كيف حول الحوثيون الجامعات إلى ثكنات للولاء السلالي؟

تشهد مؤسسات التعليم العالي في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي واحدة من أخطر عمليات الاستهداف الممنهج، حيث تحوّلت الجامعات اليمنية، وعلى رأسها جامعة صنعاء، من فضاءات للعلم والبحث والمعرفة إلى ساحات صراع أيديولوجي ومنصات لتكريس الولاء السلالي. 

تكشف المعطيات الميدانية أن مليشيا الحوثي باتت تخوض حرب استنزاف شاملة ضد التعليم الأكاديمي، طالت الكوادر، والبنى الإدارية، والرسالة العلمية نفسها، بما يهدد مستقبل آلاف الطلاب ويفاقم انهيار المنظومة التعليمية في البلاد.

منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، بدأت حملة ممنهجة لإقصاء الأكاديميين المستقلين أو المخالفين فكرياً وسياسياً. 

ووفق شهادات أكاديميين، فقد طالت الإقالات التعسفية عمداء كليات ورؤساء أقسام وأساتذة ذوي خبرات طويلة، تم استبدالهم بموالين ينحدر كثير منهم من أسر سلالية، دون الالتفات إلى الكفاءة أو المؤهلات العلمية.

هذه السياسة، التي تضع الولاء الأيديولوجي فوق أي معيار مهني، أفرغت الجامعات من عقولها وخبراتها المتخصصة، ودفعت بكفاءات كثيرة إلى الهجرة أو الانسحاب الصامت، تاركة فراغاً خطيراً في البنية الأكاديمية. 

وباتت المناصب الإدارية العليا تدار من قبل أشخاص لا يمتلكون الخبرة اللازمة، لكنهم يُعدّون جزءاً من منظومة السلطة الحوثية الحاكمة.

تسييس الحرم الجامعي

لم يتوقف التدخل الحوثي عند حدود التعيينات، بل امتد إلى قلب الحرم الجامعي نفسه. وتحولت قاعات ومدرجات جامعية إلى مواقع لإقامة فعاليات طائفية ومناسبات عقائدية تروّج للفكر السلالي، في مشهد يناقض تماماً حيادية الجامعات ودورها العلمي.

ويؤكد طلاب وأعضاء هيئة تدريس أن الكثير من الفعاليات الأكاديمية أُلغيت أو جرى تضييقها لصالح أنشطة وفعاليات تعبئة سياسية، طائفية، فيما أصبحت بعض الكليات تُدار وفق جدول فعاليات موحّد يخدم أجندة المليشيات الحوثية، على حساب المحاضرات والبحوث والدروس العملية.  الأمر الذي خلق بيئة طاردة وغير آمنة للطلاب والأكاديميين الذين لا يتماشون مع التوجهات المفروضة.

تجميد البحث العلمي واستنزاف الموارد

ترافق هذا التسييس مع تقييد صارم للبحث العلمي، خصوصاً في التخصصات ذات الطابع الحقوقي أو الاجتماعي أو الإنساني. وتشير مصادر أكاديمية إلى منع كثير من الأبحاث الميدانية وفرض رقابة أمنية مباشرة على المشرفين والطلاب، في خطوة تخنق أي تطور معرفي حقيقي.

على الجانب المالي، تعاني الجامعات من استنزاف كامل لإيراداتها التشغيلية، بما فيها التعليم الموازي ورسوم التسجيل. وتُحول هذه الموارد إلى جهات تابعة للحوثيين وأنشطتهم، ما أدى إلى شلل شبه كامل في صيانة المباني والمختبرات، وتعطل المشاريع الأكاديمية، وحرمان الكادر التدريسي من حقوقه المالية، الأمر الذي تسبب بحالات بؤس ومعاناة نفسية متفرقة لأكاديميين حُرموا من مرتباتهم ومستحقاتهم.

المخرجات الكارثية... شهادات بلا قيمة وجيل يواجه المجهول

أدت هذه التحولات العميقة إلى تدهور غير مسبوق في جودة التعليم. فمع غياب التدريب، وتراجع البحث العلمي، وتنامي الضغوط لرفع نتائج الطلاب دون معايير موضوعية، أصبحت الشهادات الجامعية أقل مصداقية، فيما تراجع مستوى الخريجين بصورة لافتة.

كما تسببت الأزمة الاقتصادية في زيادة كلفة التعليم وانخفاض الإقبال على الجامعات، في ظل غياب أي ضمانات لفرص توظيف مستقبلية.

 وبات التعليم العالي في مناطق سيطرة الحوثيين أقرب إلى هياكل فارغة تدار وفق أجندة عقائدية، تفرز جيلاً يواجه مستقبلاً غامضاً في ظل انهيار الرقابة وتآكل الدور الوطني للجامعات.