يئنون تحت مقصلة العقوبات.. هل تنجح ضغوط "أوليغارش روسيا" لوقف الحرب؟

بعدما شملتهم العقوبات الغربية، أثارت دعوة بعض أعضاء الأوليغارشية في روسيا، المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، إلى وقف الحرب على أوكرانيا، تساؤلات بشأن قدرتهم على تشكيل ضغط على القيادة العسكرية.

ويواجه الاقتصاد الروسي واحدة من أخطر الأزمات منذ سقوط الاتحاد السوفيتي بعد أن فرض الغرب عقوبات شديدة لعزل موسكو عن النظام المالي العالمي، مما دفع الشركات إلى وقف مبيعات وقطع علاقات والتخلي عن استثمارات بقيمة عشرات المليارات من الدولارات.

وتشير كلمة الأوليغارشية إلى مجموعة من الروس الأثرياء الذين برزوا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991.

وفي ظل الوضع الحالي، برزت دعوة بعض أعضاء الأوليغارشية، بعدما ضمتهم القائمة الأحدث من عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا، التي نُشرت الاثنين الماضي في الجريدة الرسمية للاتحاد.

ومن بين هؤلاء اثنان من أبرز رجال الأعمال الروس وهما ميخائيل فريدمان وبيتر آفين. وقد كسب الشريكان القديمان مليارات الدولارات من تجارة النفط والبنوك والتجزئة. 

ونقلت رويترز عن فريدمان قوله: "ما يجري هو مأساة كبيرة بالنسبة لي. يجب وقف الحرب"، قائلا إنه وآفين سيطعنان على عقوبات الاتحاد الأوروبي.

كما كتب الملياردير أوليغ ديريباسكا، وهو قطب صناعة الألمنيوم، في قناته على تلغرام: "السلام مهم جدا. يجب أن تبدأ المفاوضات في أقرب وقت ممكن".

ولم يحضر فريدمان وديريباسكا، الجمعة الماضية، اجتماعا بين بوتين وكبار رجال الأعمال في الكرملين، حيث زعم بوتين أنه لا خيار أمامه سوى غزو أوكرانيا، حسبما نقلت صحيفة موسكو تايمز.

يقول بوتين إن "العملية العسكرية الخاصة"، التي شنها الأسبوع الماضي، ضرورية لضمان الأمن الروسي ونزع سلاح أوكرانيا.

ويقول الغرب إن معاقبة أغنى رجال روسيا يشكل ضغوطا على بوتين، وفي المقابل يستبعد محللون تحدثوا لموقع "الحرة" أن يستمع بوتين إلى آراء رجال الأعمال، خاصة فيما يتعلق بمسائل الأمن القومي.

وبعد العقوبات المفروضة عليه، يقول فريدمان: "لن يؤثر أي شيء يحدث معي على القرارات السياسية في روسيا". 

وفريدمان هو المؤسس المشارك لشركة الأسهم الخاصة "لتر ون" التي تمتلك استثمارات طويلة الأجل تزيد عن 33.5 مليار دولار في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والصحة والتجزئة.

كما يسيطر، إلى جانب شركاء آخرين، على مجموعة ألفا غروب التي تضم أكبر بنك خاص في روسيا (ألفا بنك)، وأكبر شركة لبيع المواد الغذائية بالتجزئة (فيفدير غروب).

وفي هذا السياق، يقول روبرت بيرسون، أستاذ العلاقات الدولية في الأكاديمية العسكرية الأميركية، لموقع "الحرة": "بوتين لا يشتري ولاء الأوليغارش، بل يبتزهم. ونظرا لتحكمه في تدفق الموارد، يمكنه أن يهدد بقطعها إذا لم يطيعوا توجيهاته". 

واستكمل قائلا: "في الواقع، يمكن لبوتين الذهاب إلى أبعد من ذلك والاستيلاء على أصولهم".

حكم بوتين والأوليغارش

بحسب بيرسون، المتخصص في السياسة الروسية وسياسات ما بعد الاتحاد السوفيتي، تعد الأوليغارشية الروسية جزءا لا يتجزأ من الطريقة التي يحكم بها بوتين روسيا هذه الأيام. 

وأضاف "بوتين هو الذي يقرر أي الشركات الكبرى (سواء عامة أو خاصة) وأي عضو من الأوليغارش سيديرون ثروة روسيا الكبيرة من الموارد الطبيعية".

ويعتمد بوتين، والحديث لبيرسون، على الأوليغارش في استخدام تلك الموارد للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي من خلال معدلات بطالة منخفضة، والاستثمار في المشاريع الاستراتيجية التي يقررها هو، واتباع أي توجيهات أخرى يقدمها. 

وفي المقابل، يحصل الأوليغارش على ثروات هائلة من الموارد الروسية لأغراضهم الخاصة، بحسب بيرسون الذي يقول إن ثروتهم وممتلكاتهم في روسيا مشروطة، موضحا "لا يتمتعون بها إلا إذا بقوا تحت سلطة بوتين".

معاقبة الأوليغارش 

وفقا للاتحاد الأوروبي فإن آفين "واحد من أقرب أعضاء الأوليغارشية إلى فلاديمير بوتين"، وإن فريدمان "كان يشار إليه على أنه ممول روسي كبير وعامل مساعد في الدائرة المقربة لبوتين".

ونفا الرجلان أي "علاقة مالية أو سياسية مع الرئيس بوتين أو الكرملين".

وأدرج الاتحاد الأوروبي على لائحته السوداء 26 من رجال الأعمال الروس. وتلزم العقوبات المصارف الأوروبية رفض أي ايداع مالي من مواطنين روس تفوق قيمته 100 ألف يورو. 

وسيتم منع العديد من الشركات الروسية المرتبطة بالدولة، من نيل تمويل أوروبي.

كندا أيضا أعلنت أنها ستفرض عقوبات على "58 شخصية وكيانا" روسيا بمن فيهم "أشخاص من النخبة الروسية" و"مصارف روسية كبيرة".

يتساءل فريدمان: لماذا يجب منع الروس، لمجرد أنهم روس، من ممارسة الأعمال التجارية خارج روسيا؟

في ذات الوقت فرضت بريطانيا عقوبات على ثلاثة رجال هم رجل الأعمال الروسي جينادي تيمتشينكو والمليارديرين إيغور وبوريس روتنبرغ، وجميعهم من حلفاء بوتين، ومن سان بطرسبرغ، ونمت ثرواتهم الشخصية بشكل سريع بعد صعود بوتين إلى سدة الرئاسة. 

وتفرض الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على الرجال الثلاثة.

ويصف بيرسون العقوبات المفروضة على الأوليغارش في عهد بوتين بـ"الكبيرة التي تتجاوز القيمة الرمزية التي يتمتعون بها". 

وأضاف "أولئك الذين شاركوا في حكمه الديكتاتوري وقمع الشعب الروسي يستحقون العقاب بالمنع من الوصول إلى الفلل الأوروبية، وشقق لندن، ورحلات التسوق الفخمة إلى باريس وميلانو ونيويورك، وكل الملذات التي تأتي بها ثرواتهم".

وتابع "لقد تمت سرقة تلك الثروة من الشعب الروسي الذي يعاني الآن آلاما اقتصادية حقيقية للغاية". 

تأثير العقوبات

وكان الروبل هبط إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 120 للدولار. وكانت أكثر العقوبات فاعلية حتى الآن هي تلك المفروضة على البنك المركزي الروسي والتي تمنعه ​​من استخدام صندوق الحرب، البالغ حجمه 630 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي لدعم الروبل.

ويتخذ المسؤولون الروس خطوات للتخفيف من تأثير العقوبات الاقتصادية الهائلة، ومنها قيام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة لحماية سعر صرف الروبل، ومطالبة الشركات ببيع أرباح العملات الأجنبية، وإتاحة ائتمان قصير الأجل غير محدود للبنوك.

ويصف فريدمان، وهو مقيم ضريبي في المملكة المتحدة، الحرب في أوكرانيا بأنها مأساة، وقال إنه يجب أن تتوقف لكنه امتنع عن قول المزيد، مشيرا إلى حساسيات التعليق على السياسة في روسيا.

ورغم دعوة فريدمان وغيره للسلام، استبعد بيرسون أن يضغط الأوليغارش على بوتين لإنهاء الحرب، قائلا: "هم يعتمدون عليه أكثر من اللازم، بل ويخافون منه. غالبا هم يخشون فقدان ثرواتهم، لكنهم يخشون أيضا فقدان حريتهم، أو حياتهم، إذا انفصلوا عن بوتين".

وأضاف "لا تستطيع النخبة الحاكمة في روسيا وقف هذه الحرب. الأوليغارش نتاج بوتين ونظامه. هم في القبو معه وأظن أنهم سيظلون معه حتى النهاية، متى كان ذلك ممكنا".

ويقول مايكل إس. بيرنستام، زميل باحث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد الأميركية، لموقع "الحرة": "لا أرى أحدا قادرا على إيقاف هذا الرجل الواحد في روسيا". 

ويرى بيرنستام أن روسيا أصبحت الآن دولة يحكمها رجل واحد، على عكس الاتحاد السوفيتي الذي استمر لمدة 48 عاما تقريبا بعد وفاة جوزيف ستالين عام 1953. 

وأضاف "إنها (روسيا) أشبه بألمانيا في ظل هتلر أو كوريا الشمالية اليوم".