اختفاء الخطاب الحوثي المتشدد ونبرة التهديد والوعيد

 بمجرد اتفاق ايران والسعودية على فتح سفارتيهما، ووصول الوفدين السعودي والعماني مؤخرا الى صنعاء لتوقيع اتفاق سلام مبدئي، تبدل الموقف الحوثي العدائي واختفت لهجة التهديد والوعيد والتخوين الحوثي لأول مرة، ما أحيا تفاؤل اليمنيين الذين اعتبروا هذا التبدل بشارة خير، على أمل إنهاء حرب دمرت حياتهم وبلدهم، والشروع في خطوات سلام طال انتظاره..

قديما قال العرب: مابين طرفةِ عينٍ وانتباهتها- يغير اللهُ من حالٍ الى حالِ.. ذاك ماينطبق اليوم على تبدل الموقف الحوثي المفاجئ بعد عودة ايران لعلاقاتها مع الرياض، ووصول وفد سعودي الى صنعاء لإنجاز سلام عز تحقيقه!.

فنبرة العنتريات الحوثية وخطاباتها النارية المعتادة انخفضت حرارتها لأول مرة، وُوضعت في ثلاجة التبريد حتى إشعار آخر، وهدأت لهجة التهديد والوعيد التي ظل الحوثيون يرددونها طيلة الحرب التي اشعلها انقلابهم، وسرعان ماتغيّرت اللغة المتعالية التي أفشلت جهود السلام منذ مفاوضات الكويت ومابعدها، واختفت من تصريحاتهم مفردات الصواريخ والمُسيرات والاحتلال والتخوين والانتقام لدماء الشهداء، ليظهروا اليوم كحملٍ وديع ينشد السلام والتعايش والاخاء بين اليمنيين، والحرص على الجوار والمصالح المشتركة، ومن كانوا يجرّمون العلاقة مع السعودية ويعتبرونها عمالة وارتزاقا وخيانة عظمى باتوا يستقبلون وفودها بالترحاب والقبلات، ويصرحون بأن أبواب صنعاء مفتوحة للجميع، ويدعون خصومهم إلى حوار يمني لبناء عملية سياسية تقوم على أساس التوازنات الداخلية وتحقق سيادة اليمن وتضمن تحركه ضمن مصالح أمته العربية!.

تحولٌ عجيب في المواقف؛ وتهدئة مبشرة رغم ان كل الأطراف باركتها بحذر شديد إلا أنها أحيت تفاؤل اليمنيين واملهم بعد الله في زيارة الوفدين السعودي والعماني الى صنعاء لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق وشيك، تبدأ مرحلته الأولى بتمديد الهدنة؛ وإنهاء ملف الأسرى والمعتقلين؛ وفتح الطرقات المغلقة والموانئ والمطارات؛ وصرف مرتبات الموظفين؛ وعودة تدفق النفط، وتوحيد سعر العملة والبنك المركزي، وتهيئة الملعب لتسوية شاملة والحوار حول الدولة الجديدة ووضع الجيش وحل القضية الجنوبية، وذاك ما ظل ينشده اليمنيون طيلة تسع سنوات من حرب مدمرة لم ينتصر فيها أحد وفق مراقبين، فقد احتفظ كل طرف بمناطق سيطرته، ومثلما ظلت صنعاء بعيدة كما زعموا؛ كذلك مارب وتعز والساحل الغربي ومحافظات الجنوب ظلت بعيدة ايضا، فيما اليمن الكبير ظل التئامه بعيداً عن الجميع، وبات واضحا للعيان أنه بدون تعايش ودستور ودولة جامعة وثقافة صناديق لن يكون هناك يمنٌ لأحد، بل يمنات مشرذمة ولعنات أجيال ستلاحق المتسببين الى قبورهم!.

نتحدث عن تسع سنوات من حرائق متوالدة نغصت حياة اليمنيين وأكلت أعمارهم؛ وشردتهم في الملاجئ والمنافي، واضاعت حاضرهم ومستقبلهم، وحلمهم في دولة ديمقراطية، وانتجت اكبر مأساة في العالم، وعذابات شعب عظيم تحول الى طوابير متسولة بانتظار صدقات الاخرين!

تسع سنوات من حرب مجنونة لم يستمع فيها المتكالبون على السلطة لنداء العقل، منذ ان ناشدهم الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح مبكرا لإنهاء الانقلاب ووقف الحرب وتغليب الحكمة اليمانية وطاولة الحوار؛ والحفاظ على الدولة وجيشها المهيكل، بدلا من إهدار الوقت في حرب فاجرة ستدمر الحجر والبشر فقط، ولن ينتصر فيها احد.