الوكالة الذرية تشترط حل "النقاط الغامضة" قبل أي اتفاق نووي بين واشنطن وطهران
قالت أكثر من 10 مصادر مطلعة على أنشطة إيران الذرية لوكالة "رويترز"، من بينهم مسؤولون ودبلوماسيون ومحللون، إن "نجاح أي اتفاق نووي بين طهران وواشنطن مرهون بمعالجة نقاط الغموض تلك بالنسبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وواجه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة "فجوة كبيرة" في معلوماتهم بشأن موقع "فوردو" النووي الإيراني، العام الماضي، عندما شاهدوا شاحنات تحمل أجهزة طرد مركزي متطورة لتخصيب اليورانيوم تدخل إلى المنشأة المقامة داخل جبل جنوبي طهران.
وقال مسؤول مطلع على أعمال المراقبة التي تقوم بها الوكالة، مع اشتراط عدم الكشف عن هويته، إن إيران أخطرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه سيتم تركيب المئات من أجهزة الطرد المركزي الإضافية من طراز "آي آر-6" في منشأة "فوردو"، لكن المفتشين لم تكن لديهم أي فكرة عن مصدر تلك الأجهزة المتطورة.
وسلطت هذه الواقعة الضوء على حجم الفجوة والغموض في متابعة الوكالة لمسار بعض العناصر الحاسمة في أنشطة إيران النووية منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق عام 2015 الذي فرض قيوداً صارمة وإشرافاً دقيقاً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أنشطة إيران.
وتظهر التقارير الفصلية للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن "نقاط الغموض" الرئيسية تتمثل في عدم معرفة عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها إيران أو مكان إنتاج وتخزين هذه الأجهزة وأجزائها. ولم يكن بمقدور الوكالة أيضاً إجراء عمليات تفتيش مفاجئة في مواقع لم تعلن عنها إيران.
وبدأت الولايات المتحدة محادثات جديدة مع إيران بهدف فرض قيود نووية جديدة على طهران.
"معالجة نقاط الغموض"
وقال علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، لـ"رويترز"، إن "هناك ثغرات في معرفة الوكالة بالبرنامج النووي الإيراني يجب معالجتها من أجل الحصول على فهم أساسي لحجمه ونطاقه الحاليين".
وأضاف: "قد نحتاج إلى شهور لمعرفة ذلك، لكنه أمر بالغ الأهمية إذا ما أرادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأطراف المشاركة في المفاوضات أن تكون لديهم الثقة في مزايا عدم الانتشار النووي التي يحققها الاتفاق".
وأحجمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي ترفع تقاريرها إلى الدول الأعضاء وعددهم 180، عن التعليق على هذا التقرير لوكالة "رويترز". ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية على أسئلة من "رويترز".
وترى إيران منذ فترة طويلة أنه يحق لها التخلي عن التزاماتها بتعزيز إشراف الوكالة بموجب اتفاق عام 2015 بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق. وتنفي طهران اتهامات الغرب لها بأنها تبقي على الأقل خيار صنع سلاح نووي قائماً، وتقول إن أهدافها سلمية بحتة.
وعند إبرام الاتفاق النووي عام 2015 سعت الولايات المتحدة والقوى العالمية إلى تقليص المدة التي ستحتاجها طهران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية واحدة إلى عام على الأقل. وكان ذلك من خلال تحديد درجة النقاء التي يمكن أن تصل إليها في تخصيب اليورانيوم عند أقل من 4%.
لكن تلك الفترة الزمنية انتهت تقريباً إذ ركَّبت إيران أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً من أي وقت مضى وتخصّب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60%، أي ما يقارب 90% من الدرجة المطلوبة لصنع اسلحة نووية، وفق وكالة "رويترز".
"تقدم برنامج التخصيب الإيراني"
وذكر تقرير سري أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مطلع هذا الأسبوع، أن إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لمستوى 60% والذي يمكن، في حالة تخصيبه لمستوى أعلى، أن يُستخدم في صنع 9 أسلحة نووية.
وأضافت الوكالة أنه لا يوجد بلد آخر خصَّب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي دون إنتاج أسلحة نووية. وغالباً ما تستخدم محطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية وقوداً مخصباً بنسبة تتراوح بين 3 و5%.
وقال مسؤول أوروبي متابع للبرنامج النووي الإيراني إن "برنامج التخصيب صار الآن متقدماً جداً لدرجة أنه حتى لو تم وقفه بالكامل، فإن الإيرانيين يمكنهم إعادة بنائه وتشغيله في غضون بضعة أشهر".
وبعد 5 جولات من المناقشات بين المفاوضين الإيرانيين والأمريكيين، لا تزال هناك عدة عقبات منها رفض إيران لمطلب أمريكي بأن تلتزم بوقف التخصيب، ورفضها شحن مخزونها الحالي من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج.
"القيود الزمنية"
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته إنه في ظل صعوبة استعادة تطبيق "القيود الزمنية" الواردة في اتفاق 2015، والتي تحد من قدرة إيران على إنتاج مواد انشطارية لصنع سلاح نووي، فإن أي اتفاق جديد سيتطلب تعزيز إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرنامج النووي.
وقبل ما يقرب من 3 سنوات أمرت إيران بإزالة جميع معدات المراقبة والرصد التي جرى تركيبها بموجب اتفاق عام 2015، بما في ذلك كاميرات المراقبة في الورش التي تصنع أجزاء أجهزة الطرد المركزي. وبحلول ذلك الوقت، لم تكن الوكالة قد اطلعت على تسجيلات تلك الكاميرات لما يزيد على عام.
وتعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأمر تركيب ما يقرب من 20 ألف جهاز طرد مركزي في منشآت التخصيب الإيرانية، لكنها لا تعرف عدد الأجهزة الأخرى التي تم إنتاجها في السنوات الماضية أو أماكن وجودها.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن رقابة الوكالة أمر بالغ الأهمية للمجتمع الدولي لفهم المدى الكامل للبرنامج النووي الإيراني، لكنه أضاف أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة "التفاوض بشأن هذه المسائل علناً".
إيران ترفض وقف التخصيب
وحدد الاتفاق المبرم عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما درجة النقاء المسموح بها لإيران لتخصيب اليورانيوم عند 3.67%، وهي أقل بكثير من نسبة 20% التي وصلت إليها آنذاك، وقيد الاتفاق أيضاً عدد ونوع أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لإيران استخدامها ومكانها. ولم يُسمح بالتخصيب في منشأة "فوردو".
وفي الوقت نفسه، وافقت إيران على عمليات التفتيش المفاجئة وتوسيع نطاق إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليشمل مجالات مثل إنتاج أجهزة الطرد المركزي، ومخزون إيران من المادة التي يطلق عليها الكعكة الصفراء من اليورانيوم غير المخصب.
وأظهرت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران التزمت بالقيود المفروضة على العناصر الرئيسية لبرنامجها النووي، ومنها التخصيب، حتى بعد أكثر من عام من انسحاب ترمب من الاتفاق في عام 2018 خلال ولايته الأولى.
وندد الرئيس الأميركي بالاتفاق ووصفه بأنه "اتفاق أحادي الجانب مروع" كونه لم يعالج قضايا أخرى مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو دورها في الصراعات الإقليمية.
ودفع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق طهران إلى الرد، سواء من خلال تجاوز حدود التخصيب والقيود على عدد أجهزة الطرد المركزي أو بإلغاء تصاريح الإشراف الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي وضع بعد اتفاق عام 2015.
ومع ذلك، لا تزال إيران تسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول المنتظم إلى منشآتها في إطار التزاماتها طويلة الأمد كونها أحد الأطراف الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي والتي لا يوجد بموجبها قيود على مستوى التخصيب ولكنها تقصر استخدام التكنولوجيا النووية على الأغراض السلمية.
وبدأ المفاوضون الأميركيون والإيرانيون محادثاتهم النووية الجديدة في أبريل، فيما هدد ترمب بعمل عسكري في حالة عدم التوصل إلى اتفاق.
وقال رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، في واشنطن، في أبريل، إنه من المهم أن تقبل إيران بقيود "لا يمكن التنصل منها" لتمكين الوكالة من طمأنة العالم بشأن نوايا إيران، دون أن يحدد القيود.
وقال الأسبوع الماضي إن أي اتفاق جديد يجب أن ينص على "تفتيش دقيق للغاية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها لا تستطيع حالياً "تقديم ضمانات بأن برنامج إيران النووي سلمي تماماً".
"حل اللغز"
يتوقع دبلوماسيون منذ سنوات أن يكلف أي اتفاق جديد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمهمة إنشاء ما يسمى بخط الأساس، أي تكوين صورة كاملة عن حالة جميع جوانب البرنامج النووي الإيراني وسد الثغرات في المعلومات التي تملكها الوكالة قدر الإمكان.
وقال إريك بروير، وهو محلل استخباراتي أميركي سابق يعمل حالياً في مبادرة التهديد النووي: "سيكون تجميع هذا اللغز جزءاً أساسياً من أي اتفاق. نعلم أن إنشاء خط الأساس الجديد سيكون صعباً". ومبادرة التهديد النووي منظمة غير حكومية تركز على الأمن ومقرها واشنطن.
وأضاف: "سيعتمد ذلك جزئياً على مدى تعاون إيران". وتابع أنه حتى في هذه الحالة، من المحتمل بشكل كبير ألا تحصل الوكالة الذرية على صورة كاملة لأنشطة طهران. وقال: "هل هذا الغموض مقبول بالنسبة للولايات المتحدة؟.. سؤال مهم".
وسيمثل وضع خط أساس تحدياً كبيراً على وجه الخصوص نظراً لأن بعض النقاط الغامضة قائمة منذ وقت طويل ولا يمكن استيضاحها بالكامل. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقارير فصلية للدول الأعضاء إنها فقدت "استمرارية المعرفة"، ولن تكون قادرة على استعادتها بشأن إنتاج ومخزون أجهزة الطرد المركزي وبعض أجزاء أجهزة الطرد المركزي ومادة الكعكة الصفراء.