صفحة سياسية سوداء

 أي رؤية سياسية أو استراتيجية لا يكون لجماهير الشعب فيها حضور أصيل وأساسي، ولا تكون المصلحة العليا للوطن أهم مرتكزاتها وفحوى مدخلاتها ومخرجاتها، هي رؤية قاصرة، مهما كانت ظروفها ومبرراتها.. فالوطن قيمة مطلقة، لا تجوز المناورة والمقامرة فيها، وهذه قيمة يجب تنزيهها عن أية قيم مادية أو شخصية، مثلما يجب أن تتفق عليها كل الإرادات على تعددها ومواقفها وأيا كان تنافرها، وأية كانت صراعاتها.

ذلك الأمر هو ما ينبغي وما يفترض أن يكون بطبيعية حتمية في أي مجتمع مؤطر على أي شكل سياسي واجتماعي كان.. لكن ما يحدث في اليمن أبعد ما يكون عن تلك الرؤية، بل هو أبعد من الواقعية وحتى الافتراضية، وأقرب من المستحيل، فمنذ ثمان سنوات يتمايل الواقع اليمني على قاعدة زئبقية غير ثابتة، وكأن التزأبق والتمويل قدران أزليان..!!

ثمان سنوات مرت عانى فيها اليمنيون ويلات لا يكاد ينتهي لها حد أو يوجد لها طرف، ويلات كان بالإمكان مدافعتها والاحتماء منها، أو على الأقل التقليل من وجودها ومن آثارها السلبية.. كان ممكناً ما هو أكثر من ممكن، لو أن السياسة لم تثر غبارها وتشعل غلواءها واصطراعها فوق ذلك الغبار الذي يضيق به صدر الوطن وتختنق فيه رئات اليمنيين.

ثمان سنوات شبع فيها اليمنيون وجعاً وقهراً وفقراً وشتاتاً، بدلاً من أن تشبع بطونهم الطاوية والضامرة خبزاً..!! ومن وراء كل هذه اللوحة السوداوية والواقع الفوضوي المضطرب، تُجمد ضمائرها وتُكتِّف سواعدها تشكلات سياسية فاعلة بشكل أساسي في هذا الواقع، ضاربةً بكل قيمة عليا وافتراضية عرض الحائط، سواء أكانت مسيرة في ذلك أم مخيرة.

سيلعن التاريخ طويلاً هذا الشرك السياسي الذي وقع فيه اليمن، وسيكون مكانه الطبيعي ومكان كل من كان جزءا فاعلا فيه، المظلم من زوايا التاريخ والأسود من صفحات أولئك الفاعلين الذين حولوا هذا الوطن الغالي إلى ماهو عليه الآن