بعد الضوء الأخضر من بايدن... ما سقف الرد الروسي على أي هجوم أوكراني باستخدام أسلحة غربية؟

الجيش الكوري الجنوبي يستخدم نظام الصواريخ التكتيكية الأمريكي "أتاكمز "، خلال مناورة عسكرية في مكان غير معلوم من كوريا الجنوبية في 24 مارس/آذار 2022. © أسوشيتد برس

أثار قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن السماح لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية باستخدام أسلحة أمريكية، تساؤلات عدة حول أهدافه ومبرراته وتداعياته في هذه المرحلة الانتقالية قبل تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم. ففيما اعتبر مراقبون حاورتهم فرانس24 بأنه مجرد ورقة "مساومة وضغط" في حال بدء مفاوضات حول هذا النزاع، حذّر آخرون من أنه قد يكون شرارة اندلاع حرب عالمية ثالثة وصدام نووي.

أفاد مسؤول أمريكي الأحد بأن واشنطن قد أجازت لأوكرانيا استخدام صواريخ بعيدة المدى في حربها ضد روسيا كانت واشنطن قد زوّدتها بها، وأكد على أن بلاده قد "أعطت الضوء الأخضر لاستخدامها" بعد رفض استمر طويلا.

وبهذا القرار، يكون الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن قد استجاب لمطلب كييف المُلحّ قبيل تسليمه الرئاسة لدونالد ترامب الذي ينتقد أصلا بشدة المساعدات الأمريكية لكييف.

وفور ورود هذه التقارير، رحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "بحذر"، مكتفيا بالإشارة إلى أن هذه الأسلحة "ستتحدث عن نفسها".

وتطالب أوكرانيا بهذا الضوء الأخضر منذ فترة طويلة، وهو يشكل تغييرا استراتيجيا كبيرا قبل أسابيع قليلة من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.

ولطالما خشيت كييف من أن يقوم ترامب بقطع التمويل الضروري لجهودها الحربية أو محاولة إجبار أوكرانيا على إبرام اتفاق مع روسيا.

ويطالب زيلينسكي منذ أشهر بشكل خاص بإجازة استخدام صواريخ ستورم شادو البريطانية وصواريخ "أتاكمز" الأمريكية لضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية.
"لمناكفة ترامب أم هدية له؟"

تعليقا على هذه التقارير، قال د. فولوديمير شوماكوف دبلوماسي أوكراني سابق ومستشار سابق لمحافظ مدينة خيرسون وأستاذ العلوم السياسية إن هذا القرار هو "بشكل عام جيد، رغم أنه جاء متأخرا". وانتقد محاورنا تردد بايدن كثيرا في تزويد بلاده "بصواريخ هيمارس، ومقاتلات حربية، وصواريخ بعيدة المدى من طراز أتاكمز، فلمدة أشهر كان بايدن على وشك توقيع قرار حول ذلك لكنه رفض لاحقا".

كما تساءل الدبلوماسي الأوكراني السابق: "هل هذا القرار فقط لمناكفة ترامب أم أنه هدية له؟ لأن ترامب قال إنه في حال رفض بوتين وموسكو شروطه لتجميد الصراع على خطوط التماس والجلوس على طاولة المفاوضات، فإنه سيقدم لأوكرانيا كل الأسلحة المطلوبة لاستنزاف روسيا".

كما أضاف شوماكوف: "الوقت كفيل بالكشف عن رد ترامب حقيقة حول ذلك. من المؤكد أن استخدام مثل هذه الصواريخ هام لقصف البنية التحتية العسكرية في روسيا وتدمير مطاراتها وطائراتها الاستراتيجية التي تقصف بصواريخ مختلف أوكرانيا لمدة عامين ونصف، واستخدمت في ذلك أكثر من 6700 صاروخ".
"ورقة مفاوضات للمساومة والضغط"

للعلم، فمن شأن هذه الأسلحة التي يبلغ مداها الأقصى عدة مئات من الكيلومترات أن تسمح لأوكرانيا باستهداف مواقع لوجستية للجيش الروسي ومطارات تقلع منها مقاتلاته.

في هذا السياق، أوضح د. محمد صالح الحربي خبير عسكري واستراتيجي ولواء أركان حرب سابق لفرانس24، بأن الحديث عن الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى ليس بالجديد. وقال الحربي: "قد يفتح القرار الأمريكي الباب أمام دول أخرى لتزويد أوكرانيا بمثل هذه الأسلحة".

ويستدرك الحربي قوله بالتنبيه إلى أن بايدن قد يكون قد سعى من خلال هذا القرار الذي لم يعلن بشكل رسمي بعد، "المساومة والضغط". يتوافق رأيه مع ما قاله لنا أيضا د. عمر الرداد الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، الذي اعتبر بأن "القرار الأمريكي غير بعيد عن توجهات الإدارة الديمقراطية التي ستسلم السلطة لدونالد ترامب، المعروف بمواقفه الرافضة للدعم الأمريكي لأكرانيا. يبدو أن بايدن يريد وضع عقبات أمام أي تقارب محتمل بين ترامب وبوتين مستقبلا".
"لا أثر كبير على مسار المعارك"

ويشرح محمد صالح الحربي بأن مثل هذه الخطوة لن تشكل تغييرا كبيرا على الأرض، حيث إن الواقع العملياتي والتكتيكي أثبت بأن "الطائرات بدون طيار مستخدمة فعلا من الأوكرانيين لضرب العمق الروسي فلا جديد في الأمر، عدا عن مسألة المديات والآليات والتكتيكات، ورغم ذلك، لا تزال روسيا مستمرة في عملياتها العسكرية سواء داخل أوكرانيا أو لإعادة بسط السيطرة على الأراضي التي توغلت فيها قوات كييف مثل كورسك".

كما قال الحربي إن "عملية التصدي للصواريخ القصيرة أو البعيدة المدى، أي تلك التي يتراوح مداها بين 80 و150 كلم، لم تتغير، في المقابل، أصبحت الطائرات المسيّرة هي رأس حربة الجيوش الحديثة". كما توقع محاورنا بأن يكون قرار بايدن في حال تم تأكيده رسميا مجرد "ورقة مفاوضات وضغط من الإدارة الأمريكية قبل خروجها في 20 يناير/كانون الثاني، كما أنها قد تكون رسالة إلى دول حلف شمال الأطلسي أيضا".

وربط سيكورسكي بين القرار الأمريكي وتورط كوريا الشمالية في النزاع وفقا لما أكدته عدة تقارير تحدثت عن وجود إرسال بيونغ يانغ نحو 10 آلاف جندي إلى روسيا للتدرب مع احتمال التحاق جنرالات أيضا بالجبهة الروسية.

تعقيبا، قال د. عمر الرداد إن الضوء الأخضر الأمريكي من بايدن لزيلينسكي "جاء ردا على استقدام روسيا حوالي 12 ألف مقاتل من جيش كوريا الشمالية، تردد أنهم يقاتلون إلى جانب القوات الروسية في الخطوط الأمامية، بعد توثيق العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ، وذهابها بعيدا بعلاقات دفاع استراتيجي مشترك، وتزويد كوريا الشمالية الجيش الروسي بقذائف وصواريخ، بعد نقص في المخزون الروسي".
"شرارة حرب عالمية وصدام نووي"

عموما، يطرح سيناريو استخدام أوكرانيا صواريخ أمريكية أو أخرى لدول غربية، مخاوف كبيرة من مغبة وقوع صدام مباشر بين القوى الكبرى قد ينتهي باندلاع حرب عالمية ثالثة.

فقد حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرارا وتكرارا من أن مثل هذا القرار سيعني أن "دول الناتو في حالة حرب مع روسيا". ففي سبتمبر/أيلول قال بوتين إن هذه الموافقة الغربية ستعني "ضلوع دول حلف شمال الأطلسي مباشرة في الحرب في أوكرانيا".

والإثنين، أعلن دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين أن قرار بايدن من شأنه أن "يصب الزيت على النار" في النزاع في أوكرانيا. وحذّر من أن هذا الضوء الأخضر، في حال أكدته واشنطن رسميا، سيؤدي إلى "وضع جديد تماما فيما يتعلق بضلوع الولايات المتحدة في هذا النزاع".

لتوضيح هذه المسألة أكثر، تحدثنا مع محمود الأفندي محلل سياسي وأستاذ في الأكاديمية الروسية، الذي أبدى مخاوفه الكبيرة من تداعيات كارثية لمثل هذا السيناريو. فهو يقول في هذا الصدد إن انطلاق الصواريخ بعيدة المدى وتحديد مسارها وهدفها يكون تحت إشراف الدولة المنتجة لها "لأن هذه الصواريخ عمياء وتحتاج إلى أقمار اصطناعية ومعلومات استخباراتية، ما يعني أن أمريكا لم تسمح لأوكرانيا باستهداف الأراضي الروسية بل سمحت لنفسها بالقيام بذلك".

وأكد أستاذ الأكاديمية الروسية بأن موسكو تنظر إلى مثل هذا على اعتبار أنه تدخل مباشر، "فاستخدام صواريخ أمريكية أو بريطانية أو فرنسية، سيقابل بالرد بالمثل على المنشآت العسكرية لهذه الدول".

وذهب الأفندي بعيدا في التحذير من تداعيات خطيرة على السلم والأمن العالميين في حال تأكدت تسريبات المسؤول الأمريكي حول الضوء الأخضر الأمريكي لضرب أوكرانيا العمق الروسي باستخدام الأسلحة الأمريكية. وقال إن "الأكيد أن الدم الأمريكي سيسيل في حال استهدفت أمريكا الأراضي الروسية. كما أن العقيدة النووية ستفعّل أيضا في حال تم استخدام تلك الصواريخ. لا أستبعد أن يكون هناك رد نووي أو حتى رد تكتيكي نووي على ذلك، وقد تكون تلك هي شرارة اندلاع الحرب العالمية الثالثة".