القاعدة بعباءة جديدة.. محللون سياسيون وصحافيون يتساءلون عن موقف الحكومة من تشكيلات حضرموت؟

يثير ظهور تشكيلات سياسية جديدة ذات خلفيات متشددة في محافظة حضرموت، شرقي اليمن، وعلى رأسها ما تسمى حركة "تيار التغيير والحرية"، الذي يتزعمه القيادي السابق في تنظيم القاعدة "أبو عمر النهدي"، تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية.

واستغرب محللون سياسيون وصحافيون وناشطون عن سر الصمت المطبق لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دولياً تجاه هذه التحركات، التي تمت في وضح النهار وتحت غطاء سياسي، من دون أي موقف رسمي واضح، سواء بالرفض أو حتى التوضيح.

ويوم الاثنين أعلن لقاء موسّع في منطقة العبر بمدينة سيئون، إطلاق حركة "تيار التغيير والحرية" برئاسة أبو عمر النهدي، الذي أعلن انشقاقه عن تنظيم القاعدة في 2018، وكان يلقب بـ"رفيق الشرع في القتال بالعراق"، في إشارة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع الذي يحظى بدعم تركي واسع، أفضى إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد وتوليه مقاليد الحكم في البلاد.

علامات استفهام كبرى

تدور علامات استفهام كبرى حول الجهة الحكومة التي منحت ترخيصاً لتشكيل هذا الكيان، وعقد اللقاءات التي رافقت الإعلان عنه، خصوصا وانشاء الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني وما شابه ذلك، لا يتم إلا بموجب تراخيص رسمية مسبقة. فبينما تنشط السلطة في ملاحقة الأصوات المدنية أحياناً، يبدو أن الجماعات ذات الخلفيات الراديكالية تتمتع بحرية حركة مريبة، تطرح تساؤلات عن المعايير المعتمدة في تقييم الأنشطة السياسية في البلاد، وعن حجم الاختراق أو التواطؤ الممكن داخل مؤسسات الدولة أو بعض القوى المتنفذة فيها.

ويتساءل الكاتب سامي العطاس على حسابه في موقع فيسبوك، مخاطبا رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، والسلطات المعنية: "اليوم تجمع إرهابي على ارض حضرمية، ولم نسمع لكم صوت الى اللحظة!!”.

وعلى نفس الصعيد، وفي ذات المنصة الاجتماعية، يتحدث رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، فتحي بن لزرق، على حسابه الشخصي عن توقعاته لهذا مسبقاً، موضحاً: "الكيان الذي تحدثنا عنه أمس يشهر نفسه اليوم بدعم تركي"، في إشارة ضمنية إلى تحذيره سابقاً من تربص أطياف عدة ركوب موجة المطالب الشعبية التي يرفعها المواطنون وتتركز في الخدمات وتحسين الوضع المعيشي ومعالجة انهيار العملة.

ويضيف: "رئيس التيار أبو عمر النهدي، هو رفيق الرئيس السوري احمد الشرع في القتال بالعراق. وهو أحد أبرز قادة القاعدة المنشقين عنها في 2018م".

غطاء تقليدي

الحديث عن انشقاق "النهدي" عن تنظيم القاعدة لا يحمل قيمة سياسية حقيقية في نظر كثير من المراقبين. إذ إن استخدام تهمة "الانشقاق" بات غطاءً تقليدياً تلجأ إليه شخصيات مصنفة دولياً كمتشددة، بهدف الدخول مجدداً إلى المشهد من بوابة العمل السياسي المشروع.

ويشكك محللون في صحة هذا الانشقاق، مشيرين إلى أن تكرار هذا السيناريو بات تكتيكاً مكشوفاً تستخدمه جماعات وأفراد يعملون ضمن أجندة إقليمية تسعى لإعادة تشكيل الخارطة المحلية بما يخدم مصالحها.

ساحة اختبار جديدة

ويرى المحللون، ان اختيار حضرموت لتكون مسرحاً لهذا النوع من التشكيلات، لم يكن عبثياً، فالمحافظة، رغم بعدها النسبي عن جبهات الصراع التقليدية، إلا أنها تُمثل أهمية استراتيجية كبرى، من حيث الموقع والثروات والنفوذ المجتمعي، الأمر الذي يجعلها هدفاً مغرياً لقوى تسعى لترسيخ حضورها إما عبر القوة أو عبر غطاء سياسي مزيف.

واعربوا عن مخاوفهم من أن تتحول المحافظة إلى نقطة انطلاق لمشاريع متطرفة، تسعى إلى إعادة إنتاج الإرهاب ولكن هذه المرة بثوب سياسي.

وينظرون إلى أن الغياب غير المبرر لموقف مجلس القيادة الرئاسي والحكومة علامة ضعف، أو على الأقل عدم إدراك لخطورة المشهد المتشكل، خصوصاً والسماح بصعود تيارات ذات خلفية عنفية أو إرهابية، تحت عناوين براقة كـ"التغيير" و"الحرية"، دونما محاسبة أو مساءلة، يفتح الباب واسعاً أمام فوضى جديدة، قد تعيد اليمن إلى مربع العنف، في وقت يسعى فيه اليمنيون إلى التقاط أنفاسهم بعد سنوات من الحرب والدمار.

ويؤكدون على أن الوضع الحالي يتطلب تحركاً وطنياً شاملاً، تبدأه الحكومة ومجلس القيادة بإعلان موقف واضح وحازم من هذه التشكيلات، مع فتح تحقيق شفاف في كيفية نشوئها ومن يقف وراءها.

ويشددون على ضرورة دعم الجهود الاستخباراتية والمجتمعية لرصد أي تحركات مشبوهة، والعمل على بناء جبهة وطنية موحدة ترفض عودة المتشددين عبر الأبواب الخلفية، مشيرين إلى أن الحفاظ على استقرار اليمن يبدأ من حماية بواباته السياسية من الاختراقات المتطرفة، مهما تنوعت أسماؤها وأقنعتها.