شهادات ناخبين فرنسيين من أصول عربية: "فرنسا أكبر من أن يحكمها حزب يحمل أفكارا قد تكون عنصرية"

يزداد قلق الناخبين الفرنسيين من أصول عربية مع استمرار صعود اليمين المتطرف في استطلاعات الرأي قبل نحو ثلاثة أيام من التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة. فرانس24 رصدت شهادات بعض هؤلاء الناخبين لتسليط الضوء على هذه الهواجس التي تعكس حالة من القلق العميق تجاه مستقبل البلد والتوجهات السياسية التي قد تؤثر على حقوقهم وحرياتهم.

قبل أيام قليلة من الجولة الأولى للانتخابات التشريعية الفرنسية، تظهر استطلاعات الرأي تقدم حزب التجمع الوطني وحلفاؤه من اليمين المتطرف بفارق مريح (36%)، أمام الجبهة الشعبية الجديدة وهي ائتلاف غير متجانس من القوى اليسارية (28,5%) وفي المرتبة الثالثة تحالف الوسط حول الأغلبية المنتهية ولايتها (21%) للرئيس إيمانويل ماكرون.

يأتي ذلك بعد أن دعا ماكرون في وقت سابق من هذا الشهر لانتخابات تشريعية مبكرة إثر تكبد تحالفه هزيمة مقابل فوز كاسح للتجمع الوطني في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في فرنسا.

اقرأ أيضاالانتخابات التشريعية الفرنسية 2024: ما هي اقتراحات الأحزاب بخصوص ملف الهجرة والعلمانية؟

 

كل هذه المعطيات أثارت قلقاً بين الناخبين من أصول عربية في فرنسا، نظرا للخطاب المناهض للهجرة والجالية العربية والمسلمة الذي تتبناه الأحزاب اليمينية المتطرفة. فرانس24 قامت برصد مخاوف هؤلاء الناخبين وجمعت شهاداتهم.

 

 

"من المؤسف أن تركز أغلب الأحزاب السياسية في خطاباتها على المهاجرين والأجانب"

رانيا 30 عاما، ممرضة، أم لطفل وحامل تعيش قرب مدينة ليون الواقعة شرق فرنسا، زوجها لا يحمل الجنسية الفرنسية. اقتراب اليمين المتطرف من الحكم في فرنسا يشعرها بالخوف على مستقبل عائلتها واستقرارها وشعورها بالأمان.

صوّتُّ في الانتخابات الأوروبية، وكانت هذه أول مرة أصوّت فيها. ما دفعني للمشاركة في هذه الانتخابات هو الحضور القوي لليمين المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام. كنتُ متخوفة من احتمالية فوزه، وها هو قد فاز في نهاية المطاف. عادةً، يكون قريبا من الفوز، لكنه هذه المرة فاز فعلا.

تفاجأت بالنتيجة لأنني كنت سابقاً أشاهد الكثير من الناس حولي، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في المحادثات اليومية، يتحدثون عن هذا الأمر، وكان الجميع يعارض اليمين المتطرف ويصف ممثليه بأنهم عنصريون ويركزون خطابهم على الأجانب والهجرة فقط. كان هذا يجعلني أظن أن الجميع معارض لهم. ومع ذلك، تفاجأت بالنتائج التي حققوها في النهاية، وأدركت أن هناك الكثير من الأفراد الذين يتبنون أفكار اليمين المتطرف ويدعمونه، مما ساعده في تحقيق هذه الأرقام.

يخيفني فوز اليمين المتطرف لأنه بلا شك سيمنح الأشخاص المتحاملين على العرب والجالية المسلمة الجرأة للتعبير عن تحاملهم. انتصاره سيعطي هؤلاء الحرية لوسمنا ومخاطبتنا بأسلوب سيء، والإشارة إلينا بأصابع الاتهام. أعتقد أن العديد سيشعرون بالحرية للإساءة إلينا أو التحدث بطريقة عنصرية.

يركز خطاب اليمين المتطرف بشكل كبير على الجالية العربية والمسلمة وعلى الأشخاص ذوي الأصول العربية والأجنبية، رغم أنه في فرنسا توجد مشاكل أكثر أهمية من ذلك. على سبيل المثال، أعمل كممرضة وألاحظ في المستشفيات نقصاً في الطواقم الطبية وشبه الطبية ونقصاً في الإمكانيات. إذا أردنا الحصول على موعد لدى طبيب مختص، ننتظر شهوراً طويلة. هناك أيضاً مشكلة التضخم المالي في فرنسا، حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير في وقت قصير. أعتبر أنه من المؤسف أن تركز أغلب الأحزاب السياسية في خطاباتها على المهاجرين والأجانب، في حين توجد مشاكل أخرى تستحق الاهتمام. لدي انطباع أن مشكلهم الوحيد هو الأجانب، ويبدو أن هذا التركيز يستقطب الناخبين فعلاً.

وتضيف رانيا: أصبحت قلقة على مستقبل زوجي لأنه مقيم ولا يحمل الجنسية الفرنسية، رغم أننا منذ فترة كنا نعتزم تقديم ملف طلب الجنسية، إلا أننا فور صدور نتائج الانتخابات الأوروبية سارعنا للقيام بالإجراءات اللازمة. أخشى أن تتغير القوانين ويصبح من غير الممكن التقدم بطلب للحصول على الجنسية أو أن تصبح هناك صعوبات في ذلك، مما قد يؤدي إلى عدم التمتع بنفس الحقوق كالأشخاص الحاصلين على الجنسية.

أخاف مثلاً أن يُحرم من حق العمل أو ألا يكون هناك مساواة في الأجور. أدرك أني قد أكون بصدد المبالغة، لكن مع كل ما يحدث، لا نعرف إلى أين يمكن أن تصل الأمور. هو الآن يحمل بطاقة إقامة لمدة عشر سنوات، ولكن من الممكن في المرة القادمة أن يحصل على ترخيص لعام واحد فقط. ماذا عسانا أن نفعل وقتها؟ لدينا طفل وأنا الآن حامل، أخاف أن نفقد الشعور بالاستقرار بعد اليوم.

أنا أيضًا، رغم أني فرنسية، أخاف ألا أرتقي مهنياً وألا تكون لي نفس الحظوظ المهنية مثل الفرنسي أبا عن جد، وأن نبقى نحن ذوو الأصول الأجنبية دائماً في أسفل السلم. لأني، قبل حتى أن تسوء الأمور، ألاحظ في مجال عملي أن العاملين من أصول عربية حظوظهم أقل في الحصول على المناصب، خاصة في القطاع العام. وأخشى أن يتفاقم ذلك أكثر. كل هذا مثير للقلق، أشعر أننا بمثابة دمى، وفي نهاية المطاف، قد نضطر، دون إرادتنا، لأن نغادر فرنسا.

 

اقرأ أيضافرنسا: من هو جوردان بارديلا "الظاهرة" والشاب الإيطالي الأصل الذي يقود اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية؟

 "وصول اليمين المتطرف إلى السلطة كالسير نحو المجهول"

علي 40 عاما صاحب شركة استشارات في تكنولوجيا المعلومات في العاصمة باريس. اقتراب اليمين المتطرف من الحكم يجعله يخشى من سيناريو إرساء تشريعات وقوانين جديدة قد يكون لها أثر على مستقبل شركته.

عن الانتخابات التشريعية يقول علي: "إن احتمال وصول اليمين المتطرف إلى السلطة يثير مخاوفي، فهو كالسير نحو المجهول. هذه الأحزاب تفتقر إلى الخبرة في الحكم وقد ترتكب أخطاء. أتوقع أنه في حال وصولهم إلى السلطة، سيبادرون إلى سن تشريعات وقوانين جديدة وفاءً بوعودهم الانتخابية دون مراعاة الحقائق الواقعية".

ليضيف: "بصفتي المدير التنفيذي لشركة استشارات في تكنولوجيا المعلومات، أود أن أشارك بعض التحديات والنجاحات التي قد نواجهها في حال صعود اليمين المتطرف للحكم". و"هناك نقص في الموارد البشرية المتخصصة في مجال الإعلامية في السوق الفرنسية، مما يؤثر على قدرتنا على استقطاب الكفاءات اللازمة لعقودنا طويلة الأمد. لتعزيز شركتنا، يجب علينا ضمان استقطاب عدد معين من الموظفين الجدد باستمرار، لأننا نعتمد أساسًا على بيع خدمات خبرائنا في الإعلامية. في ظل نقص الكفاءات محليًا، نجد أنفسنا مضطرين لجلبهم من الخارج عبر إجراءات الدمج (la procédure d’intégration)، مما ساعدنا على ضمان استمرار استقطاب الموظفين الذين هم عماد المؤسسة، مما ساهم في توسعة الشركة تدريجياً.

إذا تم تقليص تدفق الهجرة، سنواجه صعوبات كبيرة في استمرار تطور الشركة. أود أن أشير إلى أن هذه العملية تساهم بشكل كبير في تعزيز تنوع فريق العمل لدينا وزيادة قدراتنا التنافسية".

ويرى علي بأن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أول من دفع نحو هذا الاتجاه، لأنه أدرك أن الكفاءات الفرنسية تهاجر إلى دول مثل أستراليا أو أمريكا، وبالتالي فتح قنوات وسهل استقدام الكفاءات من دول الجنوب، كما سمح لهم بإمكانية جلب أفراد عائلاتهم معهم. كمسؤول عن شركة، أجد أن هذه الإجراءات ضرورية لنا.

من السهل أيضًا فتح فروع للشركة في الخارج، فمثلًا، لدينا فرع في تونس يعمل كمكتب خلفي (back-office) يدير العمليات اليومية للشركة، مما يخفف عنّا تكاليف التوظيف وفق المتطلبات القانونية الفرنسية. أتوقع أن أي قوانين أو إجراءات سيتبناها اليمين المتطرف في حال فوزه في الانتخابات التشريعية، مثل منع إرسال الأموال للخارج أو تقييد مناولة الخدمات في الخارج، سيكون لها تأثير كبير علينا.

أتصور أيضًا أنه إذا تم تغيير التشريعات وفق رؤية اليمين المتطرف، فإن الشركات الصغيرة، سواء في قطاع الإعلامية أو في القطاعات الأخرى مثل المطاعم والتنظيف التي تشغل خاصة المهاجرين، ستتضرر بشكل كبير. هذا سيؤثر سلبًا على البيئة الاقتصادية ككل، حيث لا تستطيع الشركات الكبيرة العمل بمفردها دون دعم من الشركات الصغيرة.

ويخشى علي أنه مع صعود اليمين يزداد أيضا التمييز في مجال العمل تجاه الأشخاص من أصول عربية أو أجنبية. حاليا ومن خلال تجربتي أيضا، لاحظت أن التمييز موجود بدرجة أقل في باريس وضواحيها، حيث يكاد يكون منعدمًا. باريس بطبيعتها مدينة تقوم على الاختلاف والتنوع، وحتى الفرنسيين الأصليين الذين يعيشون في العاصمة تغيرت نظرتهم تدريجيًا نحو اليد العاملة الأجنبية، وأدركوا أنها يد عاملة مكافحة وطموحة. بالمقابل، ألاحظ وجود تمييز في فرعينا بمدينتي ليون وليل. من خلال تعاملاتي مع العملاء هناك، يبدو أنهم يفضلون التعامل مع فرنسيين أصليين، ولا يرحبون بمن هو مغاربي أو أفريقي، ويبدون قلة صبر تجاههم. تشير الأرقام إلى أن 90% من العاملين هنا في باريس هم من خلفيات متنوعة مثل التونسيين والمغاربة، بينما في ليون، يشكل الفرنسيون الأصليون 70% من المستشارين.

اقرأ أيضاما هي السيناريوهات الأربعة المحتملة للانتخابات التشريعية الفرنسية؟

"العنصرية بقيت كامنة في جزء من المجتمع الفرنسي"

حسين 58 عاما باحث وأكاديمي، يعيش في باريس منذ قرابة 40 عاما، عايش محطات انتخابية مختلفة في فرنسا، متخوف مما قد يكشفه صعود اليمين المتطرف من عنصرية متخفية لدى المجتمع الفرنسي ناتجة عن الخطاب السياسي السائد في البلاد على مر العقود.

حسين حاله حال العديد من الفرنسيين من أصول عربية حيث يقول: "أشعر بالقلق  من احتمال صعود اليمين المتطرف إلى الحكم، رغم أني أستبعد ذلك كرأي شخصي. اليمين المتطرف قد طوّر خطابه عبر العقود الماضية، حيث تحوّل من معاداة اليهود ومعاداة السامية إلى التصالح مع اليهود واعتبار المهاجرين العدو الأساسي منذ بداية الألفينيات. ذروة اليمين المتطرف تجلت مع بروز أحد رموزه وأبرز قادته اليوم، إيريك زمور، الذي لم تعد معاداة السامية جزءاً من أدبياته، ولكن بقيت الأصول المهاجرة، وخصوصاً المسلمين، محور التوجه السياسي".

ويردف قائلا: "أعيش في فرنسا منذ 38 عامًا، عايشت فترة من الخوف في عام 1993 عندما تولى اليمين السلطة وقدم شارل باسكوا، وزير الداخلية السابق، خطابًا يشبه كثيرًا خطاب اليمين المتطرف في عدائه للمهاجرين، مما جعل قضية الهجرة مركزية في السياسة الفرنسية. هذه الأفكار بدأت تتسلل إلى أذهان الفرنسيين، ووصلت الأمور إلى تغييرات بعد مجيء الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث أصبح النقاش حول المهاجرين والمسلمين واحدًا من أهم المحاور في السجال السياسي بالبلاد. وبالتالي، نجح اليمين في نشر أفكارهم بفعالية، مما أدى إلى تغييرات في النقاش العام في فرنسا. لم يعد العنصريون والمعادون للمهاجرين يختبئون كما كانوا يفعلون في السابق، ولم يعودوا يتحاشون وصم المسلمين بوضوح أو توجيه الاتهامات إليهم، وشاهدنا ذلك حتى في الأوساط الرياضية كما حدث مع اللاعب الفرنسي من أصول جزائرية كريم بنزيمة".

ليضيف: "أعتقد أن العنصرية بقيت كامنة في جزء من المجتمع الفرنسي وتظهر بوضوح في ظروف معينة عندما تتوفر لها الظروف، في المقابل، هناك جزء كبير من المجتمع الفرنسي يعادي العنصرية، مما يعكس وجود معركة واضحة بين العنصريين والمعادين للعنصرية في فرنسا. هذا الصراع ليس فقط بسبب شرعنة السياسيين لخطاب اليمين المتطرف، بل أيضاً لأن هذه الأفكار متأصلة في المجتمع وتزداد حدتها خلال الأزمات السياسية أو الاقتصادية. في هذه الأزمات، يجد السياسيون المهاجر كبش فداء لتحميله مسؤولية المشكلات الاقتصادية، يعتبرون أن المهاجر هو من يأخذ العمل، أنه يستغل النظام للحصول على الإعانات الاجتماعية، في حين أن المهاجرين يساهمون سنوياً بـ10 مليارات يورو في الاقتصاد الفرنسي، وفقاً لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

بالتالي، نخشى من صعود اليمين المتطرف إلى الحكم، لأنه لا يحمل برنامجا لحل المشكلات، بل سيستمر في جعل المهاجرين، والضعفاء، والفقراء، والمستضعفين وقودا لناره التي أشعلها منذ سنوات.

 

"فرنسا أكبر من أن يحكمها حزب يحمل أفكارا قد تكون عنصرية"

نور 44 عاما منسقة برامج، رغم شعورها بالإحباط من الخطاب الإقصائي لليمين المتطرف في فرنسا إلا أنها مؤمنة أن فرنسا أكبر من أن يحكمها حزب يحمل أفكارا مناهضة لمبادئ الجمهورية.

 تقول نور: "شخصيا لست خائفة، بل أشعر بالإحباط من احتمال وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، لأنني أعتقد أن فرنسا أكبر من أن يحكمها حزب يحمل أفكارا يمكن تصنيفها كعنصرية، وضد حقوق المرأة، وضد الحريات. هذا الأمر يحبطني بشدة. ورغم أن اليسار قد توحد في هذه المرحلة تحت مظلة الجبهة الشعبية الجديدة، مما حسن المزاج السياسي العام للناخبين، ورغم أن هذه الوحدة قد تحافظ على التعددية في البرلمان الفرنسي، إلا أنني شبه متأكدة أن اليسار قد ينقسم في أي تصويت قادم. في حال فوز حزب التجمع الوطني وحلفائه من اليمين المتطرف بالانتخابات التشريعية، سيكون هناك انقسام مخيف يمكن أن يؤثر على قدرة اليسار على البقاء متوحداً أمام سن اليمين تشريعات جديدة في البرلمان".

وتشير نور إلى الجدل الذي يثيره حالياً رئيس حزب التجمع الوطني، جوردان بارديلا، بشأن منع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة وحظر المناصب الاستراتيجية على مزدوجي الجنسية، بالإضافة إلى عزمه إلغاء حق الأرض في حال وصوله للسلطة. وتقول: " أستاء فعلاً من هذا الجدل. لماذا يتجاهل ما يقدمه المهاجرون الذين يعملون في المستشفيات ودور المسنين؟ هذا الخطاب يترك أثراً في قلب كل إنسان مهاجر. هؤلاء يأتون إلى هنا ليعملوا ويقدموا شيئاً لهذا البلد، يشعرون بالانتماء والأمان، يعملون ويدفعون الضرائب. وفجأة، يسمعون في الفضاء العام ووسائل الإعلام والفضاء السياسي والاجتماعي أن أصولهم العربية تجعلهم غير مرغوب فيهم، أو لأنهم محجبات، فهن غير مرغوب فيهن. هذا يعطي شعوراً بالوصم".