الموظفون النازحون.. معاناة مفتوحة في أولويات الحكومة اليمنية "المهاجرة"
للعام السادس على التوالي، ومعاناة آلاف الموظفين النازحين كتاب مفتوح، وكلما ازدادت وتيرتها افتتحت شهية الحكومة اليمنية "المهاجرة" خارج البلاد في معزل عن معاناتهم وسواهم منذ اندلاع الحرب في العام 2015م، غير مكتفية بذلك، حيث عمدت إلى مزيد من العراقيل والإجراءات التعسفية أمام حصولهم على مرتباتهم الحكومية ورعايتهم وأبنائهم، رغم أنها باتت لا تساوي 20 في المئة مقارنة بما قبل الحرب.
تقطعت السبل بآلاف الموظفين النازحين في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوبي اليمن)، في أروقة الوزارات ومكاتبها، بحثا عن مرتباتهم الحكومية التي يساوي متوسطها 60 ألف ريال، (ما يعادل 43 دولارا امريكيا بسعر صرف الدولار في المناطق المحررة 1400 ريال)، وهو ما لا يتجاوز 20 في المئة من قيمة الراتب قبل الحرب.
وكان متوسط مرتبات الموظفين الحكوميين، قبل اندلاع الحرب التي اشعلتها مليشيا الحوثي عقب انقلابها في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، يساوي 273 دولاراً، (سعر صرف الدولار حينها 220 ريالاً). فضلا عما كان يتحصله الموظف من حافز شهري ثابت ومكافآت تتجاوز أحياناً المرتب الأساسي.
وللشهر الرابع على التوالي وآلاف الموظفين النازحين يطلقون المناشدات، ويشكون العراقيل التي تنصبها جهات حكومية في طريق الحصول على مرتباتهم، على رأسها وزارتا المالية والخدمة المدنية، في استهداف مباشر لاوضاعهم الاقتصادية والمعيشية التي تتفاقم يوما بعد آخر، في ظل استمرار الانهيار الاقتصادي، وتراجع قيمة العملة المحلية بصورة مستمرة.
وأكد عشرات النازحين لوكالة خبر، أنهم لم يتقاضوا مرتباتهم منذ شهر أبريل الماضي، في الوقت الذي تتراكم عليهم مديونيات ايجار المساكن والغذاء وبقية الالتزامات.
ومع أن المرتب الحكومي بات بالكاد يغطي قيمة كيس قمح 50كجم بلغ سعره (40 ألفا)، و10كجم سكر بـ(12 ألفا)، و4 لترات زيت بـ(7500) ريال، ليلجأ الموظف إلى البحث عن مهن أخرى، تتطلب منه أحياناً الهجرة من محافظة إلى أخرى، لتغطي عائداتها احتياجات أسرته الغذائية والدوائية وايجار المسكن، إلا أن الجهات الحكومية التي يفترض بها أن تغطي هذا النقص للنازحين، تتعمد عرقلة الراتب الأصلي وبصورة مستمرة، بحسب تأكيد عشرات النازحين.
النازحون أنفسهم، يجددون التأكيد على أن العراقيل والقيود الحكومية لا تعني سوى رغبة الحكومة بإعادة هؤلاء النازحين إلى مناطق سيطرة الحوثي، وتقديمهم لقما سائغة، مشيرين إلى أن هذه الإجراءات تأتي ضمن حزمة تخادمات بين الطرفين، وسط جهود حثيثة لكليهما بترك باب الحرب مفتوحاً، حتى لا تجف مواردهما.
إقصاء وتهميش
في السياق، قالت مصادر من أوساط الموظفين النازحين، إنهم بعد أن غادروا ديارهم قسراً وهروباً من القمع والملاحقات والجبايات الحوثية، قاصدين المناطق المحررة، باعتبار الحكومة المعترف بها هي الملاذ الآمن والمسؤول الأول والأخير عنهم وابنائهم مادياً وأمنياً وصحياً ونفسياً، فوجئوا بالتهميش والاقصاء، والاخضاع لشروط تعجيزية دون مزايا.
بالإضافة إلى ذلك، لم تدفع الحكومة اليمنية مرتباتهم بانتظام ولو لشهر واحد، طيلة السنوات الخمس الأخيرة، وتتعمد دفعها كل ثلاثة إلى أربعة أشهر، وذلك بعد عشرات المناشدات، أما دون ذلك فربما لن تدفعها حتى دفعة واحدة كل عام، مثلما حصل مطلع العام 2018م، حينما عرقلت دفع مرتبات المئات منهم طيلة عام كامل، واقصت كليا مئات المتعاقدين، في الوقت الذي وظّفت أشخاصا جددا وبالمئات، وعينتهم في مناصب منذ الوهلة الأولى.
وذكرت مصادر عدة، أن الحكومة التي وضعت بينها وحقوق هؤلاء النازحين حاجبا، وعاملتهم بعنصرية وتهميش لا يقل شأنا عن معاملة مليشيا الحوثي للموظفين المتواجدين في مناطق سيطرتها، تدفع لوزرائها وكبار المسؤولين المتواجدين في فنادق الرياض مرتبات شهرية بالعملة الصعبة، بعضها يزيد عن 10 آلاف دولار امريكي (اي ما يزيد عن 14 مليون ريال يمني)، ما يعني أن مرتب مسؤول واحد يزيد عن مرتبات نحو 233 موظفا من النازحين.
تدمير وتخدير
ومنذ العام 2015م، تتعرض مؤسسات الدولة لتدمير ممنهج عبر نافذين في الحكومة الشرعية، في ممارسات تتشابه كثيراً مع ممارسات مليشيا الحوثي الإرهابية، وأصبحت الملفات الإنسانية والمعيشية والأمنية لكليهما مجرد اوراق سياسية، يتسابقون في رميها على طاولات المفاوضات، ويجتهدون أكثر في عدم اغلاقها نهائيا، وكانت البداية في أواخر العام 2018م، مع افشال استكمال تحرير مدينة الحديدة ومينائها الذي كان على بعد مرمى حجر من القوات المشتركة المناوئة للحوثيين.
وما يزيد المتابع تأكيدا على غياب رغبة جميع الأطراف في إنهاء معاناة النازح والمواطن اليمني بشكل عام، نتائج سلسلة هدن واتفاقات أشرفت عليها الأمم المتحدة بنفسها (أحد الأطراف المستفيدة من بقاء حرب اليمن)، كان آخرها الهدنة المعلنة في أبريل 2022 والمزمنة بشهرين، وجُددّت لثلاث فترات انتهت في سبتمبر من نفس العام، إثر الرفض الحوثي لتجديدها بعد أن استفادت المليشيا منها عسكريا وأمنيا، ورفعت سقف مطالبها.
وللعام التاسع على التوالي، وتحرير العاصمة صنعاء واستعادة النظام الجمهوري من قبضة مليشيا الحوثي (ذراع إيران في اليمن)، حلم لم يعد يراود سوى عوام الشعب، أما بالنسبة لمن أطلقوا وعودا بتحقيق حلم الشعب في مدة أقصاها شهرين أو ثلاثة وكحد أقصى نصف عام، فقد باتوا يتحسسون من رائحة بارود الحرية، ولذا عكفوا على ضخ جرع من التخدير الإعلامي حرصا على "سلامة مناصبهم وابنائهم ونفوذهم، وبقاء عائلاتهم في فنادق مكيّفة حتى لا يصابون بعارض صحي"..