العنف الإيراني خارج الحدود.. "سجل دموي" تجاه المعارضين
منذ سيطرته على الحكم في إيران عام 1979، لم تتوقف آلة الاغتيالات التي يمارسها نظام الولي الفقيه الإيراني ووكلائه ضد معارضيه خارج الحدود، وأسفرت هذه العمليات عن مقتل المئات من المعارضين من ضمنهم قادة وسياسيون بارزون وصحفيون وناشطون.
وكشفت مؤسسة "عبد الرحمن برومند لحقوق الإنسان"، وهي مؤسسة حقوقية إيرانية مقرها الولايات المتحدة الأميركية، في ديسمبر الماضي، عن خريطة تفاعلية تسلط الضوء على العنف الذي مارسته إيران داخلياً وخارجياً على مدى أكثر من 45 عاما.
وتحت عنوان "إيران: العنف الحكومي خارج الحدود"، أشارت مؤسسة برومند في التقرير المرفق مع خريطتها التفاعلية إلى أن "النظام الإيراني نفذ نحو 452 عملية استهدفت معارضين للنظام خارج الحدود"، ووفق الخريطة شكلت الاغتيالات غالبية العمليات الخارجية، بينما بلغت التهديدات ومحاولة القتل التي تعرض لها المعارضون 129حالة.
وأشارت المؤسسة الحقوقية إلى أن التحقيقات كشفت تورط السلطات الإيرانية والدبلوماسيين والأجهزة الأمنية في تنفيذ هذه العمليات والتخطيط لها واعترف المسؤولون الإيرانيون بذلك في حالات متعددة.
وعلى مدى السنوات الماضية، شكل العراق بشكل عام وإقليم كردستان خاصة مسرحا لعدد كبير من عمليات الاغتيال والهجمات الإيرانية، التي انقسمت ما بين عمليات اغتيال واختطاف وشن غارات جوية وقصف صاروخي.
فريبورز ناصر حيدر آبادي، قيادي في حزب الحرية الكردستاني المعارض لإيران، اغتالت الاستخبارات الإيرانية"الاطلاعات" والده، الذي كان مقاتلا ضمن صفوف حزب الحرية في محافظة السليمانية نهاية عام 1996.
تحتفظ ذاكرة حيدر آبادي بمشهد اختطاف والده من قبل الإيرانيين بمساعدة مجموعة مسلحة محلية موالية لإيران في إحدى قرى منطقة بيرمكرون في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق.
ويشير حيدر آبادي إلى أن المجموعة المسلحة المحلية داهمت أحد مقرات حزب الحرية ومجمعهم السكني في إحدى قرى بيرمكرون، ونزعوا سلاحهم واعتقلوا في بادئ الأمر 5 من مقاتلي بيشمركة الحزب، الذين كانوا متواجدين في المقر مع أحد الضيوف الذي كان متواجدا في المقر عند المداهمة.
ويضيف حيدر آبادي "نقلوا فورا مقاتلي البيشمركة الذين اعتقلوهم إلى مكان مجهول وقالوا إنهم سيطلقون سراحهم فيما بعد، ومن ثم اصطحبوا والدي إلى خلف القرية بعد أن قيدوا يديه وعصبوا عينيه، وأثار تعاملهم هذا مخاوفي على مصيره فتتبعت أثرهم من مسافة ليست ببعيدة وكان عمري حينها ١٢ عاما، وشاهدتهم وهم يسلمونه إلى سيارة أخرى لا تحمل أي لوحة مرورية، نقلته هو الآخر إلى مكان مجهول."
يلفت حيدر آبادي إلى أنه وبحلول مساء نفس اليوم أبلغهم أحد الأشخاص القادمين من مدينة السليمانية، أن جثث مقاتلي الحزب المعتقلين تم العثور عليها في مكان قريب من بيرمكرون.
ويضيف حيدر آبادي لـ"الحرة"، "في اليوم التالي من اختطاف والدي، أُبلغنا أن جثته مرمية بمنطقة معسكر السلام في السليمانية، عند وصولنا إلى الجثة وجدنا آثار التعذيب ظاهرة بشكل واضح على جسده، كانت أكتافه وساقيه وأجزاء من عظام صدره مكسورة وقد أطلقوا عليه رصاصتين واحدة أصابت جبينه والأخرى كانت في قلبه."
ويؤكد حيدر آبادي أن عائلته والمصادر الأمنية في حزب الحرية وبعد عملية بحث وتقصي دقيقة حصلت على معلومات دقيقة بينت أن فريقا من جهاز الاطلاعات التابع لمقر رمضان في فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني هو الذي اغتال والده، بعد أن عذبوه.
يطالب فريبورز المجتمع الدولي بمحاكمة كافة مسؤولي النظام الإيراني وكل من ساعدهم وكل من ساهم بعمليات الاغتيال والقتل والجرائم والانتهاكات ضد الشعب الكردي وكافة الشعوب في إيران وخارجها.
ويشرف جهاز الاطلاعات إلى جانب فيلق القدس الإيراني على تنفيذ هذه العمليات الخارجية، ولطالما اعتمدت طهران في تنفيذ العديد من هذه العمليات على دبلوماسيها وموظفي سفاراتها في دول العالم وعلى أذرعها المسلحة في المنطقة خاصة حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية الموالية لها.
ويقول رئيس منظمة "هانا" لحقوق الإنسان (منظمة كردية إيرانية)، حميد بهرامي، لـ"الحرة"، إن "اغتيال الناشطين السياسيين الكرد في إقليم كردستان على يد النظام الإيراني هو جزء من الجهود المكثفة التي يبذلها النظام لقمع المعارضة الكردية خارج إيران. وعادة ما تنفذ هذه الاغتيالات باستخدام قوات الأمن والمخابرات الإيرانية، مثل وزارة الاستخبارات والحرس الثوري ووكلائها."
وباشر نظام ولي الفقيه الإيراني عمليات استهداف القيادات الكردية المعارضة له منذ عام 1981 باغتيال غلام كشاورز، القيادي في حزب الكوملة الكردستاني الإيراني في قبرص.
وتلته العديد من عمليات الاغتيال تمثلت باغتيال عبد الرحمن قاسملو، الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، والقياديين في الحزب عبد الله قادري آزر وفاضل رسول خلال المفاوضات مع فريق من دبلوماسيي النظام الإيراني عام 1989 في النمسا. وفي العام ذاته اغتال فيلق القدس صديق كمانجر، القيادي في حزب كوملة الكردستاني الإيراني، في مدينة رانيا، بإقليم كردستان العراق.
كما وشملت عمليات الاغتيال الأمين العام لحزب الحرية الكردستاني الإيراني سعيد يزدان بنا في مدينة السليمانية في كردستان العراق عام 1991 بعد 4 أشهر من تأسيس الحزب، وفي عام 1992 اغتال النظام الإيراني صادق شرفكندي، خليفة قاسملو، مع همايون أردلان ونوريديكوردي في مطعم ميكونوس في برلين.
ويردف بهرامي "خلال تسعينيات القرن الماضي، وخاصة ما بين أعوام 1992 و1994، استغلت آلة الإرهاب الإيرانية الأوضاع غير المستقرة في كردستان العراق اغتالت أكثر من 400 من مقاتلي بيشمركة وناشطي وسياسيي كردستان إيران."
ولم تتوقف الاغتيالات وعمليات الاختطاف والهجمات التي تنفذها إيران خلال السنوات الماضية في كردستان العراق، وباتت تشمل كل من يعارض أو ينتقد النفوذ والمشروع الإيراني من غير الإيرانيين أيضا.
ولا يعتمد الحرس الثوري الإيراني على الاغتيالات فقط في استهداف معارضي إيران المتواجدين في إقليم كردستان، بل استخدم خلال السنوات الماضية القصف المدفعي والتفجيرات والطائرات المسيرة والصواريخ في تصفيتهم.
وتشير إحصائيات منظمة "هانا" الحقوقية إلى مقتل 30 شخصا في الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة، التي شنها الحرس الثوري على مقرات الأحزاب الكردية الإيرانية ومخيمات اللاجئين في مدن إقليم كردستان في سبتمبر 2022.