فساد الأمم المتحدة في اليمن يتشابك مع فساد طرفي الصراع
فيما تؤكد مرجعيات الأمم المتحدة على مكافحة الفساد، خاصة في دول الصراعات والنزاعات، إلا أنها في اليمن تخلت عن جميع هذه المرجعيات الأخلاقية والقانونية، وتشابك فساد هيئاتها مع الفساد المحلي لطرفي الصراع، والضحية هو المواطن اليمني الذي تتفاقم معاناته كل يوم ويستثمرها طرفا الحرب.
تقارير استقصائية وإعلامية عدة كشفت عن ضلوع الأمم المتحدة في منظومة الفساد في اليمن، في ظل مخالفات، وممارسات نهب وفساد واضحة في عملها في اليمن واستثمارها لمعاناة اليمنيين.
ففي تحقيق لها، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية عن تورُّط أكثر من عشرة عمال إغاثة تابعين للأمم المتحدة في اليمن بقضايا نهب وفساد، إضافة إلى اتهامات بالتعاون مع المتحاربين من مختلف أطراف النزاع للاستفادة من مليارات الدولارات من المساعدات المتبرع بها لليمن، مما اضطر الوكالة والتي قالت إنّها حصلت على وثائق تحقيقات داخلية لمنظمات الأمم المتحدة، أن تقول إن منظمة الصحة العالمية تحقق في عدد من المزاعم، بينها توظيف أشخاص غير مؤهلين برواتب عالية.
وأكدت التقارير أن المنظمات الأممية تنفق أكثر من ثلث المساعدات على النفقات الإدارية، والتغاضي عن سطو ونهب المليشيات الحوثية على أغلب المعونات لتقديمها للموالين لها إلى جانب تسخير جزء كبير منها لمقاتليها في الجبهات.
وفي ظل الحديث المتكرر للمنظمة الأممية وبرامجها في اليمن وتحذيراتها من مجاعة وشيكة، فإنها لا تغير من الواقع شيئا على الأرض، كترشيد النفقات التشغيلية أو تخفيض مرتبات موظفيها، وانما تحاول استعطاف المانحين لتحصيل تبرعات ومنح جديدة تعود لجيوب وأرصدة القائمين على تلك المنظمات والمتعاونين معها من طرفي الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي.
تقرير وكالة اسوشيتدبرس لم يكن الوحيد الذي كشف عن فساد الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص في اليمن على حساب اليمنيين، والتي أكدت أن كل المبالغ التي تتحصل عليها الأمم المتحدة ومنظماتها من قبل المانحين والداعمين والتي كان من المفترض أن يقدموا تلك الأموال لليمنيين لتحسين الوضع المعيشي والإنساني، إلا أنها لم تورد للبنك المركزي اليمني في عدن من قبل الداعمين والمانحين.
وأصبح اليمن يعيش أسوأ مجاعة إنسانية ومعيشية نتيجة عدم تقديم العون والمساعدة، إذ إن تلك البعثات والمنظمات الأممية تتحصل على مساعدات باسم اليمن واليمنيين ولم تحقق أي شيء لصالح اليمنيين في تحسين الإغاثة الإنسانية والوضع المعيشي، نتيجة تدهور العملة المحلية وعدم وجود العملة الصعبة في البنك المركزي.
التقارير الأميركية أكدت وجود تلاعب يمارسه مكتب الصحة العالمية واليونيسف في صنعاء، شمل الموافقة على عشرات العقود المشبوهة دون الأوراق المطلوبة، وأن أطنانا من الأدوية والوقود المتبرَع بهما ذهبت في عِداد المفقودين وكان من بين المتهمين بالتلاعب، رئيس مكتب الصحة العالمية في صنعاء نيفيو زاجاريا، حيث كتب التقرير إنّ مكتب الصحة العالمية عندما كان تحت قيادة زاجاريا كان مليئا بالفساد والمحسوبية، وأنه استعان بموظفين مبتدئين سبق أن عملوا معه في الفلبين ورفعهم إلى وظائف ذات رواتب عالية رغم أنهم غير مؤهلين وأن اثنين منهم كانت مهمتهما رعاية كلب المسؤول الأممي.
وتحدث التحقيق عن قيام موظف في منظمة اليونيسف يدعى خورام جافيد بمساعدة قيادات من ميليشيات الحوثية في التحرُّك وحمايتهم من الغارات الجوية بل وسمح للقيادات الحوثية باستخدام مركبات تابعة للوكالة الأممية، وأعطى فعليا، بحسب تحقيق الوكالة، الحماية الرسمية للقيادات الحوثية من الغارات الجوية.
منذ العام 2014 وكل المراقبين يلحظون اضطرابا في كيفية تعاطي الأمم المتحدة في اليمن مع الأزمة اليمنية، سواءً في شقها السياسي أو الإنساني، ولا ينسى اليمنيون ما رأوه من أداء المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، فإضافة إلى فشله المزمن في دفع فرقاء الصراع إلى استئناف المسار السياسي بما يؤدّي إلى إيجاد حل جذري ينهي حالة الحرب فقد اكتفى بتسويق مبادراتٍ وتسوياتٍ جزئية أسهمت في تشتيت الحل السياسي بما في ذلك الصراع.
وتؤكد مصادر مطلعة لوكالة خبر، أن منظومة الأمم المتحدة عملت بكل الوسائل على إبقاء الوضع في اليمن على ما هو عليه، سواء في الشق السياسي أو الإنساني، إذ تتبع هيئات الأمم المتحدة الإغاثية آلية عمل تعتمد بالمجمل على حلولٍ آنية لا تقدّم حلا جذريا لحالة الفقر في اليمن ودعم الفئات الأكثر احتياجاً وضعفاً إذ تورّطت بعض منظمات الإغاثة الأممية العاملة في تغذية الحرب في اليمن، من خلال توزيع الإغاثة لأسر المقاتلين في جبهات الحروب، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، أو في مناطق الحكومة اليمنية، بما في ذلك مناطق المواجهات، ما يجعلها داعما رئيسا للحرب.
وعبرت المصادر عن أسفها من استمرار هدر كل هذه الأموال المرصودة للعملية الإنسانية في اليمن، وإنفاقها على فعاليات لا تخدم مصالحهم، في ظل ضلوع منظمات الأمم المتحدة بجزء من منظومة الفساد، بحيث لا تختلف عن سلطات الحرب، كونها تتغذّى على استمرار معاناة اليمنيين.
ودعت المصادر جميع الدول والداعمين والمانحين وقف دعمهم من مساعدات إنسانية ومبالغ تقدم لتلك المنظمات الدولية، والتي تتضخم ارصدتها مقابل تعمد مفاقمة معاناة اليمنيين لاستثمارها في الحصول على تبرعات ومنح جديدة.
تدليس أممي
يؤكد الكاتب الصحفي والباحث السياسي محمود الطاهر، أن مسؤولين وموظفين أمميين مارسوا التدليس والفساد، وهم من ساهموا في صناعة أكبر أزمة إنسانية في العالم، بسبب تسترهم على سرقة المساعدات الإنسانية من قبل الحوثيين.
وأوضح الطاهر، في تصريح لوكالة خبر، أن الحوثيين مارسوا ابتزازات أكبر على الموظفين ومسئولي المنظمات الدولية في المناطق الخاضعة لهم، بل وصل الأمر إلى إبرام اتفاقية يحصل الحوثيون بموجبها على المساعدات ويتقاسمونها مع المبعوثين الأمميين.
وقال إن مركز الملك سلمان للإغاثة، والهلال الأحمر الإماراتي، يعملان أكثر من المنظمات الدولية، ويصلان إلى مختلف شرائح اليمن، حتى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ومن الأهمية أن يتم الاستغناء عن تلك المنظمات الدولية، واستبدالها بمراكز عربية، يهمها أولًا المواطن اليمني.
وأكد أن المنظمات الدولية فقط تعمل مع الحوثيين لا مع الشعب اليمني، وهناك أدلة كثيرة من خلال المساعدات التي تذهب إلى أسر هاشمية معينة، فيما اليمنيون لا يحصلون إلا الفتات من تلك المساعدات، وإن حصلوا على ذلك، يكون مقايضة قذرة من الحوثيين: الأطفال مقابل المساعدات.
انعدام الشفافية
بالإضافة إلى ما سبق، هناك انعدام للشفافية في هذه المنظمات القائمة على تلك المشاريع الإنسانية، فلا تجد برامج واضحة عن حجم الدعم والمشاريع التي تقوم بها هذه المنظمات، كما أن هناك فسادا في القائمين على تنسيق وترتيب عمل هذه المنظمات على المستوى المحلي، حيث تستعين هذه المنظمات بالسلطات المحلية التابعة لمنظومة الشرعية، لتنسيق وترتيب الدعم والمشاريع التي تنفذها.
فساد ممنهج
يرى الكثير من المتابعين أن عمليات الفساد أيضاً طالت حتى السلات الغذائية التي يتم توزيعها من الجزء المتبقي من المساعدات، وما يتم تقديمه للمواطن لا يعادل نصف ثمنها المسجل لدى الجهات القائمة على هذا الأمر.
ففي الوقت الذي تكرر فيه المنظمة الدولية الحديث عن المجاعة في اليمن، نجدها لا تغير من الواقع شيئاً على الأرض، فلم نسمع عن ترشيد النفقات التشغيلية أو تخفيض الرواتب، بل تسير الأمور كما هى تزامناً مع تلك الصرخات، هذا بجانب التقارير الأمنية التي تحدثت حتى عن فساد المواد الغذائية التي يتم تقديمها وأنها منتهية الصلاحية وتم إدخالها عبر الموانئ الرسمية، هذا بالإضافة إلى انتهاء صلاحية حليب الأطفال أيضاً.