الزوكا إرادة صلبة وتضحية خالدة

د. طه الهمداني


عبر التاريخ تتشكل ثنائيات نادرة في الوفاء والصداقة واتخاذ القرارات وتخليد مرحلة جمعتهما في أمور عديدة متعلقة بالسياسة والأدب والسلطة وقد كان الأمر كذلك بين الراحلين الشهيديـن علي عبد الله صالح وعارف عوض الزوكا. 

لقد ضرب الشهيد والمناضل الوطني المؤتمري، الوحدوي الأستاذ عارف الزوكا الأمين العام السابق للمؤتمر الشعبي العام مثالا نادرا في الوفاء والتضحية والاخلاص والكرم بعد أن جاد بروحه ودمه وحياته إلى جوار الزعيم الشهيد الخالد علي عبدالله صالح رحمهما الله رافضا كل المغريات غير مستسلم للرغبات مسجلا واحد من أبرز المواقف التاريخية الشجاعة.

 لذا فإن الحديث عن الشهيد البطل ابن شبوة واليمن كلها عارف الزوكا يظل قاصرا بحيث لن تسعف مفردات اللغة كلها أي محب أو كاتب أو صديق أو زميل لشهيدنا الغالي في انصافه والتحليق في مدارات هذا العالم لما تمتع به طيلة مشواره من الشهامة والوفاء والإقدام النادر في سفر الإنسانية وتاريخنا الحديث والمعاصر.

 لقد شكل موقفه من الأحداث قبل وفاته واخلاصه للوطن وللمؤتمر الشعبي ولرئيسه حالة فريدة واستثنائية في تاريخنا، ومدرسة تتعلم منها الأجيال اللاحقة والسابقة معاني التضحية التي لم تبنى على مصلحة تضحية تعيد إلى الأذهان بعض قصص وأحداث التاريخ المماثلة.

 لأن قصة كالتي كانت بين صالح والزوكا عكست صورة مدهشة من صور العزة والأنفة أمام غطرسة الجبناء وللصوص الذين تمرسوا على الغدر والخيانة وسفك الدماء عبر التاريخ دون مراعاة القيم والأخلاق وواقع الناس من حولهم لطالما كان مشروعهم قائم على الدم والموت والفوضى وتدمير البنيان.

 إذا هكذا هم العظماء حين يواجهون ويقررون مصيرهم بأيديهم إما حياة بعز أو شهادة دون ذل واستعباد كما حاول أن يرسمها غزاة الداخل الرجعيين؛ لأنه من المستحيل أن يخضع من ألف الشموخ وعاش مرفوع الرأس أمام شعبه وأهله وعشيرته. 

الدرس الذي تم تقديمه لم يكن سهلا لكنه كان متاحا للجميع كي ينهلوا منه ويتعلموا معنى التضحية معنى أن تكون قويا في لحظة غرور الآخرين معنى أن تنتصر حين تملك إرادة في مقابل وحوش مدججة ليس بالسلاح فقط وإنما بالعنصرية والرغبات السيئة والمذهبية والطائفية والثارات والاحقاد والضغائن، هو درس كبير من علمين في السياسة ومصدر القرار لا يمكن محوهما ببعض الأخبار الزائفة والأقاويل الكاذبة عبر إعلام مخدوش الحياء. 

إنني اليوم اكتب عن شخصية قل نظيرها في الحياة والعلاقات واتحدث عن قامة كان لي الشرف بأن رافقته وزاملته وعملت معه لسنوات طويلة وخبرته عن كثب، فوجدته ينتمي لطينة وخامة العمالقة الفرسان الحميريين اليمنيين الإنسانيين الأصلاء.

 الزوكا شخصية من السابق لأوانه الإلمام الكامل بما كان عليه من مناقب وصفات وسيرة عطرة وشخصية نادرة لا تدري معها من أين تبدأ وأين تنتهي وكيف يمكن الأخذ بزمام ما كان عليه على المستوى الشخصي والمجتمعي. 

فإن تحدثت عن الروح القيادية فلن توفه حقه، وإن تحدثت عن البساطة والتواضع والصبر والحنكة والسمو والوطنية والاخلاق العالية فلن توفه حقه أيضا. شهيدنا الكبير والخالد عارف الزوكا تعلمنا منه الكثير طوال مسيرته الحافلة التي تشرفنا بأننا كنا جزءا منها وأكثر قربا منها، لذلك فإن خسارة غيابه عن حياتنا ومشهدنا الوطني والمؤتمري أكبر من أن نختصرها في تناولة سريعة كهذه.
أقول: لقد اخلص الشهيد الزوكا لتنظيمه ومبادئه واوفي لوطنه، ومن المفيد أن نشير هنا إلى حقيقة أنه صاحب فكرة ترديد شعار بالروح بالدم نفديك يا يمن تماما كما اوفي للوحدة المباركة التي تعمدت بالدماء الزكية الطاهرة. 

أوفى مع نفسه فإما حياة بكرامة وعزة وإما موت بشرف فعاش حرا ومات كذلك غير عابئ بغبار التاريخ ممكن اعتادوا على موائد السحت ونكران الجميل والتشبث بالخرافة. 

نعم لقد عشت حرا عزيزا شهما كريما نلت الشهادة بشجاعة ووفاء واقدام نادرين، وكنت مدافعا قويا عن الوطن، حينما وقفت بكل قوة ضد العدوان الغاشم، وكنت فارسا نبيلا في كل جولات المفاوضات وفي تحشيد المؤتمريين وانصارهم لمواجهة عدوان الخارج والداخل، كما كنت موجها لكل الاعلاميين والسياسيين والحقوقيين لتكون قضيتهم الاساسية هي كشف جرائم العدوان والدفاع عن الوطن ومحاربة الفساد والتهميش والاقصاء وكشف زيف المليشيا كما كنت وفيا مع كل مؤتمري مخلص للوطن وللتنظيم ومبادئه، وستظل مثالا في الوفاء والعطاء والشجاعة والفداء. 

رحمك الله أبو عوض وتغمدك بواسع رحمته.