"حارس البلطيق".. رهان الناتو لملاحقة "أسطول الظل" الروسي
جندي يقوم بدورية على متن السفينة "فايس أدميرال كونستانتين باليسكو 274" بينما تنفذ القوات البحرية التابعة لحلف الناتو مناورات قبالة سواحل كونستانزا في رومانيا. 9 مايو 2022 - reuters
بدأ حلف شمال الأطلسي "الناتو" عملية "حارس البلطيق" في يناير الماضي، عقب سلسلة من الحوادث التي تعرضت فيها كابلات وخطوط أنابيب تحت البحر لأضرار بسبب سفن، يرتبط العديد منها بروسيا، حسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وكان القائد في البحرية البلجيكية، إريك كوكس، الذي يقود المهمة الجديدة التي أطلقها الحلف لمراقبة البحر الداخلي، الذي تتشاركه دول الناتو مع روسيا، يقوم بدورية في بحر البلطيق مؤخراً، عندما تلقى بلاغاً يفيد بأن سفينة مدرجة على قائمة المراقبة التابعة لحلف الناتو تتصرف بطريقة مريبة.
فبعد مغادرتها أحد الموانئ الروسية، تباطأت أثناء مرورها بالقرب من أحد خطوط الأنابيب الممتدة في قاع البحر. عندها، أبحرت السفينة "لويمز" باتجاه الناقلة للتحقق من الأمر.
وقال كوكس، الذي تتمثل مهمته المعتادة في إزالة الألغام غير المنفجرة من هذا الممر المائي المزدحم، لـ"وول ستريت جورنال": "نحن نعمل مثل كاميرات مراقبة في البحر"، لكنه لم يُعثر على أي دليل يثبت أن موسكو أمرت أو خططت لهذه العمليات التخريبية، رغم أن الشكوك بشأن تورطها مرتفعة في دول الناتو".
وعندما اقتربت سفينة كوكس من الناقلة المشبوهة، التي تنتمي إلى "أسطول الظل" الروسي لنقل النفط، أسرعت السفينة فجأة وواصلت طريقها.
وقال كوكس: "من الصعب إثبات أن وجودنا يساعد. من الصعب القول بأن شيئاً ما كان سيحدث لو لم نكن هناك"، ولكن تماماً كما يصبح السائقون أكثر حرصاً عند رؤية سيارة شرطة، لاحظنا أن السلوكيات البحرية تتحسن. السفن تدرك أنها تحت المراقبة".
"حارس البلطيق"
وأوضحت الصحيفة أن عملية "حارس البلطيق" تعتمد على ما لا يقل عن 10 سفن تحت قيادة الناتو في أي وقت، مقسمة إلى مجموعتين من فرق المهام.
كما تستعين بأساطيل الدول الثمانية الأعضاء في الحلف والتي تحد البحر، إضافة إلى خفر السواحل وقوات الشرطة البحرية، حيث تراقب الغواصات المُسيرة الكابلات والأنابيب، بينما تقوم طائرات المراقبة التابعة للناتو من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وأحياناً بريطانيا، بتمشيط الممرات البحرية من الجو.
وقال القائد الأعلى لقوات الحلف في أوروبا، كريستوفر كافولي، إن "الناتو عزز وجوده العسكري في منطقة البلطيق"، في حين قال مسؤولون أوروبيون إن العديد من الوحدات المشاركة "كانت تؤدي مهاماً مماثلة سابقاً، لكن التنسيق والتعاون بين هذه الجهات أصبح أكثر تنظيماً من خلال مركز البنية التحتية البحرية الحيوية، الذي أسسته قيادة الناتو العسكرية العام الماضي".
وأوضح مسؤولون أن عملية "حارس البلطيق" تعتمد بشكل كبير على القوات الأوروبية، ولكن في أواخر الشهر الماضي، وصلت وحدة من مشاة البحرية الأميركية (المارينز) قوامها 40 فرداً إلى فنلندا للمشاركة في ما يسميه الناتو "تدريبات اليقظة"، والتي تشمل استخدام الطائرات المُسيرة والقوارب الصغيرة.
وتتمثل مهمة هذه الوحدة، التي تعمل جنباً إلى جنب مع القوات الفنلندية، في التدرب على تكتيكات الجزر الصغيرة، وهي مهارات قد تكون مفيدة في مناطق أخرى مثل المحيط الهادئ.
وقالت "وول ستريت جورنال"، إن الهدف الرئيسي للناتو هو منع المزيد من الأضرار التي قد تلحق بالبنية التحتية البحرية، والتدخل بسرعة، حال وقوع أي حادث.
وفي تحول أكثر ارتباطاً بالقوات الشرطية ووكالات الاستخبارات منها بالقوات العسكرية، يتمثل النجاح في منع وقوع الحادث دون أي تدخل، إذ تكون الشرطة والمخابرات في أقصى درجات الجهوزية، عندما تمنع وقوع الحوادث.
بيئة بحرية مزدحمة
وفي مؤشر على الطابع "غير التقليدي" لهذه المهمة، لم تكن السفينة التي استخدمها كوكس للتحقق من الناقلة المشبوهة قتالية، بل كانت سفينة مسح هيدروغرافي تابعة للبحرية الملكية الهولندية، تُستخدم عادةً لمسح قاع البحر، وفق "وول ستريت جورنال".
وتعد أجهزة السونار المتطورة، والمجسات الغاطسة، وغيرها من المعدات على متن سفينة "لويمز" من الأدوات القيمة لفحص الكابلات والأنابيب تحت الماء، وكإجراء احترازي، تحمل السفينة أيضاً مدفعين رشاشين من عيار 50 مثبتين على سطحها.
وتضمنت التحديات التي واجهها الناتو في بداية عملية "حارس البلطيق" كان نقص المعلومات الوافية حول جميع البنى التحتية الحيوية الممتدة عبر قاع البحر الموحل، إذ يُعد بحر البلطيق أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاماً في العالم، إذ تعبره أكثر من 1500 سفينة يومياً، ما يجعل فرض رقابة كاملة عليه أمراً بالغ التعقيد.
فالتفاصيل المتعلقة بالكابلات والأنابيب يُحتفظ بها عادة لدى الحكومات الوطنية أو الشركات الخاصة. وفي العام الماضي، أنشأ مركز البنية التحتية البحرية الجديد في الناتو أول خريطة موحدة لقاع البلطيق، كما طوّر فريق برمجي تابع للحلف تطبيقاً يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط حركة السفن، يحمل اسم Mainsail.
يشار إلى أن بحر البلطيق كان مسرحاً رئيسياً خلال الحربين العالميتين، ولا تزال حطام السفن والألغام البحرية المنتشرة فيه تشكل خطراً مستمراً، إذ تتمتع دول الناتو المطلة على البحر بخبرة كبيرة في اكتشاف وإزالة الألغام البحرية.