعركة، رأينا أيضا الكثير من اللقطات لطائرات بدون طيار تهاجم مسيّرات برية أثناء عمليات الإمداد". كما يقول روبلن إنه يتم استخدام المركبات غير المأهولة (UGV) لإجلاء الجنود الجرحى من ساحة المعركة.

من جانبه، يعتبر فولوديمير أوميليان بأن روسيا قد أدخلت تعديلات كثيرة على روبوتاتها القتالية بسبب الدعم المالي الكبير من الحكومة. وهو يقول في هذا الصدد: "يعد هذا أمرا جيدا بالنسبة لهم وأمرا سيئا بالنسبة لنا لأن لديهم إنتاجا ضخما منها. لكن، يبقى أن الأوكرانيين الذين يصممون روبوتات جديدة يعملون على أساس تطوعي مع بعض الدعم المحدود من الحكومة. رغم ذلك نحصل أحيانا على نتائج أفضل بكثير خصوصا وأن الإنتاج الضخم من قبل الدولة قد يستغرق أشهرا أو سنوات، وهو تمام الحال بالنسبة إلى روسيا. على سبيل المثال، في العام الماضي كنا نحلم بالذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار ذاتية التحكم بالكامل، أما الآن فقد أصبح هذا حقيقة. ليس في كل مكان، ولكنه يصبح قابلا للتطبيق أكثر فأكثر في ساحة المعركة، والروس ليسوا جيدين في هذا المجال بغض النظر عن الأسلحة الأخرى التي يستخدمونها بالفعل في ساحات القتال".

كما يثير صحافي قناة إن بي سي نيوز من جهته مسألة الاستثمار المالي في قطاع الروبوتات القتالية. وهو يقول إن "إبقاء المسيّرات البرية غير المأهولة عملية وفعّالة من حيث التكلفة يبدو أكثر أهمية من تطوير دبابة روبوتية خارقة، بعضها لا يمكن بناؤها بأعداد كافية لإحداث فرق، وتتطلب موارد واسعة النطاق للصيانة".

لحل مشكلة التجنيد في أوكرانيا؟

رغم ذلك، يعتبر روبلين بأن الحرب في أوكرانيا هي "المكان الذي نرى فيه لأول مرة تأثير عملياتي على الحرب للمسيّرات بدون طيار أو الروبوتات البرية وبأعداد كبيرة". وهو يردف بأنه غير مقتنع عموما برؤية "تقدم كبير في استخدام الروبوتات لتحل محل المركبات المدرعة الكبيرة في القتال، ولكن أستطيع أن أتخيل أن أوكرانيا تحرز تقدما في استخدام أجهزة استشعار التحكم عن بعد والأسلحة دفاعيا لتحل محل الجنود الذين يحرسون الخنادق على خط المواجهة".

ولعل من أبرز الأسباب التي تدفع أوكرانيا إلى المضي في مجال الروبوتات، مشكلة التجنيد. فقد مُنيت كييف بخسائر أمام تقدم القوات الروسية منذ أواخر العام الماضي فيما تعاني من نقص في القوة البشرية وتعطل مساعدات الحلفاء الغربيين التي هي بأمس الحاجة إليها.

ووقّع زيلينسكي مؤخرا، على قانون منفصل يخفض سن التعبئة من 27 إلى 25 عاما مما يرفع عدد الرجال المؤهلين للقتال. 

يقول روبلين في هذا السياق: "يعاني الجيش الأوكراني حاليا من أزمة في القوى البشرية، وهو يحتاج إلى الدفاع عن خطوط أمامية واسعة للغاية بقوات تكره الجلوس في الخنادق تحت القصف المستمر. يمكن لأنظمة الدفاع بالتحكم عن بعد أو بنادق الحراسة أن تسمح لعدد أقل من الجنود على خط المواجهة بمراقبة نفس المنطقة والدفاع عنها. وبالطبع فإن المزيد من استخدام المركبات البرية غير المأهولة اللوجستية سيقلل من الخسائر التي تكبدتها في الحفاظ على إمداد هؤلاء الجنود".

كذلك، يقول الوزير الأوكراني السابق والمحارب الحالي فولوديمير أوميليان إنه ينبغي على قواته المضي في استخدام الروبوتات القتالية "بالتأكيد، إذا كنا نريد إنقاذ جنودنا وتحقيق النصر على روسيا وما زلت أعتقد أن ذلك ممكن. لكن ينبغي أيضا الحصول على تمويل من الغرب وحصول مهندسينا على أفضل المهارات، وتبادل التقنيات مع الغرب لأن التقنيات الغربية متقدمة كثيرا على نظيرتها الأوكرانية.